صمود وانتصار

هام .. الترتيبات الأمنية وعـقبات الحل السياسي في اليمن.. قراءة من الداخل

الصمود / 30 / أكتوبر
أقلام حرة/

 

بقلم / عــبدالله عـلي صـبري

 

1- خلفية عن الأزمة اليمنية واتفاقية السلم والشراكة

 

حين كادت مفاوضات الكويت بين الأطراف السياسية اليمنية أن تنجز حلا سياسيا وأمنيا مقبولا ومعقولا للمشكلة اليمنية وسط دعم سفراء الدول الثمانية عشر الذين كانوا يحثون مختلف الأطراف على المضي في تقديم التنازلات، عادت الأمور إلى مربع الصفر مع تمسك وفد حكومة هادي بتنفيذ الترتيبات الأمنية وانسحاب مسلحي أنصار الله من العاصمة صنعاء والمدن الكبرى قبل تشكيل الحكومة التوافقية التي كانت حجر الأساس في الترتيبات السياسية المطروحة على طرفي طاولة المفاوضات.
فما هي الترتيبات الأمنية التي يطالب بها طرف هادي أو ما يعرف بالحكومة الشرعية كشرط لإيقاف الحرب، وللدخول في عملية سياسية تستوعب مختلف الفرقاء اليمنيين بمن فيهم أنصار الله؟ ولماذا يرفض أنصار الله الحوثيين وحلفائهم التعاطي مع الاشتراطات الأمنية، برغم إعلانهم القبول بقرار مجلس الأمن 2216 للعام 2015م، كأحد أهم مرجعيات الحل السياسي في اليمن؟
ثم ما هي طبيعة هذه الترتيبات، وما علاقتها باتفاق السلم والشراكة الذي تم التوقيع عليه بين مختلف الأطراف السياسية في 21 سبتمبر 2014م، وهل تغيرت طبيعة هذه الترتيبات بعد أكثر من ثلاث سنوات على الحرب العدوانية التي شنتها السعودية ودول التحالف العربي في اليمن تحت مسمى “عاصفة الحزم” وبذريعة استعادة الشرعية وإنهاء انقلاب (الحوثي/ صالح)؟
خلفية عـن الأزمة اليمنية
الحرب العدوانية على اليمن ليست منفصلة عن تطورات الأزمة السياسية منذ الحراك الشعبي في 11 فبراير 2011م، مرورا بأحداث 21 سبتمبر 2014م، ووصولا إلى إعلان عاصفة الحزم والحرب على اليمن المتواصلة منذ 26 مارس 2015م.
وقد أفضى الحراك الشعبي الذي شهدته اليمن في إطار ما يعرف بالربيع العربي إلى اتفاق تقاسم السلطة بين حزب المؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة، وتنازل الرئيس السابق على عبدالله صالح عن السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، وفقا للمبادرة الخليجية التي دخلت البلاد في ظل بنودها وآليتها التنفيذية مرحلة انتقالية كان يفترض أن تنتهي بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية خلال عامين من استلام هادي السلطة(1).
وفقا للمبادرة أيضا التئمت القوى السياسية والشبابية والمجتمعية في حوار وطني شامل استمر نحو تسعة أشهر، وشاركت فيه بعض القوى الثورية التي كانت معارضة للمبادرة الخليجية مثل أنصار الله الحوثيين، والحراك الجنوبي.
توافقت مكونات الحوار الوطني بشكل عام على بناء دولة يمنية اتحادية تقوم على الشراكة الوطنية بين الفرقاء السياسيين، وتلتزم بمعالجة أبرز قضيتين سياسيتين: القضية الجنوبية، وقضية صعدة، إضافة إلى مخرجات رئيسة جرى إحالتها إلى لجنة دستورية بهدف صياغة عقد اجتماعي جديد ينظم الحياة السياسية والعامة في اليمن.
بيد أن التفاهم الوطني العام اصطدم بنوع من الإقصاء، حين استأثر الرئيس هادي بالحسم في معظم القضايا الخلافية، وعلى رأسها مسألة الأقاليم التي عارضها أنصار الله، وتحفظ عليها الحزب الاشتراكي، وبعض فصائل الحراك الجنوبي(2).
