معركة مطار الحديدة بين التحليق والهبوط
الصمود : محمد الشميري
في الوقت الذي نشهد فيه استنفارًا غير مسبوق من قوى تحالف العدوان على مطار الحديدة، المدمر تماماً، والذي يترافق معه ضخٌ إعلاميٌ مهول لتحقيق أي انتصار وهمي، ورغم خيبتهم وخسرانهم وتجرعهم غصص الهزيمة والفشل نلحظ سياسيًا تحرك ملف المفاوضات وزيارة المبعوث الأممي لليمن لأكثر من مرة في هذا الشهر، لوضع خطة تنفيذية تضمن انسحاب أبطال الجيش واللجان الشعبية من مدينة الحديدة، ووقف العمليات العسكرية في المدينة بهدف حماية المدنيين من تفاقم الأوضاع الإنسانية، حسب زعمه، فيما هم يحلمون أن يتراجع أبطال الجيش واللجان ولو مسافةً بسيطة عن مطار الحديدة، أو تجميد العمليات العسكرية على حالها في الساحل الغربي والاحتفاظ بما بات في أيديهم، ليحصلوا على نصرٍ ولو بسيطٍ، حتى لا يظهر عجزهم وفشلهم، وليحققوا بالدبلوماسية ما عجزوا عن تحقيقه بالعمل العسكري؛ لأن استمرار العمل العسكري يعني قطعًا تراجعهم عن ما أحرزوا خلال واضمحلال حملتهم على الحديدة، وهذه حركة مكشوفة وبائخة، وورقة كادسة، ويعيها شعبنا اليمني العظيم، وعادةً ما تقوم الأمم المتحدة في تحريك المفاوضات لإنقاذ عملائها من مأزق أحدق بهم، أو لتحقيق أقل المكاسب، وهذا ما لا يمكن أن يكون بإذن الله، وهذا ما يجب أن يفهمه العدو والمفاوضون باسمه، وكل هذا يثبت أن العدو ضعيف وأنه مرتبك ومتناقض ومهزوز عندما يعلن كل مرة أنه سيطر على المطار، فأكثر من مرة وأكثر من يوم وهو يعلن سيطرته على مطار الحديدة وكأنه لم يأتِ إلا لاحتلال المطار، وكأنه عندما يحتل المطار سيطر على الحديدة وحقق نصرًا كبيرًا وساحقًا وشاملًا.
ولو افترضنا أنهم سيطروا على المطار، مَنْ يضمن بقاءكم فيه لساعات؟
بل سيكون ذلك مستنقعًا جيدًا لصيدهم بطرق الصيد الحديثة الخاصة بالجيش واللجان.
عشرات القرى في جيزان كانت بيد العدو وسيطر عليها الجيش واللجان.
عشرات المواقع كانت بيد العدو في نجران والآن بيد الجيش واللجان.
عشرات المواقع في عسير كانت بيد العدوان والآن بيد الجيش واللجان.
المطار ليس هو المعركة بكلها، فهو ليس إلا جزء بسيط لا يتجزأ من بقية المناطق اليمنية المحررة التي يسعى العدو لاحتلالها.
ولو وصل الغزاة إلى المطار في إطار الاستمرار في المغامرة والاختراقات وليست انتصارات، فمصيرهم الموت والفشل والهزيمة بفضل الله.
لا المطار ولا الجاح ولا الدريهمي ولا أي قطعة أرض من الحديدة سترحب بكم أو تكون مستعمرة لكم بل مقبرة لجنودكم وضباطكم وآلياتكم.
المعركة ليست معركة المطار بل المعركة هي معركة المؤمنين أمام الكافرين، خط علي في مواجهة خط معاوية، خط حزب الله في مواجهة خط أمريكا وحزب الشيطان.
المعركة أوسع وأكبر وأشمل من المطار، ولن نجعلها تقتصر وتنحصر كما يريد العدوان على منطقة معينة؛ لأن حجم المعركة أكبر وأهدافها أوسع، وكل معركة في هذا العالم قابلةٌ لأن تتوسع، وقابلةٌ لأن تنكمش؛ لهذا لن يخدعنا العدوان عندما يكثر من الضجيج حول المطار فيصور وصوله إليه نصرًا وهزيمةً لنا، معاذ الله.
فثقتنا بالله الذي منح رجال الله القوة وأيدهم على العدو ومحاصرته والتنكيل به سيمنحهم من جديد المزيد من النصر في كل رقعة جغرافية يصلون إليها بفضل الله.
