صمود وانتصار

صناعة الكراهية بين الوهم والحقيقة

الصمود| لا يمكن لأحد أن يتغاضى عن “ظاهرة الكراهية” التي ظهرت في مجتمعاتنا العربية وتفاقمت خلال الأعوام القليلة الماضية والتي كان لما يسمى “الربيع العربي” سبباً مباشراً فيها سبقه تحضيرات لـ “صناعة الكراهية” بدأ العمل عليها في الفترة التي تلت أحداث 11 أيلول وكانت موجّهة بشكل مباشر نحو بنية المجتمع العربي وإظهاره للعالم أجمع بأنه منبع للجماعات المتطرفة.

هذه الكراهية التي ظهرت داخل تركيبة المجتمعات العربية جاءت برداً وسلاماً على ساسة الغرب الذين يضمنون رفاهية بلادهم على حساب تعاسة بقية الشعوب، واليوم لا يمكننا أن ننكر ولا بأي شكل بأن المجتمعات العربية مخترقة من قبل الغرب الذي وجّه حربه الناعمة والخشنة تجاهها بشكل هيستيري خلال العقدين الماضيين.

عندما وجد الغرب ومعه أمريكا بأن الحروب العسكرية المباشرة تجاه دول بعينها مكلفة جداً وتزهق أعداداً كبيرة من الأرواح لدرجة لا يستطيع أحد من هذه الدول تحمّلها، اتجه هؤلاء لبناء نوع جديد من الحروب تمثّلت بما يعرف بـ “الحرب الناعمة” التي لا تقلّ قدرتها التدميرية عن الحروب المباشرة لا بل يمكن القول بأنها أكثر وقعاً وتأثيراً من العسكرية لأن الأخيرة تدمّر البيوت والمنازل من قبل عدو خارجي يوحّد أبناء الوطن الواحد ضدّه ويجمعهم على رأي موحد، لكن الحرب الناعمة من يستطيع تفكيكها ووقفها عند حدها في ظل وجود مجتمعات غير ناضجة ثقافياً وسياسياً ويمكن اختراقها بأساليب كثيرة، قد يكون الدين أحد أشكالها.

أدوات صناعة الكراهية

يستخدم العدو الذي يريد أن يخترق مجتمعاً بعينه مجموعة من الأدوات ذات التأثير البعيد التي تدخل في جزئيات المجتمع وتقوده من حيث يدري أو لا يدري نحو مجموعة من الأهداف التي يحددها الطرف المهاجم، وفي النهاية يتفتت المجتمع المستهدف ويصبح لقمة سائغة للجميع من صديق وعدو ومثال ذلك “سوريا، العراق، اليمن، وليبيا”، والأدوات التي اخترقت هذه المجتمعات كثيرة متمثلة في توجيه وتمويل وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنظمات المجتمع المدني.

ويبقى تأثير القوة الناعمة أخطر من الحروب المباشرة كونه يستهدف الوجود المعنوي للإنسان بينما تستهدف الحروب العسكرية الوجود المادي للإنسان، ولتحقيق هذا التأثير النفسي البعيد المدى يتم وضع خطط ممنهجة تتمثل بنشر الشائعات، وبث الفتن وتزوير الوقائع، واللعب على الوتر الطائفي والطبقي والعشائري وبهذا تبدأ الخطوات الأولى في مسيرة صناعة الكراهية التي يتم تغذيتها بين الحين والآخر لمنع هذه الشعوب من أن ترى ما يحدث خارج محيطها الضيق وبالتالي السيطرة عليها، ولكي يتم إحكام القبضة عليها بشكل مطلق، تقوم الدول المهاجمة بتغذية الخطاب الديني الطائفي والسياسي المتشدد لبثّ التفرقة ونشر الكراهية إلى أبعد مدى ممكن.

وفي ظل هشاشة الحكومات في العالم الثالث ووجود هوة كبيرة بين الطبقة الحاكمة والشعب، ومع استخدام القوة الناعمة الخبيثة تصبح دولاً فاشلة وغير مستقرة وتعاني انقسامات وتشرذمات قبلية وطائفية، ومع تهميش حكومات هذه الدول لمتطلبات الشباب وإهمال أبناء الريف، تصبح البيئات المذكورة هدفاً سهلاً للاختراق ونشوء مجتمعات متطرفة تصبّ جام غضبها على المدن والحكومات سوية عندما يأتي التحريض اللازم والمال الكافي.

خلال الأزمات التي شهدها الشرق الأوسط والتي بدأت مع غزو العراق في العام 2003 وما تلاها من محاولات انفصالية داخل بعض الدول لقوميات معينة والعمل على تغذية الطائفية والقبلية وضخ أموال طائلة لتسويق أفكار متطرفة في الشرق وغيرها من الأمور مهدت لتصدير ما يسمى “الربيع العربي” الذي تحول إلى خريف أسود دمّر دولاً بأكملها وفرّق شعوباً عن بعضها وخلق كراهية غير مسبوقة بين أبناء الشعب الواحد لاعتبارات طائفية ومناطقية وقبلية تم اللعب عليها واستغلالها بشكل جيد للحيلولة دون وقوع أي تحالف ورأب الصدع بين أبناء الوطن الواحد، لينتج عن هذا انتشار الفوضى، وإثارة النعرات الطائفية، والعنف، والإرهاب في المنطقة.

ثم جاء بعد ذلك التسويق لفكرة “إسلام فوبيا” وتقديم المسلمين أمام شعوب العالم البقية بأنهم منبع للإرهاب والتطرف في العالم وإخافة الناس منهم وإضاءة أي عيب يحدث في الشرق وتضخيمه من خلال الماكينات الإعلامية الغربية والعربية التابعة لها، وتعتيم الأخبار التي تظهر الجرائم التي تحدث في أمريكا والغرب والتي تبرز مدى وحشية بعض الأشخاص في تلك البلدان والتي تضاهي وحشية داعش، وقد شاهدنا هذا الموضوع مرات عديدة في مدارس أمريكا وحوادث الدهس في أوروبا، وكان يتم تبرير إجرام هؤلاء الأشخاص بأنهم مختلون أو يعانون أزمات نفسية، بينما لو كان الفاعل “مسلماً” لكتبت كل صحف العالم عن الحادثة وضخمتها إلى أقصى حد ممكن.

اليوم ما الذي ظهر في الشرق نتيجة هذا التسويق المبرمج لصناعة الكراهية؟

أنظمة هشة ضعيفة لم يعد باستطاعتها السيطرة على الشعوب المنتفضة في وجهها بحق أو بغير حق، واللعب على هذه القضية من قبل الغرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وإيصال رسالة بأن حكوماتكم عاجزة عن تأمين متطلباتكم، وبالتالي يشعر المواطن باليأس والخوف من المستقبل ويضع نصب عينيه الهجرة إلى أوروبا، ومن هنا يبدأ تفريغ المجتمع من الشباب الطموح الذي يسعى لبناء حياته بأفضل طريقة ممكنة ويتبعها هجرة العقول لنصل إلى نتيجة مفادها أننا أصبحنا أمام “دول فاشلة” عاجزة عن تحقيق طموحات وتطلعات شعبها، نعم إنها “صناعة الكراهية” يا سادة.