ضغوط اقتصاديّة على غزة.. هل اقتربت الحرب؟
الصمود- لا شكّ أن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة ضد قطاع غزة والمتمثلة بتشديد الحصار عليه تهدف لرمي الكرة في ملعب حركة حماس، وحصول الكيان على جملة من الامتيازات لعلّ طريق التجويع وتهديد الناس المحاصرين في لقمة عيشهم يفلح بما عجز عنه الحل العسكري.
من يتابع الأوضاع الإعلامية والعسكرية والسياسية في الداخل الفلسطيني المحتل يدرك أن قادة الكيان الإسرائيلي يحضّرون شيئاً لغزة هدفه ربما أبعد من التهويل الإعلامي، فالناطق باسم جيش الاحتلال أعلن أمس أنه سيتم تكثيف إجراءات الضغط والعقوبات ضد حماس في غزة بذريعة استمرار إطلاق الطائرات والبالونات الحارقة والتي أدّت لحرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي يستفيد منها المستوطنون، كما أعلن إغلاق معبر “كرم أبو سالم” مع قطاع غزة، وهو المعبر التجاري الوحيد لقطاع غزة، ومن خلاله يتم إدخال مواد البناء والسلع والمحروقات والمواد الغذائية التي يحتاجها القطاع، ومن شأن إغلاقه التسبب في أزمة اقتصادية ومعيشية كبيرة في القطاع.
الإجراءات التي تم اتخاذها لا تقتصر على إغلاق المعبر البري، بل تشمل أيضاً تضييق الحصار البحري على الصيادين، عبر إنهاء صلاحية توسيع مسافة الصيد في قطاع غزة لموسم الصيد في الأشهر الثلاثة الماضية إلى تسعة أميال بدلاً من ستة أميال، والتي ستعود اليوم إلى ستة أميال، بحسب بيان الجيش.
الجنرال احتياط إيتان داغونت الذي كان يشغل منصب منسّق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية سابقاً كان أكثر الإسرائيليين وضوحاً عندما قال إن “المواجهة العسكرية في غزة اقتربت“، مضيفاً إن الأسابيع الثلاثة المقبلة ستكون مصيرية، ولا سيما أن اختبارات الثانوية العامة في “إسرائيل” شارفت على الانتهاء.
المشهد اليوم يبدو مفتوحاً أمام كل الاحتمالات، خاصة في ظلّ ما يعانيه أكثر من مليوني فلسطيني، يعيشون في القطاع الذي لا تزيد مساحته عن 365 كيلومتراً مربعاً، من ظروف معيشية واقتصادية متردية، ساهم بها الحصار الإسرائيلي والحروب المتلاحقة عليه.
وبينما كان أهالي غزة ينتظرون انفراجة خلال الأيام المقبلة أصبحوا اليوم وجهاً لوجه أمام حرب تزداد فرص اندلاعها في أي لحظة وهو ما يعني شلّ الحياة اليومية بشكل شبه كامل.
الذريعة الإسرائيلية المعلنة لتشديد الحصار الاقتصادي على غزة هي الضغط على حماس لاتخاذ إجراءات صارمة ضد الإحراق المتعمّد عبر الطائرات، لكن الكيان الإسرائيلي يسعى من خلال تشديد الحصار إلى تحقيق عدد من الامتيازات الأخرى:
أولاً: يسعى قادة الاحتلال إلى إرضاء جمهور محلي نفذ صبره إزاء عجز نتنياهو عن تقديم ردّ فعال على الحرائق التي تُمطر مناطق واسعة جنوبي الكيان الإسرائيلي، أو وضع استراتيجية أوسع نطاقاً للتعامل مع مشكلات غزة الأساسية.
ثانياً: يسعى الكيان الإسرائيلي أيضاً إلى الضغط على حماس لوقف تظاهرات العودة المتواصلة منذ اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للاحتلال وهو ما أشعل موجة غضب شعبية واسعة في الداخل الفلسطيني وأدّت تلك المظاهرات إلى سقوط عشرات الشهداء (أكثر من 63 شهيداً في يوم واحد) ما أربك تل أبيب ووضعها بموقف محرج أمام المجتمع الدولي.
ثالثاً: تسعى “إسرائيل” للحصول على تنازلات غير مباشرة تسهّل عملية صفقة القرن، إذ يُشكّل القرار الإسرائيلي محاولة للحصول على ثمن سياسي من غزة، يتوافق مع ما هو مطروح دولياً في المرحلة الراهنة والمعروف باسم “صفقة القرن”، فقرار تشديد الحصار يعتبر خطوة أولى متدحرجة نحو تخلص “إسرائيل” نهائياً من قطاع غزة، ودفع الغزيين للبحث عن بديل لهم وهو مصر، التي هي الأخرى تنفّذ خطوات متزامنة ضمن اتفاق إقليمي لتمرير الصفقة وفصل غزة عن الضفة.
رابعاً: إجبار حركة حماس، تحت ضغط الشارع المحاصر منذ سنوات لتقديم ثمن سياسي يتمثّل بتهدئة بعيدة المدى بالإضافة إلى صفقة تبادل أسرى، وهو ما تحلم به “اسرائيل” حالياً.
خامساً: وهو الأهم في رأينا، إذ يهدف تشديد الحصار لاستدراج حركة حماس نحو أي خطوة تصعيدية، حيث تشير المعلومات إلى إصرار وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان على ضرب عمق القطاع، وهو ما أكدته صحيفة معاريف العبرية، التي كشفت اليوم الثلاثاء، وجود خلافات بين وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان والقيادة العليا للجيش بشأن تنفيذ عملية عسكرية ضد قطاع غزة، وبحسب الصحيفة، فإن ليبرمان يرغب في زيادة وتيرة التصعيد العسكري وضرب عمق حماس في غزة رداً على استمرار إطلاق الطائرات الورقية الحارقة، إلا أن كبار قادة الجيش يرفضون الدخول في تصعيد أو عملية عسكرية من أجل الطائرات، وأشارت الصحيفة، إلى أن ليبرمان طالب قيادة الجيش بإجراءات رادعة ضد حماس.
من البديهي أن الحصار الخانق المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من اثني عشر عاماً شجع الكيان الإسرائيلي للتمادي في إجراءاته الإجرامية المخالفة لحقوق الإنسان والقوانين الدولية ومما لا شك فيه أن الإجراءات الإسرائيلية الجديدة ستضيف مزيداً من المعاناة والظلم على الغزاويين وستزيد بشكل كبير سرعة التدهور الاقتصادي وتفاقم مشكلة البطالة وزيادة مستويات الفقر ويزداد معها انهيار الشركات القليلة العاملة في القطاع المحاصر، بينما يبقى المجتمع الدولي متفرّجاً على معاناة أكثر من مليوني إنسان، ولكن المؤكّد أيضاً أن الحصار الطويل الذي عاشه أهالي القطاع لم يفلح في كسر إرادتهم وصمودهم، ولن تفلح سياسات الإرهاب المنظّم التي تنتهجها “إسرائيل” بتحقيق أي من الأهداف المرجوة.