أي دولة نبنيها.. وأية مؤسسات نحميها؟
الصمود / 5 / سبتمبر
كتب / عبدالله علي صبري
حين أعلن الرئيس الشهيد صالح الصماد عن مشروع بناء الدولة.. يد تبني ويد تحمي، وتعهد من بعده الرئيس مهدي المشاط
عــلى المضي في إنجاز المــشروع وتحقيقه على أرض الواقــع، تعددت الرؤى والاجتهادات بشــأن أولويات
إعادة البناء، فقائل يفضل البدء بمحاربة الفساد المعشعش في بنية مؤسسات الدولة وأجهزتها، وآخر
يرى أن الأولوية للحل الاقتصادي، وتخفيف معاناة موظفي الدولة حتى يتمكنوا من إنجاز المهام الملقاة
على عاتقهم في ظل الظروف العصيبة والاســتثنائية، وثالث يقــترح معالجات إدارية تحد من التضخم
الوظيفي للقطاعني العام والمختلط، فيما يقترح البعض رؤية تشمل كلما سبق، في إطار تحقيق الهدف
أو الغاية الرئيسة للمشروع.
إلا أن النقاشات حتى الآن لم تقترب من الجانب
الســياسي لمــشروع بنــاء الدولــة، وبرغــم اقتنــاع
الجميع بأهمية وضرورة توافر الإرادة السياســية
لمــشروع كبــير وطمــوح كهــذا، إلا أن البعــض
يحصرهــا في إرادة رئيــس الجمهورية وعزمه على
تنفيــذ المــشروع، متغافلني عن أهميــة توافر بقية
الشروط الموضوعية لبناء الدولة المتعلقة بحســم
الرؤية السياســية لشــكل وهوية الدولة نفســها،
ومتجاهلــني في نفــس الوقــت أن اليمــن التي تمر
بمرحلــة انتقاليــة منــذ 2011م، بحاجــة إلى عقد
اجتماعــي جديــد يخضع لتوافق وطني موســع،
ولاستفتاء شــعبي يشــمل كل الأرض اليمنية إن
أمكن ذلك.
فوق ذلك- وهذا هو الأهم- فإن الرؤية السياسية
لبناء الدولة في المشروع المنتظر، من شأنها الإجابة
والرد الحاســم على المتشككني في رؤية أنصار الله
للدولة، خاصة أن ثمة لغط كبير بشــأن مســتقبل
النظام الجمهوري، في ظل الاتهامات والإشاعات
المتواليــة التــي ينســجها الخصوم السياســيني
لأنصار الله، وأعداء الشــعب والوطن من المرتزقة
وعيال العاصفة.
مــن هذا المنطلــق يتعني عــلى الرئيس المشــاط
وزملائه في المجلس السياسي الأعلى وضع النقاط
على الحــروف، وتوضيح الرؤية السياســية لبناء
الدولة، بما يســاعد على حشــد طاقــات المجتمع
الحكومية والشعبية وراء مشروع ” يد تحمي ويد
تبني”.
الشروط الموضوعـية لبناء الدولة
-1 الرؤية السياسية
مــن نافل القول أن بناء الدولــة أو إعادة بنائها،
ليس مشروعا جديدا، فقد سبق أن طرحت أحزاب
اللقاء المشــترك قبل 2011م رؤية شاملة للإصلاح
السياسي والدستوري. وفي مؤتمر الحوار الوطني
2013م، تشــكل فريق خاص تحت مســمى “بناء
الدولــة”، وخرج بقرارات مهمــة ذات علاقة بهوية
الدولة وشكلها السياسي ونظامها الانتخابي.
وحني شن التحالف السعودي عدوانه الغاشم
على بلادنا، كانت مســودة الدســتور الجديد على
طاولة الفرقاء السياســيني، الذيــن بدوا متوافقني
عــلى معظم مواد دســتور، عدا الخــلاف الرئيسي
على مســألة الأقاليم. وهذا يعنــي أن الأحزاب قد
حســمت (العقــد الاجتماعي الجديــد) والرؤية
السياســية لبنــاء (( دولــة جمهوريــة اتحاديــة
تقــوم على النظام الديمقراطي بركنيه الرئيســني:
التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي
للسلطة)).