وحتمًا ستكون الهزيمة والفشل مصير الغزاة أمام صلابة وجسارة وعظمة أبناء هذا الشعب العظيم من يحملون سلاح الإيمان ومعية الله وعدالة القضية وما استطاعوا حمله من سلاح النار والحديد ليواجهوا به 20 دولة بينها أمريكا وبريطانيا وفرنسا بما تحمله تلك الدول والأنظمة الإجرامية من شر ودمار للعالم الإنساني وأمام هستيرية القصف الجوي المستمر بآلاف الأطنان من الصواريخ والقنابل والمتفجرات المختلفة التي تلقى من طائرات الشبح والF16 وال F15 والأباتشي ومشاركة الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار المتطورة الاستطلاعية والهجومية واستجلاب قطعان المرتزقة المحلية منها والمستوردة من كل الأطراف المتناقضة والتي ظلت واشنطن تتشدق بمحاربتها سنوات طويلة لتشحنهم اليوم داخل المئات من مدرعاتها ومجنزراتها المتطورة، وما أن تبدأ تلك القطعان بالتحرك في ميدان المعركة قبل انقضاض أسود الله عليها حتى تملأ وسائل إعلامهم الدنيا ضجيجًا وتهويلًا وتحاول صنع انتصارات وهمية وتحرير وتأمين فيسبوكي وتمشيط تويتري، رغم فشلهم وهزيمتهم على أرض الواقع وفي ساحة المواجهة، فعندما تضع جيشك في منطقة مفتوحة فهذا هو الانتحار بعينه.
وقد تستطيع الدول الاستعمارية شراء الآلاف من المرتزقة بائعي الأوطان والأعراض من مختلف الفئات المجتمعية سياسيين ومقاتلين وعلماء وإعلاميين ووجاهات ليكونوا أدواتًا رخيصةً ومبتذلةً بيدها لتنفيذ مخططاتها ومشاريعها في احتلال البلدان ونهب ثرواتها واستعباد أهلها – لكنها لن تستطيع تحويل باطلها إلى حق، وظلامها إلى نور، وليس بمقدور باطلها الزهوق إطفاء نور الله، إذ إن كل ظلام الدنيا مهما اشتدت عتمته وانتشر حتى ملأ الآفاق وعمَّ أرجاء الدنيا فليس بمقدوره إطفاء شمعة واحدة، فهذه سنة الله ولن تجد لسنة الله تحويلاً، ولن تجد لسنة الله تبديلًا.
لكن اللافت في الأمر هو الروح الانهزامية لدى الكثير من ادعياء الثقافة، وديناصورات السياسة الذين يبررون الاستسلام، ويتشدقون بالسلام، وينادون بالخضوع للعدو وقبول التنازل لمن دمر كل خيرات ومقدرات هذا الوطن أرضًا وإنساناً، فنسمع أحدهم يقول: “في السياسة لحظات فارقة لا يحسن اقتناصها إلا من سبروا غورها وقرأوا التاريخ بتمعن هذه اللحظات إما تبقيك في معادلة المستقبل وإما تجعل منك رمادًا تذروه الرياح في يوم صرصر”.
ويبرر وهمه أن “في مثل هذه اللحظات يكون الغرور عاملاً حاسمًا في تحديد المسار وتحديد وجهته، فإن كانت نسبته مرتفعة ذهب بك إلى الفناء، وإن كان واقعيًا ألهمك اقتناص الفرص لتكون مستمرًا في التأثير في أحداث المستقبل” .
ويطالعنا أحدهم في منشورٍ على صفحته ” الإخوة أنصار الحوثي ابسروا ما يشتي المبعوث الأممي، والعافية أحسن من البلاء، قاربوها تقرب، توفير الأرواح والممتلكات تستحق التّراجع حفاظاً عليها”.
تبًا لهذه الثقافة التي أعمت أصحابها، وجعلتهم لا يجدون وسيلةً سوى الانبطاح، فأي ثقافة يحملون؟ وبأي عقل يفكرون؟
يا هؤلاء إن السنن الإلهية، والثقافة القرآنية تختلف مع تفكيركم تماماً، ولا تنسجم مع منطقكم مطلقاً، إن منطق القرآن يقول: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿٩﴾ إِذْ جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا ﴿١٠﴾ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا“، ويشير القرآن إلى من يحمل ثقافة الانهزام، وينادي بالخضوع والاستسلام، فيقول: “وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴿١٢﴾ وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا” ويكشف عن نفسياتهم التي تظهر الحرص والنصح بقوله سبحانه: “وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا” ويذكّرهم الله بمواقف سابقة لهم فيقول: “وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّـهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّـهِ مَسْئُولًا ﴿١٥﴾ قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٦﴾ قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّـهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا” ويوضح الله حقيقتهم وزيف اعدائهم وهدف قولهم المرتكز على التثبيط والإرجاف فيقول: “قَدْ يَعْلَمُ اللَّـهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٨﴾أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَـئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّـهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرًا ﴿١٩﴾ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا”.
