أفول الوهابية في السعودية.. المعطيات والمآلات
الصمود- بعد وصول الملك “سلمان بن عبد العزيز” وولي عهده “محمد بن سلمان” إلى سدة الحكم في السعودية، والإجراءات التي اتخذها الأخير تحت عنوان الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية يبدو أن صفحة جديدة قد بدأت تتكشف ملامحها في تاريخ الأسرة السعودية الحاكمة والمنهج الوهابي الذي تتبعه في إدارة شؤون البلاد على المستويين الداخلي والخارجي.
التصريحات التي أطلقها محمد بن سلمان حول ما أسماه إجراء “إصلاحات اجتماعية” لمواجهة خطر التطرف تشير إلى أن تغييرات كثيرة ستحصل في السعودية خصوصاً فيما يتعلق بالفكر الوهابي.
اعترف ابن سلمان بحدّة التذمر من الأساليب القديمة التي حكمت السعودية طوال عقود من الزمن وقد زادت في المجتمع السعودي ولم يعد بالإمكان الاستمرار في هذه الأساليب.
كما أصدر الملك سلمان قرارات تؤكد بأن الشعب لم يعد يطيق القوانين التي عفا عليها الزمن كمنع المرأة من قيادة السيارة، ومن الحضور في الملاعب الرياضية، ومن ضمن قراراته أيضاً تقليص صلاحيات ما يسمى “هيئة الأمر المعروف والنهي عن المنكر” التي تمثل ذراع الوهابية المتنفذ في السعودية.
إلى جانب ذلك من المقرر أن تُستحدث لجنة في السعودية تأخذ على عاتقها إعادة النظر بـ “النصوص المذهبية” التي تشجع على القتل وممارسة العنف ضد المخالفين للفكر الوهابي، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على الاعتراف الصريح بأن الوهابية هي السبب فيما حصل من قتل فجيع طال كل من لا يؤمن بهذا الفكر السلفي المتطرف الذي يستقي تعاليمه من “ابن تيمية” الذي عاش خلال النصف الثاني من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن الهجري.
الوهابية قامت في منطقة “نجد” وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري على يد “محمد بن عبد الوهاب” و”محمد بن سعود” حيث تحالفا لنشر الدعوة السلفية وتأسيس “الدولة السعودية الأولى” التي سيطرت على شبه الجزيرة العربية وأجزاء من العراق والشام واليمن، وكانت البداية في الدرعية.
وشنّ “محمد بن عبد الوهاب” سلسلة من الحروب صادر فيها أموال وممتلكات خصومه من سكان شبه الجزيرة والمناطق المجاورة، وخسر الكثير من المسلمين أرواحهم نتيجة هذه الحروب.
ولم تكن الوهابية مجرد فكرة تريد أن تفسر النصوص الدينية على هواها ووفقاً لمصالحها؛ بل كانت ومازالت إلى وقت قريب تتدخل في إدارة شؤون السعودية في كل المجالات.
ومن الأمور التي كان يضطلع بها الفكر الوهابي طوال العقود الماضية هو القيام بتبرير سياسات الأسرة الحاكمة ومحاولة إضفاء طابع “شرعي” على سلوكياتها وتصرفاتها المنحرفة.
وبعد ظهور النفط في أرض الجزيرة العربية في ثلاثينات القرن الماضي وما نتج عنه من ثروات مادية هائلة لم تعد الأسرة السعودية المالكة بحاجة كبيرة إلى الوهابية كي تبرر لها انحرافاتها بعد أن باتت قادرة إلى حد ما على كسب شرائح كبيرة من المجتمع من خلال الأموال التي تنفقها هنا وهناك، ما أدّى إلى التفاف قبائل عديدة حول هذه الأسرة التي قامت أساساً على النزعة القبلية وتوريث المناصب العليا في الدولة للأبناء عند موت الآباء.
هذا الأمر أدّى رويداً رويداً إلى تقليص دور “علماء الوهابية” في التدخل في شؤون الدولة، إذ لم تعد هناك حاجة كبيرة لهم بعد أن حلّت الأموال محلّهم في تسوية الكثير من القضايا التي تهم الأسرة الحاكمة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
وبعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا واتهام الجماعات الإرهابية ولاسيّما “تنظيم القاعدة” بالوقوف وراءها، أصبح الفكر الوهابي في حرج شديد باعتباره المؤسس لتلك الجماعات، ما أرغم النظام السعودي على التخلي – ولو بشكل نسبي – عن الوهابية خصوصاً بعد أن ثبت تورطها في تشكيل ودعم جماعات إرهابية أخرى في مقدمتها “حركة طالبان” و”تنظيم داعش”.
بالإضافة إلى ذلك أدّت الضغوط الغربية على السعودية إلى ابتعاد الأخيرة عن الوهابية باعتبارها السبب في التطرف وتفريخ الجماعات التكفيرية والإرهابية التي باتت تهدد أمن واستقرار الكثير من الدول الغربية ولاسيّما في أوروبا، وساهم هذا أيضاً في أفول الوهابية وتقليص دورها ليس في السعودية فحسب؛ بل في دول ومناطق أخرى من العالم التي اخترقها هذا الفكر المنحرف والمتطرف تحت عباءة إنشاء “مدارس دينية” أو ما شابه ذلك من أجل تخريج إرهابيين يأخذون على عاتقهم تنفيذ عمليات إجرامية ضد كل من لا يؤمن بالوهابية أو يسعى لفضح أساليبها الشيطانية الرامية إلى إغواء الشباب وحرف عقولهم عن الدين الإسلامي الحنيف وتعاليمه القويمة.
إذاً ما تسعى إليه السعودية في ظل عهد بن سلمان الذي قد يتوج ملكاً للبلاد خلال العام 2018 هو “نظام علماني” لا دور فيه للدين أو الوهابية بشكل خاص إلّا إذا اقتضت الضرورة وحينها سيتم استدعاء الدين لتقديم الخدمات المطلوبة.
هذه المعطيات وغيرها تبين أن الوهابية قد دخلت في غياهب المجهول وباتت في مهبّ الريح خصوصاً بعد أن بدأ النظام السعودي يتخلى عنها “ولو بصورة تدريجية” لأنها أصبحت وبالاً عليه وهذه هي سنّة التاريخ كما قال الله في محكم كتابه الحكيم “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذهَبُ جُفاءً، وَأَمّا ما يَنفَعُ النّاسَ فَيَمكُثُ فِي الأَرضِ” (سوره الرعد آیه ۱۷). وإذا لم يحصل هذا في القريب العاجل فمن المؤكد أن الوهابية لن تبقى على ما كانت عليه في السابق، ولابدّ لها من تغيير جلدها علّها تواكب متطلبات العصر، وهذا الأمر يبدو مستحيلاً أو صعباً جدّاً لأن الوهابية ستفقد في هذا الحالة مبررات وجودها التي قامت على الخداع واستغلال الدين لأغراض ومآرب بعيدة كل البعد عن روح وتعاليم الإسلام العظيم وفي مقدمتها الحب في الله والتقرب إليه سبحانه من خلال الالتزام بالتقوى والسعي لصيانة الدماء والرحمة بالخلق وهذا لا ينسجم مع وصايا “ابن تيمية” التي بُنيت على القتل والعنف ضد كل من لا يؤمن بالوهابية.