وإذا كانــت مخرجــات الحــوار الوطنــي قــد
حســمت مســألة النظام الانتخابي حني توافقت
المكونــات عــلى “القائمــة النســبية”، فإنهــا قــد
تراجعت عن “النظام البرلمانــي” لصالح “النظام
الرئاسي”، تحت مبرر أنه الأصلح للدولة الاتحادية
الفيدرالية.
2 – الإرادة السياسية
لا يمكن لمشروع كبير واستراتيجي أن يرى النور
إذا لــم تقف خلفه إرادة سياســية مثابــرة، ترعى
المشروع في مختلف مراحله، وتمنحه الأولوية على
ما عداه. وحسب علمنا فإن الرئيس المشاط ورفاقه
في المجلــس الســياسي الأعلى عازمــون النية على
إنجاز مشروع بنــاء الدولة مهما كانت الصعوبات
والتحديــات. بيد أن توفر الإرادة السياســية لدى
ً، إذ لا
أعلى الهرم في الســلطة، لن يكون وحده كافيا
بــد لمشروع كهذا من رافعة سياســية وطنية تعمل
بكل جهد على تنفيذ مضامينه وترجمتها ميدانيا.
3 – الرافعة السياسية
هذه الرافعة السياســية قد تكون حزبا أو مكونا
سياسيا أو كتلة تاريخية ( ائتلاف وطني عريض)،
تكون شريكة في صياغة المــشروع، وفي تنفيذه، وفي
تحمل المســؤوليات الناجمة عن تطبيقه، وما إلى
ذلك. ولا شــك أن أنصار الله والأحزاب السياسية
المناهضــة للعــدوان، بإمكانهــا تشــكيل الكتلــة
التاريخية المنشودة، مع ضرورة الفهم بأن الشراكة
السياسية في إعادة البناء لا تعني تقاسم السلطة
بالضرورة، كما لا تعني اســتئثار طرف بذاته على
أهــم مفاصــل الدولــة.. إنهــا الشراكة التــي تمنح
الأولوية للكفــاءات الوطنية حيثما وجدت، حتى
إذا حــان وقــت التنافــس الانتخابــي، بالاحتكام
إلى الإرادة الشــعبية، وجــد الحــزب الــذي وصل
إلى السلطة نفســه محاصرا بضمانات دستورية
وقانونيــة ( وعملانية) تحد مــن توغله في الدولة
واحتــكار أعضائــه للوظيفــة العامــة التي يجب
أن تكــون حقا لكل مواطن ومواطنــة، وفقا لمبادئ
الجدارة والأهلية وتكافؤ الفرص.
4 – سلطة ومعارضة
لا معنــى للديمقراطية إذا لم تصــل حد تداول
الســلطة ســلميا. وهــذا يعنــي أن التعدديــة
السياســية لا بد أن تفــرز حزبــا أو ائتلافا حزبيا
حاكمــا، بينما تقوم بقية الأحــزاب بدور المعارضة
إلى أن تحقــق الأغلبيــة السياســية في العمليــة
الانتخابية، وهكذا دواليك.
من هذا المنطلق يتعني إعادة النظر في المنظومة
الحزبيــة التــي تحولــت إلى (ظاهــرة دكاكينية)،
وإعمال قانون الأحزاب والتنظيمات السياســية
عــلى كل المكونــات، مــع الأخــذ بعــني الاعتبــار
مخرجات الحوار الوطني فيما يتعلق بتســجيل
الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
-5 الشراكة الوطنية في السلطة والرثوة
بســبب فشــل التجربــة الديمقراطيــة، نتيجة
اســتئثار حزب بعينه بالســلطة، طرحت أحزاب
المعارضــة مفهــوم الشراكــة الوطنية في الســلطة
والــرثوة. وقــد أكدت على هــذا المفهــوم مخرجات
الحــوار الوطنــي واتفاقيــة الســلم والشراكــة، ما
جعل الأحزاب تنظر إلى الشراكة من زاوية تقاســم
السلطة والمحاصصة في الوظيفة العامة.
فــإذا كانت هــذه المحاصصة مقبولــة على نحو
مؤقــت، ولمرحلــة انتقاليــة محددة، فــإن الشراكة
الوطنيــة بمفهومهــا الحقيقي تعنــي توفير بيئة
ســليمة وســلمية للتنافس الحزبي على السلطة
عــلى النحــو الــذي ذكرنــاه. وبالمــوازاة مــع ذلك
تتطلــب الشراكــة الوطنية عــدم تركيز الســلطة،
والتحول إلى نظام لا مركزي يمنح المحافظات ( أو
الأقاليم ) وما دونهما، صلاحيات واســعة في إدارة
شئونها المحلية والاستفادة المباشرة من إيراداتها
وإمكاناتهــا، وفقــا لقانــون جديــد ينظــم طبيعة
العلاقة السياســية والإدارية بني المركز والســلطة
المحلية.