تزامن ذلك مع اندلاع حرب جديدة في محافظة صعدة، امتدت من “كتاف” إلى “دماج” ولم تتوقف عند محافظة عمران المحاذية للعاصمة صنعاء. وبينما بدا الرئيس والجيش على موقف الحياد من هذه الحرب التي انخرطت فيها مجاميع سلفية وقبلية وبعض الفصائل العسكرية المحسوبة على حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون)، تصرفت حكومة الوفاق الوطني بنوع من التبلد السياسي حين أقرت في هذه الأجواء المشحونة زيادة سعرية للمشتقات النفطية بزعم أن موازنة الدولة أصبحت عاجزة حتى عن دفع مرتبات الجيش وموظفي القطاع العام والحكومي(3).
هنا وجد أنصار الله الفرصة سانحة لتنظيم حركة شعبية ساخطة على الحكومة، وخرجت المظاهرات والمسيرات في عدة محافظات. وعلى وقع الزخم الشعبي المتصاعد والمسنود بحماية قبلية مسلحة، اشتغل مبعوث الأمم المتحدة حينها جمال بن عمر على صياغة تفاهم وطني يقوم على أساس الاستجابة للمطالب الشعبية فيما يتعلق بأسعار المشتقات النفطية، وتحقيق الشراكة الوطنية في السلطة وفقا لمخرجات الحوار الوطني، ويتضمن إطاراً للمعالجات الأمنية، التي تستهدف ضبط الأمن ومواجهة الجماعات الإرهابية وتمكين الدولة من بسط نفوذها، ونزع الأسلحة الثقيلة من مختلف الفصائل والجماعات، وانسحاب (الحوثيين) من المناطق التي يسيطرون عليها كعمران وصعدة والعاصمة صنعاء
(4).
أيدت الأمم المتحدة والدول الراعية للعملية السياسية اتفاق السلم والشراكة الذي وقعت عليه الأحزاب السياسية مع ممثلي أنصار الله في 21 سبتمبر 2014م. وبناء على الاتفاق تشكلت حكومة جديدة برئاسة المهندس خالد بحاح (13-10-2014م) وسط خلاف حاد بشأن طريقة ومستوى تمثيل المكونات السياسية فيها. ومن المفارقات أن جماعة أنصار الله التي باتت أشبه بسلطة أمر واقع بعد أن سيطرت أمنياً على العاصمة صنعاء والمؤسسات الحكومية فيها، وجدت نفسها خارج الحكومة، بالمخالفة الفجة لاتفاق السلم والشراكة(5)، الأمر الذي انعكس سلباً على تنفيذ بقية التزامات وبنود اتفاق السلم والشراكة، وبالأخص المواد المضمنة في الملحق الأمني.
وفي ظل هيمنة عدم الثقة بين الرئيس هادي وأنصار الله، شهدت العاصمة صنعاء مواجهة عسكرية محدودة بين اللجان الشعبية وألوية حماية الرئاسة، انتهت بانسحاب قوات الجيش، وانكشاف الرئيس هادي أمنياً، الأمر الذي اضطره إلى إعلان استقالته واستقالة حكومة بحاح في الوقت نفسه(6)، لتدخل البلد في فراغ أمني سياسي، وصولا إلى التدخل العسكري الخارجي, وإعلان الحرب السعودية على اليمن.
الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة
يكتسب الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة أهميته من كونه قد لامس المشكلة الأمنية اليمنية في صميم تفاصيلها، مستندا في معالجة تداعياتها إلى المخرجات التوافقية للحوار الوطني، وبالأخص المتعلقة بقضية صعدة، وإلى ما تفرضه المستجدات والمتغيرات السياسية والعسكرية على أرض الواقع، وفوق ذلك فإن معظم بنوده لا تزال صالحة للعمل بها في إطار تسوية سياسية تضع حدا للحرب والحصار وتفتح الطريق من جديد أمام التوافق الوطني المنشود.
فالبند الأول من الملحق الأمني للاتفاقية، ينص على:
– إزالة جميع عناصر التوتر السياسي والأمني
– تمكين الدولة من ممارسة سلطاتها
– وقف جميع أعمال العنف فورا في العاصمة صنعاء ومحيطها من جميع الأطراف.
