صمود وانتصار

أكبر إساءة الى الله ورسوله وللدين أن يقولوا: ان رسول الله غادر الحياة ولم يستخلف أحداً.

الصمود|ثقافة قرآنية 

الحالة هذه حتى يفهم الإنسان أن المسألة فعلاً أن الله هو الذي اصطفى للناس دينه، وهو الذي يصطفي للناس من يحملون دينه، من يهدون بدينه عباده، ليست قضية تأهيلية على الإطلاق، موسى لاحظ كيف كان موقفه هنا، موقف يراعي واقعهم، وعارف لهم مع أنها قضية عنده تعتبر مؤلمة جداً، مؤلمة وكبيرة ومزعجة، لكن يمسك نفسه، ويعرف أنهم فعلاً ما يزال فيهم آثار ما كان هناك في مصر، والتركيبة الاجتماعية هناك، وبيئة الشرك والطغيان هناك في مصر، يخاطبهم بمنطق لين.

 أليست هذه تعتبر نفسية عالية؟ يعني الله خلقه لهذه المهمة، مهمة كبيرة جداً، لا يستطيع أي إنسان أن يرتقي بنفسه إلى مستواها، لو ربي في أي مكان لا يستطيع أن يقوم بهذا الدور الهام فينقذ بني إسرائيل، ثم يتعامل مع هذا الشعب المسكين، المظلوم، المقهور، ويتعامل معه طول حياته إلى أن مات على أرقى تعامل، لا يستطيع أحد إلا الله.

 كما أنك تجد نفس الهدى لا يستطيع أحد أن يقدمه على هذا النحو إلا الله، كذلك من يقدمونه لعباده يجب أن يكونوا فقط ممن يصطفيهم الله، هو قال في القرآن: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} (الحج: من الآية75) أنه هو الذي يصطفي من داخل الملائكة لإيصال دينه، ويصطفي من داخل البشر رسلاً لإيصال دينه، ثم يذكر بعد ما ينتهي الرسل، وبعد ما تنتهي النبوات أنه يصطفي ورثة لدينه.

 فالإنسان الذي يفهم دين الله سيعتبر هذه القضية أكيدة، قضية يقطع بها، تعرف نفس الدين، وسعته، ودقته، أنه بالشكل الذي مثلما قلنا سابقاً: من يتأمل دين الله يقطع بأنه لا يستطيع أحد من الناس أن يؤهل نفسه، لو تخرج من أعلى جامعة في هذه الدنيا، أو من أعلى مركز تعليمي في هذه الدنيا، لو تكاتف كل أهل الدنيا على تربيته تربية خاصة، ما استطاعوا على الإطلاق أن يصلوا به إلى درجة أن يقوم بمهمة الدين هذا أبداً؛ لأنها قضية مرتبطة بالله، وهذا من مظاهرها، نفسية موسى هنا، وفي هذا المقام بالذات يظهر أن هذا إنسان الله اصطفاه، ويعرف تماماً كيف يتعامل مع كل الوضعيات .

{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}(الأعراف:142) وهي فترة قصيرة، فترة ثلاثين ليلة زايد عشر، أربعين ليلة، لاحظ كيف نظرة الأنبياء إلى أممهم، هو يعرف بأنه لن يغيب عنهم إلا ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة على الأكثر، يلاحظ من هو أرقى شخص، وأكمل شخص فيهم ليعينه بعده،{اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} مع أنه قد انتقى أعلى شخص فيهم، وأيضاً يوجهه بالتوجيهات الهامة، أن تصلح، وأن لا تصغي للمفسدين.

فهل يمكن لمثل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يترك هذه الأمة عندما يموت ثم لا يرشدها إلى من تتبع، وموسى هنا لغياب ثلاثين ليلة، يعين بعده من يخلفه، لا يمكن من يعرف أنبياء الله أن يقبل هذه القضية، يقول: إنه ترك الأمة، ولم يعد له دخل منها؛ لأن الأنبياء ـ عادة ـ ناس مهتمين جداً بالبشر، مهتمين جداً بأممهم، رحيمين جداً، يفهمون الأمور، يعني: ألا يفهم أي ملك من الملوك، ما بالك نبي من أنبياء الله بأنه إذا لم يعين أحداً من بعده بأنهم سيختلفون، هذه قضية معروفة، فكيف يصمون أنبياء الله بأنهم هكذا: يغادر واحد منهم الدنيا ولا يعين أحداً، وهو يذكر هنا أنه لم يغادر موسى للميعاد هذا إلا ويعين أخاه.

رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في أطول رحلة بعيدة عن مركز دولته، ومجتمعه، لم يسر إلى تبوك إلا وقد عين الإمام علياً بعده، لفترة قصيرة، وفي الأخير يقولون بعد: أنه مات ولم يوص أحداً، ولم يعين أحداً، ولا شيء، لكن أبو بكر أما هو فلم يمت إلا وقد أوصى إلى عمر، أليس هذا يعتبر استهانة بالأنبياء، جهل كامل بالأنبياء أنهم ناس يهتمون جداً بالأمة، ورحيمين بالأمة، ويعرفون الأمور، يعرفون المواضيع، يعرفون القضايا التي يمكن أن تؤدي إلى اختلاف فيما بين الناس، وليس كأنه ما صدق أن يموت ولو هم في ستين داهية، أبداً مهتمين بهم من بعد، خاصة مثل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) هو يعرف أنه رسول للعالمين، وآخر رسول للعالمين إلى آخر أيام الدنيا، أنه رسول للكل، فعلاً تجد أنه عمل في ذلك الزمن ما يبين للناس في هذا الزمن، ما له علاقة بالناس في هذا الزمن من بعد ألف وأربعمائة سنة.

 ثم في الأخير نجد كثيراً من الأمة يؤمنون بهذا من أجل أبو بكر وعمر، [رسول الله لم يستخلف]! حتى لا يلزمهم.. لأنهم يعرفون أنه لم يستخلف أبا بكر، يفهمون بأنه لم يستخلف أبا بكر، لا أحد يدعي بأنه استخلف أبا بكر أبداً في ولاية أمر الأمة، فقط يقولون: إنهم في الأخير أجمعوا عليه، بايعوه، وأجمعوا عليه.

 قلنا: لكن قولوا لنا الآن في موضوع النبي نفسه، النبي نفسه أنتم قدمتموه بشكل.. يعني: إنسان لا يهتم بالأمة نهائياً، والله يقول له بعد أن يذكر له قصص الأنبياء السابقين: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام: من الآية90)، والرسول هو الذي نزلت عليه الآية هذه، وهذه الآية تبين بأنهم اختلفوا لغياب ثلاثين ليلة، على الرغم من أنه قد اختار شخصاً على أعلى مستوى فيهم، رسول الله ألا يمكن أن يفهم هذه؟ والله يقول له: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} يطلعون الأنبياء أغبياء، أغبياء، أبو بكر يعتبر أذكى من أعظم نبي منهم.

 هذه تعتبر قضية سخيفة جداً، سواء تقولون: بايعوه من بعد، أجمعوا عليه، أو لم يجمعوا، المهم أن أكبر جريمة ارتكبتموها أن تقولوا: إن النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) غادر هذه الحياة ولم يستخلف أحداً.

 كان أجمل لكم أن تقولوا: إنه استخلف أبا بكر، كان أجمل لهم أن يقولوا: أنه استخلفه، وأنه أعلن ولايته، كان ما يزال في هذا حفاظاً على مقام النبي (صلوات الله عليه وعلى آله)، لكن لا يوجد، حريصين جداً على موضوع خلافة أبي بكر، أنها تستقيم، ويضفون عليها شرعية، ولو أدوا برسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) إلى أن يكون مخالفاً لسنة الله في عباده، ومخالف لسنن أنبياء الله الذين أمره بأن يهتدي بهم، وكأنه لم يقرأ القرآن! قدموا النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو الذي أنزل عليه القرآن وكأنه لا يعرف القرآن!.

 أي واحد منا وهو يرى هنا أن الله يحكي عن موسى أنه غادر قومه ثلاثين ليلة وعشر، أربعين ليلة، وهنا يقول وهو يوجه أخاه، ألم يستخلف أخاه، ثم بعد أيضاً اختلفوا وقد استخلف أخاه، أليس أي إنسان منا سيعرف أن هذه الحالة محتملة أن تحصل عند البشر، أن يختلفوا إذا لم تعين لهم أحداً؟ بل قد يختلفون ولو قد عينت لهم، لكن عندما تكون قد عينت لهم يعتبر ماذا؟ يعتبر تقصير من جانبهم.

 وهي نفس القضية، أن الله يرسل رسولاً إلى الناس، وينزل عليه كتاباً يبين لهم، ثم في نفس الوقت يعارضونه، أليس هذا يحصل؟ هل كان بالإمكان أن نقول: إذاً لم يكن هناك حاجة إلى نبي ما دام وهو يدري أنهم سيعارضون، لا، يرسل رسولاً، وينزل كتاباً، وعندما يعارضون تكون المعارضة من جهتهم هم، المخالفة من عندهم هم.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

[الدرس الثامن والعشرون – من دروس رمضان – سورة الاعراف]

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

بتاريخ: 28 رمضان 1424هـ

الموافق: 22/11/2003م

اليمن ـ صعدة.