التحديات التي تواجه بناء الدولة
بالإضافة إلى الشروط الموضوعية سابقة الذكر،
يعتور مــشروع بناء الدولة جملة مــن التحديات،
التي لا يمكن القفز عليها. وما لم يتضمن المشروع
حلا لهذه المشــكلات والتحديات، فإنه يحكم على
ً. ومن
نفســه وعلى القائمني عليه بالفشــل ســلفا
هذه التحديات:-
1 – الاعـتراف الدولي والحل السياسي
لا يــزال العالم يتعامل مع أنصار الله وشركائهم
كجماعــة انقلابيــة، وحتــى الــدول الصديقــة
المتعاطفــة، فإنهــا لا تعترف بالمجلس الســياسي
الأعــلى ولا بحكومــة الإنقــاذ، ومــن يتعامــل مــع
صنعــاء مــن دول وهيئات ومنظمــات أممية فمن
بــاب التعاطــي الاضطــراري مــع (ســلطة الأمر
الواقع)..ومجــازف مــن يقــول أن بالإمــكان بناء
الدولة وتحديث مؤسساتها في ظل العزلة الدولية.
هذه الحقيقة المرة تقود إلى الحديث عن حتمية
الحــل الســياسي ( وضرورة توافق أطراف الصراع
الداخــلي عــلى إيقاف الحــرب، وتشــكيل حكومة
تحظى بالاعتراف والدعم الدولي).
2 – الحصار والأزمة الاقتصادية
مــع اســتمرار العــدوان والحصــار الــدولي على
بلادنا، تــبرز التداعيات الاقتصادية والإنســانية،
وفي مقدمها توقــف مرتبات موظفي الدولة. وحني
نتكلم عــن إصلاحــات إدارية تطول المؤسســات
والأجهــزة الحكوميــة، فــلا بد مــن رفدهــا برؤية
عملية لمعالجة مشــكلة توقــف مرتبات الموظفني،
واجــتراح الحلول التي تضع حدا لمعاناة الموظفني
والأسر التي يعولونها.
3 – الدولة العميقة (عقيمة ومعيقة)
رغم الهزات العنيفة التي تعرضت لها مؤسسات
الدولة إلا أن لوبي الفســاد المــالي والإداري لا يزال
يفرض رؤيته (أو ثقافته) على إدارة الشــأن العام.
وليــس جديــدا القــول أن الدولــة العميقة ترفض
تجديد ذاتها، وتقاوم في نفس الوقت أية محاولات
للتغيــير مــن خارجهــا، فهــي عقيمــة ومعيقة في
ذات الوقــت، لذا من المهم أن يتنبــه القائمون على
تنفيذ عملية التصحيح الإداري لهذه النوعية من
الكوادر والإدارات والأساليب.
4 – الجيش واللجان الشعبية
إعادة بنــاء القوات المســلحة والأجهزة الأمنية
على أســس وطنية وعلمية مســألة متوافق عليها
ضمن مخرجات الحوار الوطني. وفي ظل العدوان
بــرز الدور المحوري للجان الشــعبية في الجبهات
وفي حماية المؤسســات والأمن العــام، الأمر الذي
يقتضي دمج اللجان الشــعبية وتأهيلها وتدريبها
لكــي تقــوم بالــدور المنــاط بهــا في إطــار العمــل
المؤســسي لوزارتي الدفــاع والداخلية، مع ضرورة
مراعــاة فصــل الجيــش والأمــن عــن الانتماءات
والولاءات الحزبية أو المناطقية أو المذهبية.
5 – موقع المشرفني واللجان الثورية
برغــم التراجع الملحــوظ لدور اللجــان الثورية
في مؤسســات الدولــة، إلا أن مــشرفي أنصــار الله
في المحافظــات والمديريــات لا زالــوا يلعبــون دورا
ملموســا في تســيير العمــل الإداري بالأجهــزة
الحكوميــة، مــا يتطلب ضرورة الفصــل بني الدور
المجتمعــي الــذي يمكــن أن يلعبــه (المشرفــني
والمســئولني الاجتماعيــني والثقافيــني وغيرهــم)
وبني دورهم الإداري داخل مؤسسات الدولة.