فلا جدال أن استقرار الحالة الأمنية بالعاصمة صنعاء، يتطلب إنهاء عمل اللجان الشعبية والثورية التي جرى استحداثها من بعد 21 سبتمبر 2014م، ما يساعد الحكومة التوافقية على أداء مهامها بعيداً عن التدخلات الخارجية، وضغوطات سلطة الأمر الواقع، كما ستكون الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن ضبط الحالة الأمنية والتصدي بحزم لأية خروقات أو استغلال من قبل العناصر والتنظيمات الإرهابية ( القاعدة وداعش). ولن يستتب الأمن في العاصمة صنعاء إلا بوقف إطلاق النار في محيطها وطوقها الجغرافي والقبلي، وسحب الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من مختلف الأطراف والجماعات المتقاتلة.
وما يسري على العاصمة ومحيطها يسري بالمثل على محافظات الجوف ومـأرب وعمران، كما جاء في البندين الرابع والخامس من الملحق الأمني، حيث نص البند الرابع على تشكيل لجنة مشتركة تقوم بسحب جميع المجموعات المسلحة القادمة من خارج محافظة عمران، وتشرف على الترتيبات الأمنية والإدارية التي تعزز سلطة الدولة، وتؤدي إلى بسط الأمن والاستقرار، وممارسة المسؤولين المحليين صلاحياتهم بشكل كامل.
وأكد البند الخامس على وقف جميع أعمال القتال ووقف إطلاق النار في محافظتي الجوف ومأرب وانسحاب جميع المجموعات المسلحة القادمة من خارج المحافظتين مع ترتيب الوضع الإداري والأمني والعسكري فيهما، بما يكفل تحقيق الأمن والاستقرار والشراكة الوطنية.
ويمكن التعاطي مع هذه الترتيبات كمرحلة أولى، ثم تشرع الحكومة التوافقية في تنفيذ ترتيبات مشابهة في بقية المحافظات وصولا إلى الغاية الرئيسة ممثلة بـ ” ضرورة بسط سلطة الدولة واستعادة سيطرتها على أراضيها كافة وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني”، كما ورد في البند الثاني من الملحق الأمني آنف الذكر.
وهنا يتعين الإشارة إلى
الملاحظات التالية:
1- أن الترتيبات الأمنية المقصودة أعلاه ليست حكراً على طرف أنصار الله، بل تشمل بقية الجماعات المسلحة، التي تشكلت تحت عنوان “المقاومة”، في جنوب البلاد وشمالها.
2- أن الوضع الأمني المضطرب في اليمن وفي المحافظات الشمالية (صنعاء، مأرب، عمران، الجوف، وصعدة) تحديداً لم يكن بفعل الحرب العدوانية فحسب، فقد أمكن لأنصار الله السيطرة على محافظة صعدة في ظل الثورة الشبابية فبراير2011م، وحينها قال القيادي في حزب الإصلاح حميد الأحمر أن صعدة قد عادت إلى حضن الوطن(7). وبالنسبة للوضع في مأرب والجوف، فقد أمكن للجماعات المسلحة المتصلة بحزب الإصلاح السيطرة على بعض المعسكرات التي كانت تابعة للحرس الجمهوري بقيادة نجل الرئيس السابق أحمد علي عبدالله صالح، وقد حصلت مواجهات لاحقة بين هذه الجماعات وجماعة أنصار الله.
3- بالنسبة لمحافظة عمران فقد سيطرت عليها جماعة أنصار الله إثر ارتدادات معركة دماج التي اتخذت بعداً طائفياً تجاوز حدود اليمن، وبعد اشتباكات عنيفة مع المجاميع المسلحة المحسوبة سياسيا على تجمع الإصلاح، واجتماعيا على قبيلة حاشد والمشايخ من آل الأحمر. واللافت أن الرئيس هادي قام حينها بزيارة مفاجئة للمحافظة، مؤكداً بأنها ما زالت تحت سلطة الدولة(8).
4- برغم الحرب المستعرة منذ نحو أربع سنوات لا يزال الوضع الأمني في محافظات الشمال تحت سيطرة أنصار الله وحزب الإصلاح، خاصة أن القوات الإماراتية التي شكلت قوات أمنية تابعة للتحالف في المحافظات الجنوبية، عجزت عن تشكيل حزام أمني في محافظة مأرب، وبرغم أن غالبية المقاتلين في هذه الجبهات محسوبون على الشرعية والتحالف إلا أنهم يوالون حزب الإصلاح سياسيا وعقائدياً.
