صمود وانتصار

الإنفاق في سبيل الله هو من أعظم الطاعات لله، ومن أعظم القرَب إلى الله.

الصمود|ثقافة قرانية

إذاً فلنأخذ العبرة من قوله تعالى: {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ}(السجدة: من الآية15) لأن صفة الخشوع لله هي الصفة الرئيسية لديهم {خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} (السجدة: من الآية15) وهم من ينطلقون في العبادة أيضا، هم أنفسهم من قد يكون التذكير لمرة واحدة يكفي لأن ينطلقوا، ليسوا ممن يحتاج دائما إلى تذكير مستمر، تذكير مستمر، وإلا فيريد أن يرجع إلى طريقته التي قد ألفها، هؤلاء يقول عنهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (السجدة:16).

هؤلاء من يكون لآيات الله إذ ا ذكروا بها الأثر الكبير في نفوسهم، هم ليسوا مسارعين إلى النوم بل تبتعد جنوبهم، وعندما تبتعد جنوبهم عن النوم ليس في مجال متابعة حلقات التلفزيون المفسدة، ولا في مجال متابعة القنوات الفضائية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} وهم في عبادة الله يتعبدون لله {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} وهم عندما ينطلقون في هذه العبادة – التي قد يراها الكثير سهلة لأنها لا تكلفه شيئا – هم ممن ينطلقون حتى في المجالات الأخرى التي تشق على الكثير {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.

مؤمنون بمعنى الكلمة ليسوا ممن يضع لنفسه خِطة معينة يسير عليها يجمع منها حسنات – كما يظن – حسنات بالمجان كما قال أحد الناس عندما قلنا له: هل دعمت فلانا؟ قال: [أصلي ركعتين فأحصل على ثواب، ولا أحتاج أن أعطيه “قرش فرانصي”] يظنه ثوابا من هنا وهنا يجمع الثواب من حيث لا يحتاج أن يدفع شيئا من ماله.

لكن هؤلاء المؤمنون مؤمنون بمعنى الكلمة، يتعبدون لله وينطلقون أيضا في مجال الإنفاق في سبيله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} وبالعبارة التي توحي: أن هذا لديهم سلوك مستمر وعادة ثابتة ليس فقط أحيانا، هم من يبحثون عن المجالات التي تنصر دين الله لينفقوا فيها، هم من يبحثون عن مجالات البر التي يرضى الله الإنفاق فيها فينفقون فيها.

العبارة جاءت بشكل يوحي بهذا: الاستمرار {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} هم حتى ربما ليسوا من أولئك الذين يحتاجون إلى كلام خاص حول موضوع الإنفاق يتكرر دائما دائما على مسامعهم، ينطلقون هم بمجرد أن عرفوا – ولو مر واحدة – أن الإنفاق في هذا المجال هو من أعظم الطاعات لله، ومن أعظم القرب إلى الله، ومن أعظم الأعمال التي يحصل بها الإنسان على رضى الله سبحانه وتعالى فينطلقون بصورة مستمرة على حسب قدراتهم وحسب استطاعتهم {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}.

وتجد الإنفاق في سبيل الله تجد الإنفاق يتحدث الله عنه في كثير من الآيات مقترنا بأفضل الأعمال، ومقترنا بأفضل الحالات، إذا ما تحدث عن مشاعر المتقين فالإنفاق واحد مما يعكس أن هناك مشاعر طيبة لديهم وإيمانا متكاملا، أو تحدث عن عمل يقومون به هو خير الأعمال كالصلاة يقول: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} يتحدث عن حالات نفسية لديهم هم هكذا، يتحدث عن أعمال ينطلقون فيها هي من خير الأعمال هم هكذا ينفقون أيضا في سبيل الله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}

في آيات كثيرة تجد في القرآن الكريم كيف أن الإنفاق في سبيل الله، أو الإنفاق هكذا بصورة عامة، والمؤمن هو من يعرف مواطن البر التي يكون لله رضى أن ينفق فيها، وأعظم مواطن البر للإنفاق هو: الإنفاق في سبيل الله، لنصر دينه، وإعلاء كلمته، خاصة في ظروف كهذه، بل قد يصبح من أوجب الواجبات فعلا، من أوجب الواجبات فيصبح ربما أوجب من الزكاة في ظروف كهذه.

وهناك من يعرف قيمة الإنفاق وأثره. يقال إن الإمام الخميني (رحمة الله عليه) عندما اتجه للعودة إلى إيران في أيام انتصار الثورة الإسلامية عاد في طائرة خاصة استأجرها له أحد التجار من الشيعة من فرنسا إلى طهران، فيستأجرها من ماله الخاص، وكم كان أثر إنفاق ذلك الرجل! ألم يكن أثراً عظيما؟ أهدى للأمة قائدا عظيما يعيش بينها في زخم انتصاراتها، يمكنه من العودة فيعود بطائرة خاصة، وحتى لو تعرضت تلك الطائرة لأي شيء، وضع تأميناً – كما يقال – تأمين على الطائرة نفسها، فيما لو تعرضت لخطورة، هذا تاجر دين وتاجر دنيا، تاجر واعِ، تاجر يعرف كيف يضع ماله في أفضل المواضع.

