رمضان في عهد بن سلمان.. عبادة بكفيل واعتكاف على الهوية
الصمود / 17 / مايو
لم يسلم زوار بيوت الله من إجراءات وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، وسياسته “المثيرة” تجاه العلماء والمشايخ؛ إذ أقدمت السلطات السعودية على إقرار قوانين أثارت شكوكاً كبيرة وعلامات استفهام.
ومن بين ما صدر من قرارات نشرتها وسائل إعلام سعودية رسمية توثيق وجمع معلومات عن المعتكفين أو المصلّين من الجنسيات العربية والإسلامية في مساجد الممكلة خلال شهر رمضان.
وضمن سياسة تقليص دور المساجد في إرشاد المجتمع، وطمس هوية الشعب السعودي المحافظ، اشترطت السلطات في المملكة على المعتكفين في المساجد من الجاليات المسلمة والعربية من غير السعوديين، خلال شهر رمضان، تقديم نسخ من بطاقاتهم الشخصية، وموافقة الكفيل.
وأكّدت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، في تصريح لها نُشر الأحد 6 مايو 2018، أن على المعتكفين في المساجد خلال شهر رمضان في منطقة مكة الحصول على الإذن من أئمة المساجد من أجل الاعتكاف، واستحداث سجلّ للبيانات والمعلومات الكاملة عن المعتكفين، ونسخ صورة من بطاقاتهم الشخصية، وأن يحصل المعتكف على موافقة من الكفيل المعتمد لغير سعودي الجنسية؛ وذلك من أجل الحرص على عدم وجود ما ينافي الاعتكاف، ومعرفة المعتكفين في المساجد، بحسب ما أوردته صحيفة “سبق” السعودية.
وهذه الإجراءت التي تهدف إلى مراقبة المسلمين أثناء ممارسة شعائر دينهم في الأماكن المقدسة سبقتها إجراءات “مثيرة” دفع ثمنها المصلون والمساجد، حيث منعت السلطات السعودية استخدام مكبّرات الصوت في المساجد أثناء صلاة التراويح، وتذرّعت في ذلك بأنه حتى لا يحدث تشويشاً على المساجد المجاورة، والحفاظ على خشوع المصلين، والاكتفاء بالسماعات الداخلية للمساجد.
لكن مراقبين اعتبروا أن هذه الإجراءات تأتي ضمن سياسة تقليص دور المساجد في المجتمع السعودي مقابل فتح المزيد من الملاهي ودور السينما، ودعم الحفلات الغنائية، وإحياء الليالي الصاخبة والاختلاط بين الشباب والشابات، ومشاهير نجوم الفن العربي والغربي.
– هيكلة المؤسسات الدينية
وسط حراك رسمي جارٍ لإعادة هيكلة المؤسّسات الدينية والإيديولوجيا الدينية التي تقوم عليها السعودية، وتحميل ما يُسمّى بتيار “الصحوة” مسؤولية “التطرّف في البلاد”، تتجه الحملة هذه المرة نحو المساجد في المملكة كجبهة جديدة لمحاربة “فلول تيار الصحوة”، كما هو دارج الآن بين المسؤولين السعوديين.
ويقود هذه الحملة عدة جهات حكومية؛ على رأسها جهاز أمن الدولة، الذي نظّم ندوة بعنوان “واقع الأمن الفكري في المملكة”، كان تحت مجهرها أئمّة المساجد.
ووفق ما نشرته وسائل إعلام سعودية، فقد اتّفق عموم المشاركين في الندوة على أن المساجد هي إحدى أهم أدوات تعزيز “الأمن الفكري”؛ لدورها في توجيه وصياغة الفكر والرأي العام المجتمعي.
ويبلغ إجمالي عدد المساجد والجوامع بجميع فئاتها الثلاث المصنّفة في السعودية (أ، ب، ج) 85 ألف مسجد، نصف العدد -أي 42.5 ألف مسجد وجامع- بناها محسنون على نفقتهم الخاصة، أما النصف الآخر فتولّت وزارة الشؤون الإسلامية تشييدها.
