صمود وانتصار

الأبعاد السياسية والدينية لاستهداف المقامات والأضرحة

أكمل “دواعش” الإمارات عملية هدم جامع وضريح الشيخ الصفي الكبير أحمد الفازة في الساحل الغربي الذي يعود على القرن السابع الهجري، بعد أن كانوا قبل أربعة أشهر قد عملوا على هدمه جزئياً ونبش ضريحه الشريف.

تُماثِلُ عملياتُ التخريب الوهّابية ضد الجوامع والأضرحة ما قامت به الحركة الوهّابية في زمن محمد بن عبدالوهّاب من تخريب للآثار الإسْـلَامية في الجزيرة العربية وصولاً إلى العراق، وكان القصدُ منها في ذلك الوقت هو تثبيت الفكر الوهّابي حاكماً مُسنِداً للسلطة السياسية لبني سعود، وهذا الاستهداف اليوم هو محوٌ لكل الآثار الحضارية لقبول كيان جديد غريب عن المنطقة لا يمتلك أية جذور تأريخية، ككيان بني سعود وكيان عيال زايد وكيان الصهاينة المجمعين من أصقاع العالم إلى فلسطين.

لا تزالُ الدوافعُ العقائدية التكفيرية الوهّابية هي الموجِّهَ الرئيسيَّ لهدم الآثار الإسْـلَامية، وذات الدوافع السياسية والقوى الدولية القديمة وإن تغيرت جزئياً، فمن بني سعود إلى عيال زايد، ومن بريطانيا إلى أمريكا، فالغاية السياسيةُ الواحدة هي ضرب الخصوصيات والآثار الحضارية الإنسانية والإسْـلَامية ومحوُ الملامح الوطنية في هذه الدول من أجل تثبيت هُوية سياسية وسُلطة سياسية جديدة، استعمارية احتلالية غير وطنية وغير منتمية على الأرض والشعب وتأريخه وهُويته الدينية.

تتداخل الأهداف السياسيةُ لدول تحالف العدوان في هدم الآثار الإسْـلَامية في اليمن، مع غايةٍ ثقافية وعقائدية، وهذه الغاية هي فصلُ المسلم اليوم عن تُراثه الإسْـلَامي وعن امتداداته السليمة التي توصله إلى النبي محمد صلوات الله عليه وآله، وصياغة إسْـلَام جديد مستجيبٍ لرغبة الحكام الجُدُد من وكلاء الامبريالية والصهيونية، كما كان هناك إسْـلَامٌ خاصٌّ لحكام لبني أُمية.

الجانب الديني لهذا التخريب

الكيانُ الصهيوني هو الآخر له مصلحة من هدم الآثار الإسْـلَامية، ووكلاء الصهيونية يركّزون بشكل أساسي على الآثار الإسْـلَامية الشيعية والصوفية، أي على التيارات الإسْـلَامية الرئيسية التي لا تلتقي مع التأويلات اليهودية للدين الإسْـلَامي، فقد انتصر اليهود سابقاً عبر فقهاء ووعاظ بني أمية بأن جعلوا الإسْـلَام أحدَ المذاهب اليهودية، وهذه الصورة من يهودة الإسْـلَام جليةٌ بشكل واضح في الأحاديث المكذوبة عن رسول الله والتي تستهدفُ الجانبَ العقائدي الإسْـلَامي الصحيح المُنزِّه لله تعالى، حيث نجد كثيراً من الأحاديث التي تُجسِّمُ الله وهو ليس كمثله شيء، أَوْ تحمّلهُ الظُّلم وهو الحق العدل، وكذلك القصص التي تُظهر أنبياءَ الله على غير ما هم عليه من زكاء وتقوى وتسليم لله، وغيرها من الأحاديث والقصص التي تُظهر رسولَ الله محمداً على غير ما هو عليه من نور، فيظهر عُنصرياً ومحرِّضاً عن الهوان متواطئاً مع عبادة الحاكم، وهو عليه السلام مَن أرسله به اللهُ رحمة للعالمين؛ ولكي يُخلِّصَ الناسَ من عبادةِ ما سوى الله والتسليم له.

إنَّ العلاقةَ التبادليةَ قائمةٌ وشرطيةٌ، بين العقائدي وبين المادي، فلا يبرُزُ استهداف العقيدة كاستهداف لقناعة روحية في إطار حالة من نشوة تعصّب يهودي ضد الإسْـلَام، ولا تقتصر هذه الحرب على هذا الحقل العقائدي والروحي، بل إن لهذه الحرب تجلياتٍ وتمظهراتٍ ملموسةً في واقع الحياة يضعها الصهاينة عبيدُ المال نصب أعينهم، ففي استهداف المنظومة العقائدية التي تدعو إلى الحرية وتحفّزُ على الجهاد من أجل الحق والعدل والتي تنزّه الله عن الخطأ والظلم، في استهداف هذه المنظومة الروحية، تثبيتٌ لواقع الاحتلال والاستعمار والظلم والاستغلال؛ ليبقى الإنسانُ دون موجِّه عقائدي للقتال، ودون تنزيه لله فيقبل الظلمَ والإفقارَ حين يفهمُه كقَدَرٍ إلهي حتمي لا واقعاً بشرياً يُمكن تغيره، وحين تتشوّه معرفةُ الإنسان بالله فيظُنُّ بأنه يقاتِلُ وحيداً في هذه الحياة ويبقى دونَ ركن وسَنَدٍ إلهي يستعينُ به في مواجهة الطواغيت والظلمة الأجانب والمحليين.