إصلاحات مهاتير تضع السعودية والإمارات على المحك
الصمود || متابعات
نشر موقع “أخبار الكرة في الشرق الأوسط” تقريرا تحدث فيه عن تأثير فوز مهاتير محمد في ماليزيا على كل من السعودية والإمارات.
وتحدث الكاتب “جيمز إم دورسي” في التقرير الذي ترجمته “عربي21” عن العلاقات المشبوهة بين رئيس الوزراء الماليزي السابق، والدولتين الخليجيتين.
وفيما يلي التقرير مترجما كاملا:
يتبنى رئيس وزراء ماليزيا محمد مهاتير، الذي انتخب مؤخرا، سياسات يمكن أن تفضي إلى إعادة صياغة علاقات بلاده بدول الخليج ذات النفوذ القوي.
منذ أن أطاحت الانتخابات الأخيرة برئيس الوزراء نجيب رزاق، يسود القلق أوساط الحكم في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة؛ بسبب سلسلة من الإجراءات التي اتخذت منذ ذلك الوقت لمحاربة للفساد، إضافة إلى التصريحات الصادرة عن السيد مهاتير وعن وزير دفاعه محمد صابو.
يذكر أن السيد مهاتير كان خلال السنوات الأخيرة يحذر من انتشار النعرة الطائفية المناهضة للشيعة في ماليزيا، ولقد أثار مؤخرا تساؤلات هو والسيد صابو حول جدوى التعاون مع المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب.
كما عزز السيد مهاتير إجراءات التحقيق ضد الفساد بحق السيد رزاق، الذي درجت وسائل الإعلام القطرية على وصفه بالشخص “المدعوم سعوديا”.
يشتبه في أن رزاق سرب مليارات من الدولارات من صندوق التنمية الاستراتيجي المملوك للدولة والمعروف باسم 1MDB. يخضع الصندوق حاليا ومعه عدة كيانات سعودية وإماراتية للتحقيق فيما لا يقل عن ستة أقطار، بما في ذلك الولايات المتحدة وسويسرا وسنغافورة.
وفيما اعتبر توقعا لتغير محتمل سيطرأ على العلاقات، عبر عبد الخالق عبد الله، المختص في العلوم السياسية، عن ازدرائه للسيد مهاتير وللناخبين الماليزيين بعد أيام من إعلان النتائج. ومعروف أن عبد الخالق عبد الله يعكس في تصريحاته ما يدور في ذهن حكام الإمارات.
ركز عبد الخالق على عمر السيد مهاتير، الذي ببلوغه سن الثانية والتسعين يعتبر أكبر الزعماء المنتخبين في العالم سنا.
كما ضرب السيد عبد الله على وتر الحقيقة التي تقول إن السيد مهاتير، كان بمنزلة المرشد والموجه للسيد رزاق قبل أن ينشق وينضم إلى المعارضة ويشكل تحالفا مع أنور إبراهيم، الذي كان في يوم من الأيام نائبا لمهاتير عندما كان رئيسا للوزراء. كما أن أنور إبراهيم إسلامي يعتقد بأنه وثيق الصلة بجماعة الإخوان المسلمين. وكان لمهاتير دور رئيسي في سجن أنور إبراهيم.
بينما يعرف عن ولي عهد الإمارات محمد بن زايد معارضته الشديدة للإسلام السياسي، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين.
وكان السيد عبد الخالق عبد الله قد قال في تغريدة له: “هل خلت ماليزيا من حكماء وزعماء ورجال دولة وشباب كي تنتخب من بلغ 92 سنة من العمر، الذي انقلب فجأة على حزبه وحلفائه وعقد صفقة مشبوهة مع خصمه السياسي، الذي سبق أن أودعه السجن بعد أن لفق ضده أشنع الاتهامات. السياسة عندما تكون لعنة والديمقراطية عندما تكون نقمة”.
في المقابل، أشار مسؤولون ماليزيون إلى تغير في الموقف تجاه دول الخليج. وهذا السيد محمد شكري عبد الله، الذي عينه السيد مهاتير مؤخرا على رأس برنامج مكافحة الفساد – وكان من قبل قد استقال من هيئة مكافحة الفساد الماليزية في عام 2016 نظرا لتعرضه لضغوط حتى يوقف التحقيق في سلوك السيد رزاق، يلاحظ ما يلي، “إننا نجد مصاعب في التعامل مع البلدان العربية (مثل) قطر والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.”