– وُلدا معاً
ومع تولّي محمد بن سلمان ولاية العهد، في يونيو 2017، شنّت السلطات السعودية حملة طاحنة على رموز التيار الديني وما يُسمّى بتيار “الصحوة”، الذين يحظون بشعبية واسعة وقبول كبير في أوساط المجتمع السعودي؛ كسلمان العودة، وعوض القرني، وعلي العمري، وغيرهم.
وفي وقت كان انتقاد التيار الديني خجولاً ومحصوراً في الشخصيات “الليبرالية”، وكانت الدولة حائط الصدّ المنيع في وجه منتقديه، بات اليوم منتقدوه مسؤولين بارزين، وهم من يوجه السياسة السعودية تجاه طمس عادات وتقاليد وقيم المجتمع السعودي المحافظ.
ولأن الدولة السعودية دولةٌ تغيب فيها بعض معالم الدولة المدنية الحديثة، فقد كان التحالف مع المؤسّسة الدينية هو الصيغة التاريخية الوحيدة لحفظ الاستقرار السياسي.
وكانت المؤسّسة الدينية بالمملكة تعتبر طرفاً في الحكم، لها قوّتها وهيبتها داخل الدولة السعودية، حيث إن أفراد الأسرة الحاكمة كثيراً ما ينأون عن مواجهتها وعن الدخول في صراعات معها.
وتواجه “الصحوة” اليوم حركة مضادّة في السعودية يحمل لواءها الليبراليون السعوديون، وتشهد الساحة الإعلامية والثقافية والاجتماعية السعودية جدلاً ونقاشاً مستمرّين من أتباع التيارات الليبرالية المنادية بتقليل سلطة رجال الدين ونفوذهم الاجتماعي في المملكة، وعلى ما يبدو ينحاز لهم وليّ العهد الجديد في السعودية.
اللافت أنه تزامن مع تولّي بن سلمان ولاية العهد الإعلان عن إنشاء جهاز أمن الدولة في البلاد، ويرتبط بالملك مباشرة، ويُعنى بكل ما يتعلّق بأمن الدولة، ويتبع له كلّ من المديرية العامة للمباحث، وقوات الأمن الخاصة، وقوات الطوارئ الخاصة، وطيران الأمن، والإدارة العامة للشؤون الفنية، ومركز المعلومات الوطني، وكان أبرز نشاطاتها اعتقال سلمان العودة وغيره من الدعاة والمفكّرين، في حملة اعتقالات وقعت في سبتمبر الماضي.
ونُقل إلى “رئاسة أمن الدولة” كل ما له علاقة بمهامها في وكالة الشؤون الأمنية، وغيرها من الأجهزة ذات العلاقة بوزارة الداخلية من مهامّ وموظفين (مدنيين وعسكريين) وميزانيات وبنود ووثائق ومعلومات”.
– “بقايا التطرّف”
ومن يتابع المشهد السعودي اليوم يجد كيف تحاول الحكومة تقليص وجود المتديّنين في الحياة العامة، خاصة مع تعهّد بن سلمان بالقضاء على ما سمّاه “بقايا التطرّف”.
وسبق أن أعلن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في هذا السياق، أن سلطات بلاده فصلت عدة آلاف من الأئمّة من العمل في المساجد بعد ثبوت نشرهم التطرّف.
وذكرت صحيفة “عكاظ” أن الجبير قال، في مقابلة مع قناة “روسيا 24” التلفزيونية، الأحد 8 أكتوبر 2017: “لن نسمح بنشر أيديولوجية الكراهية، ولا بتمويل ذلك النوع من الفكر”.
ولطالما كانت المساجد خلال حكم السلطات الماضية تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية السعودية، وهي التي تعمل على توجيه خطابها الذي يراه كثيرون اليوم متطرّفاً، لكن يبدو أن الخطوات تجري نحو وضعها تحت جناح جهاز أمن الدولة بهدف “ضبط خطابها”.