أجل. هذا هدفهم، وهذه نفسياتهم، أما رجال الله وأبطال اليمن المؤمنون الأباة من الجيش واللجان فموقفهم ومنطقهم وحالهم هو “وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَـذَا مَا وَعَدَنَا اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا” لأنهم واثقون من تأييد الله لهم، ولأنهم كما وصفهم الله: “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” لأنهم مؤمنون، ولأنهم صادقون، “لِّيَجْزِيَ اللَّـهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا” ومن هذا حاله فإن نتيجة موقفه “وَرَدَّ اللَّـهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّـهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ﴿٢٥﴾ وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ﴿٢٦﴾ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّـهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا”.
وهذا الجزاء الطبيعي والمثوبة العادلة التي تليق بهم، وهذا ما كرره وأكده القرآن الكريم في أكثر من موضع، ففي سياق الحديث عن معركة بدر الكبرى يوضح الله تأييده لأوليائه ومصير عدوهم بقوله: “إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ ﴿٩﴾ وَما جَعَلَهُ اللَّـهُ إِلّا بُشرى وَلِتَطمَئِنَّ بِهِ قُلوبُكُم وَمَا النَّصرُ إِلّا مِن عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ عَزيزٌ حَكيمٌ ﴿١٠﴾ إِذ يُغَشّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطانِ وَلِيَربِطَ عَلى قُلوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدامَ ﴿١١﴾ إِذ يوحي رَبُّكَ إِلَى المَلائِكَةِ أَنّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذينَ آمَنوا سَأُلقي في قُلوبِ الَّذينَ كَفَرُوا الرُّعبَ” ثم بعد هذا كله يوضح الله أن ما يجب أن يفعله أولياؤه ليس الاستسلام والخنوع، ولا التراجع والهزيمة، وما ينبغي لهم أن يكون ذلك منهم، والله يعزز موقفهم، ويعدهم بالنصر، ويمنحهم التأييد والثبات، إنما هو ما أوضحه الله سبحانه وتعالى في قوله: “فَاضرِبوا فَوقَ الأَعناقِ وَاضرِبوا مِنهُم كُلَّ بَنانٍ“، لأن هذا ما يستحقونه من عقوبة إلهية على أيدي المؤمنين في هذه الدنيا ناهيك عن عذاب الآخرة “ذلِكَ بِأَنَّهُم شاقُّوا اللَّـهَ وَرَسولَهُ وَمَن يُشاقِقِ اللَّـهَ وَرَسولَهُ فَإِنَّ اللَّـهَ شَديدُ العِقابِ ﴿١٣﴾ذلِكُم فَذوقوهُ وَأَنَّ لِلكافِرينَ عَذابَ النّارِ“.
المهم أن لا تسقط النفسيات، فسقوط النفسيات دليلٌ على ضعف وجبن وذلة.
والأذلاء ليسوا أولياء الله، فقط هم الشجعان الأبطال من هم أولياء الله.
والذين تسقط نفسياتهم مع سقوط موقع هنا أو هناك أو مع سقوط شهداء ليسوا هم من فئة الربيين، الذين قال الله عنهم: “وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”، فالربيون لا يتسلل اليأس إلى قلوبهم، ولا يجد الضعف والوهن له طريقاً إلى أرواحهم، ولا يزيدهم ما يلاقون في ساحة المعركة إلا صبرًا، فاعتمادهم على الله كبير، وثقتهم بنصر الله وتأييده عالية، وقلوبهم وألسنتهم دائمًا لهجةً: ”رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ”، ولأنهم كذلك “فَآتَاهُمُ اللَّـهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ“، فهذه هي النتيجة الحتمية التي يحققونها، ويمنحهم الله إياها، لأنهم يعون تماماً سنن الله وآياته، ونداءه الذي يجب أن يستوعبه كل مؤمن “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴿١٤٩﴾ بَلِ اللَّـهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ” فالله نعم المولى وهو خير الناصرين، وهو المدبر لشئون عباده وإليه يرجع الأمر كله، وهو من سيتولى حسم المعركة، وهو من سيتولى أمر العدو الذي مهما امتلك من قوةٍ لن يعجز الله أبداً “سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ﴿١٥١﴾ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّـهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّـهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٥٢﴾ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّـهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿١٥٣﴾ ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ”
ومن لا يستوعب هذه السنن وأصبح غافلًا عنها يوجه الله له الخطاب “وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّـهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّـهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّـهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ”.