ومن المحتمل أن تعود هذه المصاعب.
كان السيد صابو، وزير الدفاع الجديد، قد لاحظ في تعليق له العام الماضي أن سخط السعودية (ودولة الإمارات) كان موجهاً “بشكل غريب نحو تركيا وقطر وإيران، ثلاث دول جرت فيها بعض الإصلاحات المتواضعة في المجالين السياسي والاقتصادي. وبدلا من تشجيع جميع الأطراف على العمل معا، ذهبت المملكة العربية السعودية تشن حربا في اليمن. والخطر الذي تواجهه ماليزيا بهذا الشأن يكمن في أنه إذا كانت ماليزيا قريبة جدا من المملكة العربية السعودية، فإنه سيطلب من بوتراجايا (المدينة التي يقع فيها مقر الحكومة الماليزية) أن تحدد موقفها وتختار إلى من تنحاز.”
تقع مدينة بوتراجايا إلى الجنوب من كوالا لمبور، ويقع فيها مقر إقامة رئيس الوزراء، وتتميز بجسر مقام فيها ورصيف ميناء له ما يشبه المآذن الأربعة على النمط المعماري الإيراني.
ومضى السيد صابو يقول إنه “لا ينبغي لماليزيا أن تقترب كثيرا من بلد باتت السياسة الداخلية فيه مسمومة. ونظرا لعدم وجود تعبير أفضل، فإن المملكة العربية السعودية باتت بالوعة للخصام والتنافس المستمر بين الأمراء. وبهذا المعنى فقد أصبحت دوامة يمكن أن تشفط إلى ثقبها الأسود أي بلد إذا لم يكن أهله على وعي. وفعلا، تُحكم المملكة العربية السعودية من خلال أيديولوجية سلفية أو وهابية متطرفة حيث يفسر الإسلام تفسيرا حرفيا. أما الإسلام الحقيقي فيتطلب فهما للإسلام، ليس فقط كنص قرآني، بل أيضا كروح قرآني.”
منذ أن استلم مهام منصبه، قال السيد صابو إنه يعيد النظر في خطط تستهدف إقامة مركز لمكافحة الإرهاب بتمويل سعودي تحت اسم “مركز الملك سلمان للسلام العالمي”، كانت حكومة رزاق قد خصصت له ستة عشر هكتارا في مدينة بوتراجايا. وحينما يقول السيد صابو ذلك فإن كلامه صدى للتصريحات التي صدرت عن السيد مهاتير قبل الانتخابات.
وكان افتتاح المركز قد تأجل مرتين لأن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ألغى مشاركته التي كان مخططا لها. ويقول المسؤولون الماليزيون إن المملكة لم تف بعد بما وعدت به من أموال للمركز.
من جهته حذر شهرمان لقمان، المحلل في معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي يتخذ من كوالالمبور مقراً له، أنّ على ماليزيا أن تكون حذرة في ما تقوم به من مناورات. ويقول في ذلك: “سواء كنا نحبهم أم لا، وأيا كان رأينا فيهم، إن المملكة العربية السعودية لاعب رئيسي في العالم الإسلامي وفي الشرق الأوسط. وإدارتهم للحج تحتم على البلدان ذات الأغلبية السكانية المسلمة أن تسايرهم وتجاريهم”.
منذ انتخاب السيد مهاتير، يزداد القلق داخل المملكة العربية السعودية وداخل الإمارات العربية المتحدة من أن رغبة ماليزيا في عهده بالنأي بنفسها عنهما قد يقربها من إيران، وذلك على الرغم من مواقف سابقة لمهاتير كان فيها منحازا ضد اليهود ومعاديا للتشيع.
كما يلاحظ في تصريحات مهاتير التقلب ما بين حظر التشيع لتجنب الطائفية وفي الوقت نفسه مطالبة المسلمين السنة في ماليزيا بتقبل الأقلية الشيعية في البلاد، كوسيلة لتجنب الصراع الداخلي.
