ماليزيا.. فشل جديد للإمارات والسعودية
الصمود / 14 / مايو
بوصوله لرئاسة الوزراء في ماليزيا، يدشن مهاتير محمد عهدا جديدا يعلن فيه نهاية عهد اتسم بتلاعب عواصم عربية ببلاده، ويعيد فتح ملفات فساد تتهم السعودية والإمارات بالتورط فيها، لتعيش الدولتان على وقع فشل جديد في تدخلاتهما التي اتسعت شرقا وغربا.
قصة الإمارات والسعودية مع ماليزيا تعود لسنوات حكم رئيس الوزراء السابق نجيب عبد الرزاق، وعنوانها الأبرز شبهات فساد أدت إلى خسارة صندوق التنمية الحكومي الماليزي (MDB1) نحو 4.5 مليارات دولار، وتدخلات أغرقت ماليزيا بالفساد، الذي دفع مهاتير لمغادرة الحزب الحاكم الذي قاده لأكثر من عقدين عام 2006، عندما أعلن أنه لا يشرفه أن يكون في حزب يحمي الفساد.
ودور الإمارات في انتكاسة الصندوق السيادي الماليزي كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال في يناير/كانون الثاني 2017، عندما نشرت وثائق محاكمات وتحقيقات أظهرت وجود دور لسفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة في هذه الفضيحة، من خلال شركات مرتبطة به تلقت ملايين الدولارات من شركات خارجية قال المحققون في الولايات المتحدة وسنغافورة إن أموالها اختلست من صندوق تنمية ماليزيا.
فتش عن العتيبة
كما كشفت رسائل بريد إلكتروني خاصة بالعتيبة نشرتها وسائل إعلام أميركية العام الماضي عن لقاءات بين شاهر عورتاني -وهو شريك تجاري للعتيبة في أبو ظبي- و”جو لو” الممول الماليزي الذي تقول وزارة العدل الأميركية إنه المتآمر الرئيسي في عملية الاحتيال المزعومة التي تبلغ قيمتها 4.5 مليارات دولار، ويصفها محققون بأنها أكبر عملية احتيال في التاريخ.
كما وردت أسماء شركات إماراتية في التحقيقات التي طالت أصول الصندوق الماليزي، وهو ما يعتبره مراقبون بمثابة “كابوس” ينتظر الإمارات إزاء التحقيقات المستمرة في خمس دول حول العالم.
الدولة الثانية التي سعت للتدخل بشكل لافت في ماليزيا كانت السعودية، التي أقر وزير خارجيتها عادل الجبير بأن العائلة المالكة في الرياض أودعت في حساب عبد الرزاق 681 مليون دولار قبيل انتخابات 2013.
وقبل ماليزيا، كانت وسائل إعلام تركية عدة اتهمت الإمارات بدعم الانقلاب الفاشل صيف عام 2016.
تركيا قبل ماليزيا
وأمس السبت، اتهم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو دولة عربية -لم يسمها- بتزعم حملة معاداة تركيا، والعمل على تعكير علاقاتها بمحيطها العربي.
مراقبون اعتبروا أن أوغلو يقصد الإمارات، عندما قال إن تلك الدولة أسهمت في تمويل المحاولة الانقلابية التي نفذتها جماعة فتح الله غولن، وأن الأموال نقلت لغولن عن طريق القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان الذي يقيم في أبو ظبي، ويعمل مستشارا لولي عهدها محمد بن زايد.
والتساؤل الذي يطرحه مراقبون يتعلق بالهدف الذي تلعبه الإمارات بشكل أساسي والسعودية في السعي لإفشال تجارب رائدة في العالم الإسلامي، عوضا عن التورط في ملفات داخلية وحروب في العديد من الدول، منها مصر وقطر وليبيا واليمن والسودان والصومال وجيبوتي، إضافة إلى دول أفريقية.
وفي رأي الباحث في شؤون العالم العربي والإسلامي صلاح القادري فإن للسعودية والإمارات دورا أساسيا في “محاولة إسقاط ماليزيا”، إضافة إلى محاصرة وإعلان الحرب على أي قوة ترفض الهيمنة الغربية أو تتبنى ثورات الشعوب على الظلم.
وقال للجزيرة نت -عبر الهاتف من باريس- إن السعودية لديها خطة قديمة لمنع نجاح أي تجربة تستند إلى مرجعية إسلامية تخالف توجهاتها الوهابية.
ملهم للإسلاميين
وحسب رأيه، فإن السعودية سعت لإسقاط النموذج الماليزي لسببين: “الأول أنه أصبح ملهما للإسلاميين الذين نادوا بتطبيقه في بلادهم، ومنهم الإسلاميون في مصر عندما وصلوا للحكم”. و”الثاني أن هناك في ماليزيا من سعى لإلحاق بلادهم بمشروع حضاري يضم عددا من القوى الإسلامية والعربية الصاعدة منها وتركيا وباكستان وقطر ودول أخرى، وهذا يشكل خطرا على نفوذ السعودية”.
ويذهب القادري إلى حد اعتبار ما جرى في مصر “يندرج ضمن المخطط السعودي الإماراتي ذاته؛ لأن البلدين يدركان أن مصر تمتلك أسباب القوة لتصبح منافسا يعيدها لصدارة العالم العربي، ويجعلها نموذجا على مستوى العالم الإسلامي”.
الباحث المقيم في باريس ذهب لاعتبار أن هناك “تحالفا عربيا صهيونيا” تشكل مؤخرا يتكون من دول وقوى، يهدف إلى أمرين: الأول عدم قيام أي أنظمة خارج نطاق الهيمنة الأميركية الغربية، والثاني القضاء على أي قوى ثورية تنسجم مع تطلعات الشعوب العربية والإسلامية.
وبرأيه، فإن سر الحرب السعودية الإماراتية على جماعة الإخوان المسلمين ووصمها بالإرهاب يعود لكونها القوة الأكثر تنظيما وقدرة على التصدي للأنظمة الحاكمة.
مهمتان أساسيتان
القادري قال أيضا إن هذا التحالف لديه اليوم مهمتان أساسيتان: “الأولى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا ينسجم مع الإستراتيجية الأميركية والغربية القائمة على دمج إسرائيل بالمنطقة، والثانية محاصرة القوى الصاعدة سواء كانت دولا أو قوى، وهذا يفسر سعي هذا التحالف لإفشال التجربتين التركية والماليزية”.
لكن القادري اعتبر أن هذا التحالف تلقى مؤخرا ضربات مهمة، معتبرا ما جرى في ماليزيا مؤشرا مهما، إضافة إلى فشل تطويع قطر، وقبلها فشل انقلاب تركيا.
وذهب لاعتبار أن هناك “جيوب مقاومة” ظهرت بشكل قوي مؤخرا، تمثلت في مقاومة الفلسطينيين لمشاريع تصفية قضيتهم، ورفض الصومال هيمنة الإمارات، وإصرار السودان على علاقاته مع تركيا وقطر، و”الصحوة اليمنية ضد الهيمنة الإماراتية”، وصولا لاستمرار رفض تيار عريض من الليبيين صعود خليفة حفتر على ظهر ثورتهم.