5- ينص الاتفاق على التزام الأطراف تيسير وصول الجهات الفاعلة الإنسانية إلى المحتاجين للمساعدة الإنسانية في ظروف آمنة ومن دون عوائق، وضرورة كفالة أمن موظفي المساعدة الإنسانية وموظفي الأمم المتحدة والأفراد المرتبطين بها. وهو إجراء سيظل مطلوبا في أية ترتيبات أمنية مقبلة.
6- أن تحفظ طرف حكومة هادي على إدراج اتفاق السلم والشراكة ضمن مرجعيات الحل السياسي برغم إمكانية الاستفادة من مضامينه الأمنية يعود إلى تنصل هادي نفسه عن الاتفاق وما تلاه من قرارات ومتغيرات، وذلك بعد تمكنه من الفرار إلى عدن في 21 فبراير 2015م، حيث أعلن منها العدول عن الاستقالة وعدم الاعتراف بكل المستجدات التالية للحادي والعشرين من سبتمبر 2014م(9).
أن المبدأ العام لمسألة تسليم السلاح الثقيل للدولة قد جاء في صلب مخرجات الحوار الوطني، وتم التأكيد عليها في ضمانات تنفيذ المخرجات الملحقة بوثيقة الحوار، مع الإشارة إلى تمسك أنصار الله بمفهوم “دولة الشراكة الوطنية” الواردة في المخرجات نفسها(10).
هوامش ومراجع:
1- نصت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية على تنظيم انتخابات رئاسية مع نهاية المرحلة الانتقالية الثانية، التي تحددت بمدة عامين وفقا للفقرة الثانية من المادة السابعة للآلية التنفيذية وهذا نصها: “تبدأ المرحلة الثانية ومدتها عامان مع تنصيب الرئيس بعد الانتخابات الرئاسية المبكرة وتنتهي بإجراء الانتخابات العامة وفقاً للدستور الجديد وتنصيب رئيس الجمهورية الجديد”. ويتوفر نص المبادرة على الرابط: https://yemen-press.com/news4043.htm
2- أكدت الأمانة العامة تمسك الحزب الاشتراكي بوجهة نظره حول شكل الدولة الاتحادية على أساس إقليم في الشمال، وإقليم في الجنوب، واعتبرت خيار الإقليمين ” حلا واقعيا لأزمة الوحدة ومخلفات حرب 94 “. انظر: http://aleshteraky.com/mlhf-fkbiq/item/239
3- أعلنت وزارة النفط عن الأسعار الجديدة في 30-7-2014م، ونشرت وكالة سبأ الرسمية تقريرا حكوميا جاء فيه “أن رفع الدعم عن المشتقات النفطية وبصورة عاجلة أصبح ضرورة وطنية حتمية لتلافي وصول البلد إلى حالة الانهيار الاقتصادي”: http://www.sabanews.net/ar/news362574.htm
4- لقراءة نص الاتفاق على موقع وكالة سبأ الرسمية: http://www.sabanews.net/ar/news369099.htm
5- نص الاتفاق في بنده الأول على تشكيل حكومة كفاءات في مدة أقصاها شهر من تاريخ التوقيع ، وتعتمد في تشكيل الحكومة الجديدة مبادئ الكفاءة والنزاهة والشراكة الوطنية، على أن تضمن مشاركة واسعة للمكونات السياسية.
6- جرى الإعلان عن استقالة هادي في رسالة بعثها إلى رئيس مجلس النواب بتاريخ22-1-2015م، ويومها أعلن الناطق باسم الحكومة أن رئيس الوزراء خالد بحاح قدم استقالته أيضاً ( وكان المفترض أن تبقى الحكومة لتصريف الأعمال لفترة مؤقتة): http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/1/22
7- عبدالله علي صبري: أنصار الله في قلب المشهد الثوري .. الأدوار والـتحديات http://www.yecscs.com/article/28
8- http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2014/07/140723_yemen_hadi_omran_visit
9- http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2015/02/150222_yemen_hadi_withdraws_resignation
10- أقرت مخرجات فريق قضية صعدة أن كلمة الدولة تعني: دولة الشراكة الوطنية في كل أجهزة ومؤسسات الدولة، انظر نص الوثيقة، ص 50