“نظام الكفالة”؛ نظام العبودية والرق في القرن الواحد والعشرين
الصمود– في الوقت الذي يتغنّى فيه سكان العالم كلّه بأنهم تخلّصوا من جميع أشكال العبودية والرق التي كانت منتشرة في كثير من الدول خلال القرون الماضية، مازلنا نرى – للأسف الشديد – إلى وقتنا الحاضر دولاً عربية خليجية تقوم باستعباد الكثير من الناس الذين جاؤوا إليها لكسب لقمة العيش تحت مسمى “نظام الكفالة” الذي يعدّ من أكثر الأنظمة تصعيباً على العمالة المهاجرة، والتي تدخل ضمن أشكال “العبودية الحديثة” ويتلخص هذا النظام المهين لكرامة الإنسان في أن يقوم صاحب العمل بحجز جواز سفر العامل طوال فترة التعاقد وبهذا يحجز معه حريته في الحركة والسفر ويتم إذلال العامل وأحياناً سرقة مستحقاته المالية، بل حبسه لأتفه الأسباب، في مصادرة مهينة لكرامته كإنسان حر.
ولقد نشرت الكثير من المنظمات الحقوقية حول العالم العديد من التقارير التي تؤكد هذا الشيء وحول هذا السياق قالت الكاتبة في مجال حقوق الإنسان “بريانكا موتبارتي” فيما يخصّ نظام الكفالة: “إن الكفالة نظام سلطوي في سياق الهجرة، يسمح هذا النظام للحكومات بترك مسؤولية المهاجرين في أيدي المواطنين والشركات ويعطي الكفلاء صلاحية قانونية للتحكم في مصير العامل، وبدون إذن الكفيل لا يستطيع العامل تجديد أوراقه أو تغيير وظيفته أو الاستقالة منها أو ترك البلاد”.
وفي سياق متصل صرّح “حافظ أبو سعدة” رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان، في مقابلة أجراها مع محطة “سبوتنيك” الإذاعية، قائلاً: “إن نظام الكفيل لا يتوافق مع النموذج المقرر من المنظمات الدولية وبالتحديد منظمة العمل الدولية وبالتالي على حكومات الدول الخليجية التراجع عن هذا النظام”.
من جهته تحدث “محمد جميل” مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا إلى جريدة “عربي 21″، قائلاً:” إن أكبر ما يعيب نظام الكفالة أنه خاضع لاعتبارات شخصية وهو هش وغير موضوعي ويضع العامل الوافد تحت ضغط نفسي كبير”. وأضاف:”إن الاعتبارات القانونية غائبة في نظام الكفيل كحجز جواز السفر والحد من حرية التنقل وتعرض العامل للترحيل المفاجئ بدون الرجوع للمحاكم”.
وفي سياق متصل قال “آدم كوجل” الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش: “إن الدول الخليجية تتمسك بهذا القانون من باب السيطرة على العمالة الوافدة لكونها من أعلى النسب في العالم”. ولفت “كوجل” إلى أن المنظمة الدولية قامت بالتواصل وبإرسال العديد من الرسائل لكل الدول التي تعمل بنظام الكفيل من أجل تغيير النظام بشكل كامل أو على الأقل تعديله، من أجل تخفيف الضغط على العمالة الوافدة، كمنح العامل حق نقل الكفالة أو حتى مغادرة البلد دون إذن من كفيله.
من جهة أخرى صرح المرصد الحقوقي الأوروبي في بيان صحفي له، قائلاً:”إن نظام الكفيل المتبع في السعودية وبشكل مشابه في بعض الدول الخليجية، يمنع أي أجنبي من العمل في السعودية إلا من خلال كفيل سعودي وهذا الأمر يُعدّ استعباداً لتلك العمالة المهاجرة“.
وقد قامت صحيـفة “الأوبزيرفر” البريطانية بإرسال دعوة لاتحاد النقابات الدولي في الأمم المتحدة للتحقيق في أدلة تفيد بأن آلاف العمال المهاجرين في دولة الإمارات يعاملون كـ “العبيد“ حسب تعبيرها.
الجدير بالذكر هنا أن تلك العمالة المهاجرة تشكل نسبةً هائلة مقارنة بعدد السكان في هذه الدول الخليجية، حيث يعيش ما يقارب 17 مليون وافد وعائلاتهم في هذه البلدان ويُصادر الكفيل غالباً وثيقة سفر العامل المهاجر لإجباره على العمل وإرهابه، فنظام الكفالة لا يضمن للعامل حق تقديم الشكوى في حال انتهك الكفيل أيّاً من حقوقه ونتيجة لكل هذه الممارسات البشعة قامت منظمة “هيومن رايتس ووتش” بكتابة تقرير عنونته بـ “لقد قمت بشرائك سلفاً” أشارت فيه إلى العديد من الانتهاكات التي حصلت بحق العمالة المنزلية في تلك الدول الخليجية ولفتت هذه المنظمة إلى أن هنالك أكثر من 20 عاملة منزلية تحدثن بأن أصحاب عملهن أساؤوا إليهن بدنياً وجنسياً.
ووسط كل تلك المطالبات الدولية التي دعت إلى إلغاء نظام الكفالة الاستعبادي، نجد أن تلك الدول الخليجية لم تقم بإجراء تعديلات جدية على النظام ولم تقم بإصدار قوانين جديدة توفر بعض الحقوق للعمالة وتوفر لهم معيشة كريمة، وعلى الرغم من تلك الوعود التي قطعتها الدول الخليجية بإلغاء نظام “الكفيل”، إلا أن ذلك لم يتجاوز الوعد وأن النظام لا يزال معمولاً به وساري المفعول وهو الباب الذي من خلاله تحدث كل الانتهاكات بحق العمالة المهاجرة والتي تعتمد بشكل أساسي على “الكفيل”.
وفي النهاية يجب القول إنه ليس من حق أي إنسان أن يستعبد إنساناً آخر في هذه الحياة، فكلنا متساوون عند الله سبحانه وتعالى، لنا نفس الحقوق وعلينا نفس الواجبات وإذا أردنا أن تتحقق العدالة فعلينا إلغاء نظام الكفالة فهو نظام للاستعباد لا أقل ولا أكثر.