توفيق السديري، نائب وزير الشؤون الإسلامية السعودي، كشف في تصريحات صحفية أن الوزارة تنفّذ ملتقيات وبرامج تدريبية لتعزيز الأمن الفكري ومحاربة الأفكار المتطرّفة، من بينها فكر جماعة الإخوان، “بالتعاون مع كلية نايف الأمنية ووزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة”.
وأوضح، في تصريحات نقلتها صحيفة “الحياة” السعودية، الأحد 25 مارس 2018، أن الوزارة استبعدت في وقت سابق أئمّة وخطباء ثبت تبنّيهم أفكاراً متطرّفة، مضيفاً أنه خلال العامين الماضيين انعدمت نسبة التجاوزات من الأئمّة والخطباء على منابر الجمعة والمجالس الدعوية، وهو ما يشير إلى حالة السيطرة الأمنية على الخطاب الديني.
وبيَّن أن “مساندة وحزم قيادة المملكة في القضاء على التنظيمات الإرهابية والأفكار المتطرّفة وما يوازيها، بما في ذلك تنظيم الإخوان المسلمين، زادا عزم الوزارة على اجتثاث الفكر المتطرّف، خصوصاً فكر هذه الجماعة المتغلغل داخل المؤسسات التعليمية والدعوية في المملكة، وذلك عن طريق استحداث برامج لإعادة تأهيل منسوبي الوزارة، ومراقبة المحتوى في منابر الجمعة والمناشط الدعوية”.
ومن خلال تصنيف التيارات المذكورة (صحوة، إخوان، بقايا تطرّف، المتجاوزين في المساجد) ولصق تهم الإرهاب بهم، يبدو واضحاً أن التعامل مع تلك الفئات بات في طريق استخباري وأمني، متمثّلاً بأمن الدولة، الذي تبرز أهم مهامه في مكافحة الإرهاب.
ويقول القائمون على الجهاز: إنه “سيمكّن من التركيز على مكافحة الإرهاب أمنياً واستخبارياً، ومراقبة تمويله مالياً، وسيسهل للرئاسة التواصل مع الجهات ذات العلاقة خارجياً، وسيكون أكثر كفاءة”، وهو ما يعني سيطرة على عمل معظم مؤسسات الدولة، وأبرزها الدينية.
والحديث عن امتداد سيطرة “أمن الدولة” تؤكّده قناة “العربية” السعودية؛ حين تحدثت عن أن لإنشاء الجهاز تأثيراً اقتصادياً من خلال “ترشيد إنفاق الدولة، وزيادة الإيرادات، وتحقيق النمو الاقتصادي للمملكة، وخلق تنافسية الاقتصاد السعودي ونمو الصادرات، والتوجه إلى إحلال الواردات لتحسين ميزان المدفوعات للمملكة وتقليل الاعتماد على واردات الخارج”.
أيضاً سيوفّر الجهاز، بحسب موقع القناة، عشرات المليارات من ميزانية الدولة؛ من خلال رفع كفاءة العمل وتخفيض النفقات وترشيدها، وهو ما بدا واضحاً لدى حملة اعتقالات بعيدة عن الأطر القضائية حصلت من خلالها الدولة على 100 مليار دولار من أمراء ورجال أعمال اتّهمتهم بالفساد.
ولارتباط المجتمع السعودي بالأجهزة الشرعية في البلاد، تستعين المملكة برجال دين ومؤسسات دينية بارزة للترويج وشرعنة خطواتها الجديدة.
وكان لجهاز أمن الدولة نصيب من ذلك؛ من خلال الاستعانة بالرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ عبد الرحمن السديس، الذي استغلّ مهرجان الجنادرية، في فبراير الماضي، للإشادة بجهود رئاسة أمن الدولة والأدوار التي يحقّقها، مؤكّداً أنها “تحتضن قطاعات أمنية ذات أهمية بالغة ودور أساسي في عملية حفظ الأمن لهذه البلاد المباركة”.
ويبدو أن المساجد لن تكون آخر محطّة من محطات بن سلمان لتحجيم التيار الإسلامي في البلاد من خلال ذراع “أمن الدولة”، وهو ما يطرح تساؤلات عن انعكاس هذه الخطوة على حياة الشعب السعودي.