ولربما يزيد في قلق السعوديين التصريح الذي قال فيه السيد مهاتير إنه بات من الضروري القبول بالمسلمين الشيعة؛ نظرا لتنامي الجالية الإيرانية في ماليزيا. يقول المحللون إن وجود هذه الأقلية زاد من وعي الناس بالتشيع وكذلك من عداء السنة له، ومرجع ذلك هو سياسة فرق تسد التي كان ينتهجها السيد رزاق.
يعود القلق السعودي والإماراتي إزاء التحقيقات التي تجري في موضوع الفساد في ماليزيا، إلى الخشية من أن يكون لذلك عواقبه على فضيحة تمس إحدى الشركات السعودية وعددا من الأمراء السعوديين، وبعض الكيانات المملوكة لدولة الإمارات وبعض المسؤولين الإماراتيين كذلك.
إذ يتوقع أن يسلط التحقيق الضوء على علاقة 1MDB بشركة الطاقة السعودية بترو سعودي إنترناشيونال المملوكة لرجل الأعمال السعودي طارق عصام أحمد عبيد، وكذلك بعدد من الأمراء البارزين في العائلة السعودية الحاكمة الذين يُزعم أنهم مولوا السيد رزاق.
لن يجد المسؤولون في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة صعوبة في إدراك المغزى من لقاء السيد مهاتير بالسيد خافيير أندري جوستو، المدير التنفيذي السابق في بترو سعودي وكاشف سرها، بعد أقل من أسبوعين من نجاحه في الانتخابات.
وكان فيلم وثائقي من ثلاثة أجزاء أنتجته البي بي سي بعنوان “بيت آل سعود: عائلة في حالة حرب” قد أفاد بأن السيد رزاق عمل مع الأمير تركي بن عبدالله، نجل الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز، وذلك بهدف اختلاس الأموال من 1MDB.
كما تم ربط مصرف فالكون المملوك للإمارات الذي يتخذ من سويسرا مقرا له بالفضيحة، في الوقت الذي وثقت فيه رسائل إيميل مسربة العلاقة الوثيقة بين يوسف العتيبة، سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة ونديم محمد بن زايد المقرب منه، والممول الماليزي المثير للجدل جو لو البالغ من العمر سبعة وعشرين عاما، الذي ساعد السيد رزاق في إدارة صندوق الاستثمار الماليزي 1MDB.
وقد نشرت صحيفة وال ستريت جورنال تقريرا نقلت فيه ليس فقط عن الإيميلات المسربة، وإنما أيضا عن وثائق المحاكم والتحقيقات الأمريكية ما يفيد بأن شركات ترتبط بالعتيبة تلقت في العام الماضي مبلغ 66 مليون دولار من كيانات، يقول المحققون إنها تعمل كقنوات لتسريب الأموال التي يُزعم أنها اختلست من صندوق الاستثمار 1MDB.
في ذلك الوقت رفضت سفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن التعليق على الأمر، ولكنها أقرت بأن للسيد العتيبة أعمالا تجارية خاصة لا علاقة لها بدوره الدبلوماسي. وقالت السفارة إن رسائل الإيميل المسربة إنما هي جزء من جهد يستهدف تلطيخ سمعته.
يستفاد من بيانات بنكية ووثائق مالية اطلعت عليها صحيفة وال ستريت جورنال أن كاظم القبيسي، وهو مدير في شركة استثمارات تملكها أبو ظبي ورد اسمه كذلك في الفضيحة، هو الذي رتب شراء شقيق نائب رئيس وزراء الإمارات الشيخ منصور بن زايد آل نهيان لقارب بمبلغ 500 مليون دولار تم الحصول عليه من صندوق الاستثمار 1MDB.
يقول مدير قسم آسيا في مركز الحوار الإنساني مايكل فاتيكيوتس: “سوف يكون لهذه الانتخابات تداعيات تتجاوز حدود ماليزيا.”
ومع أن السيد فاتيكيوتس مهتم بشكل أساسي بتأثير انتصار السيد مهاتير على الأوضاع في جنوب شرق آسيا وفي الصين، إلا أن تحليله ينطبق بشكل متساو على المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، حيث سيكون الأمر محرجا جدا.