وهــذه أول خطــوة تصحيحيــة مطلوبــة هنــا
وســترتد إيجابا عــلى بناء الدولة مــن جهة، وعلى
الصيغــة التنظيميــة الداخليــة لأنصــار الله من
جهة ثانية.
التنمية الاقتصادية
* لا تقتــصر الأزمــة اليمنيــة عــلى المشــكلة
السياســية، فالحالــة الاقتصاديــة المترديــة منذ
عقود تفرض تحديا كبيرا في الحاضر والمســتقبل،
مــا يجعــل أي انجــاز عــلى صعيــد إدارة الدولــة
ومؤسســاتها، معرضــا للفشــل مــع أي أزمــة
اقتصادية وإن كانت طفيفة.
وعليــه، فإن بناء الدولة يتطلب رؤية اقتصادية
للنهــوض والتنميــة يشــترك في بلورتهــا خــبراء
الاقتصاد والاستثمار، ويسهم في تنفيذ مشاريعها
المــال الوطنــي، بالتــوازي مــع الجهــد الشــعبي
التعاونــي، الــذي لا منــاص منــه في ظــل الحــرب
والحصــار والظروف الاســتثنائية التي تعيشــها
اليمن.
ً
* كل التجــارب النهضويــة المعــاصرة اعتمــدت التعليم أولا
على تطوير التعليم وربطه بسوق العمل مباشرة،
وجعلــت منــه البوابة الرئيســة للترقــي الوظيفي
ونمو الطبقة الوســطى. وما يؤسف له أن الظروف
الحالية، قد أثرت سلبا على حالة التعليم، وأوضاع
المعلمــني، وفاقمت من التدهور المريــع في العملية
التعليمية بمختلف مراحلها.
وإصلاح التعليــم يتطلب العمل على مرحلتني،
الأولى ذات طابــع عاجــل، وتتعلــق بتأمني حقوق
المعلمــني، وتوفير مرتباتهم ( والتعامل مع التعليم
كالجبهة العســكرية تمامــا). وفي المرحلة الثانية
يتعني حشــد الطاقــات التربويــة والتعليمية من
أجــل تجويــد التعليــم، والحــد مــن كل المظاهــر
والاختــلالات التي لحقت بقطــاع التعليم في كافة
المستويات.
استقلالية القضاء
* تعزيــز اســتقلالية القضــاة وفصل الســلطة
القضائية عن الســلطة التنفيذية يتطلب الشروع
في خطوات عملية، تؤدي إلى:
– انتخاب المجلس الأعلى للقضاء.
– إنشاء محكمة دستورية وانتخاب قضاتها.
– تعزيــز دور الشرطــة القضائيــة وتمكينها من
تنفيذ أحكام القضاء.
* من أجل دولة يسودها القانون واحترام حقوق الحريات وحقوق الإنسان
الإنسان، يتعني البدء بإصلاحات جوهرية تتعلق
بإيقــاف الحجز التعســفي لأي مواطــن واحترام
الإجــراءات القانونيــة التي تكفل حقــوق وكرامة
المواطنني.
وكان الرئيس الشــهيد صالح الصماد قد شــدد
على هذه النقطــة تحديدا ووجه بعدم اعتقال أي
مواطن خارج القانون.
واتصــالا بهــذا التوجــه، ســيكون مــن الــلازم
إلغــاء جهــاز الأمن الســياسي، الذي يقــوم عمله
عــلى امتهان كرامــة المواطنــني وتقييــد حرياتهم
بالمخالفة للدستور والقانون، ومن اللافت أن عددا
من قيادات الدولة اليــوم، كانوا ضمن ضحايا هذا
الجهاز، ومع ذلك لا زالوا يرون فيه ويتعاملون معه
كمؤسسة (طبيعية) من مؤسسات الدولة.!
في هــذا المحــور مــن المهــم التأكيــد عــلى حرية
الصحافــة وحريــة الــرأي والتعبير بشــكل عام،
فالإعــلام الحــر يمثل الســلطة الرابعــة في الدول
الديمقراطية، أما الإعلام العام فهو ملك للشــعب
ولا ينبغــي تســخيره لخدمة طرف ســياسي على
حساب بقية الأطراف.
والله ولي الهداية والتوفيق
*عضو اللجنة الاستشارية الإعلامية
للمجلس السياسي الأعلى
سبتمبر2018م