هؤلاء لعظم مكانتهم عند الله سبحانه وتعالى، وقيمة أعمالهم الكبيرة عند الله سبحانه وتعالى يقول عن جزائهم العظيم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (السجدة:17) مما تقر به أعينهم من الثواب العظيم والفضل الكبير والدرجات العالية عند الله سبحانه وتعالى

{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (السجدة:17). وهكذا تأتي المكانة العظيمة عند الله، يأتي النعيم العظيم من عند الله سبحانه وتعالى جزاء على الأعمال {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} كما قال لأولئك الذين قيل لهم: {وَذُوقُوا عَذَابَ} (السجدة: من ال آية14) ألم يقل لهم: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (السجدة: من ال آية14)؟

هنا استحق هؤلاء برحمة الله سبحانه وتعالى وتكريمه لهم أن يمنحهم ذلك المقام الرفيع، وذلك الثواب العظيم الذي قال عنه – مما يدل على عظمه – : {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ..} لا نفس ملَك من ملائكة الله ولا نبي من أنبياء الله عِظِم ما وعدوا به من الثواب العظيم، والمكان الرفيع عند الله سبحانه وتعالى {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وأنت تجد هذه الأعمال التي كان ثوابها على هذا النحو العظيم هي من الأعمال التي بإمكان الناس أن يتناولوها، أليس كذلك؟ فقط إذا ما ذكروا بآيات الله يزدادون إيماناً، يخشعون لله، يخضعون لله، لا يستكبرون، ينطلقون في العبادة، وكلها أعمال مما بإمكان الناس أن يتناولوها، وكلها مما بإمكاننا أن نروض أنفسنا على أدائها والقيام بها.

لا يبدو أن داخل هذه الأعمال، خاصة في قوله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} وقبلها أيضاً {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} أنهم ينطلقون في أعمال هي مما هي مصنفة عند الفقهاء في قائمة المندوبات والمستحبات، هم ينطلقون في هذه الأعمال سواء كانت واجبة، أو مستحبة، أو مندوبة، المهم أنها أعمال ترضي الله سبحانه وتعالى، وهم يبحثون عما يحصلون من خلاله على رضوان الله، وعلى ما وعد به أولياءه.

{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نحن نصلي صلاة المغرب قبل أن نرى أنفسنا في حالة نحن نميل إلى المضاجع ولكن جنوبنا تبتعد عنها، نلزمها أو نرغمها على الابتعاد عنها، ونصلي العشاء كذلك في حالة كهذه، والمغرب والعشاء هي الفريضة الواجبة داخل الليل أليس كذلك؟ لكن هناك عبادة أخرى ينطلقون فيها سواء كانت بشكل صلوات أو ذكر لله سبحانه وتعالى أو تعلم، أو عمل، حركة أثناء الليل، عند هذا، وعند هذا، يدفعهم إلى أن يقوموا بالعمل الذي يجب أن يشتركوا فيه مع الآخرين، أو أن يتعاونوا في مشروع ما، فيه مصلحة للمسلمين، هم ليسوا مستعجلين إلى النوم. لهم أعمال هي من قائمة العبادات والطاعات لله سبحانه وتعالى وهي واسعة جدا،

وهم {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} (السجدة: من ال آية16) خوفا من الله، خوفا من أنفسنا أن تكون عاقبتنا بالشكل الذي توعد الله به العاصين له، أما الله ذاته – سبحانه وتعالى – فهو ليس فيه ما يخيفك، أنت لا تخشى أن يتغير مزاجه فيضربك أو يعتدي عليك، كما يحصل من ملوك الدنيا فقد يضربون أقرب المقربين إليهم. ألم يقتل أبو جعفر المنصور أبا مسلم الخراساني؟ ألم يحصل أحداث كهذه في بلاط كثير من الخلفاء، والرؤساء، والزعماء؟

خفْ من نفسك أنت، أما الله فعلا سيضربك إذا اقترفت أنت ما تستوجب به أن يضربك بعقوبته في الدنيا أو في الآخرة. والمؤمنون يطمعون أيضاً في رضوان الله، وحالة الطمع هذه هي ما يفتقدها الكثير من الناس، خاصة من ربَّوْا أنفسهم على قواعد [أصول الفقه] التي تربيه على الحد الأدنى فقط.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

معرفة الله – وعده ووعيده

(الدرس الثالث عشر)

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي/ رضوان الله عليه.

بتاريخ: 23من ذي القعدة 1422هـ

الموافق: 5/2/2002م

اليمن – صعدة.