صمود وانتصار

الإعلام العربي المقاوم في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي ومشروع

الصمود / 25 / نوفمبر
خاص/
بقلم / عــبدالله عـلي صـبري
تــوطــئة:
لم يقتصر تحالف العدوان على الحرب العسكرية، فقد شن على اليمن حربا إعلامية موازية، حشد لها كل الإمكانات والخبرات الضليعة في التضليل وقصف العقول وفي أساليب الحرب النفسية التي تسعى إلى إنهاك الخصم دون حاجة إلى المزيد من القوة النارية.
وإمعانا منه في هذه الحرب عمد التحالف السعودي الأمريكي إلى استهداف الإعلام الوطني اليمني حتى يخلو له فضاء التأثير في جمهور المتلقي يمنيا وعربيا ودوليا، فقام بحجب الكثير من الفضائيات والوسائل الإعلامية والتشويش عليها واستنساخ بعضها، وإغلاق العديد منها.
غير أن الجبهة الإعلامية المواجهة للعدوان تمكنت من استعادة زمام المبادرة، وقدم الإعلام الوطني ملحمة كبرى في إطار المسؤوليات الملقاة على عاتقه بالموازاة مع تضحيات وصمود الشعب اليمني في مواجهة الحرب العاتية بمختلف صنوفها وتداعياتها.

 

وإلى جانب الإعلام الوطني، برز الدور الكبير للإعلام الصديق ممثلا في الصحف والفضائيات العربية المحسوبة على محور المقاومة والممانعة. ونتيجة لهذا الـتأثير الذي تمكن من كسر الحصار الإعلامي السعودي على اليمن، فقد كان للكثير من هذه الوسائل نصيبها من الاستهداف عبر الترغيب والترهيب، ثم الحجب والإغلاق.
ولم تكن مصادفة أن الاستهداف السعودي للإعلام العربي المقاوم قد صب في خانة المصلحة العليا للكيان الصهيوني الغاصب، الذي بدا عاجزا في وجه التأثير الكبير لهذه الوسائل على جمهور المتلقي العربي ( بل والإسرائيلي )، فإذا بالتحالف السعودي يقوم بهذه المهمة القذرة التي اتخذت من حرب اليمن ستارا لاستهداف الإعلام المقاوم.
وشيئا فشيئا، ومع استمرار العدوان على اليمن، تكشفت المطامع الدولية الكبرى في هذه الحرب، التي يخوضها النظامان السعودي والإماراتي بالوكالة، وتكشفت حقيقة مرة، تفيد أن السعودية تحديدا قد قطعت شوطا كبيرا في مضمار التعاون والتطبيع مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي جعل استهداف الإعلام العربي المقاوم مهمة مشتركة لنظامين ودولتين اتحدتا وتشابهتا حين الميلاد وفي النشأة والمسار، ويبدو أنهما سيلتقيان أيضاً على هاوية الانهيار المشترك.
أبرز الوقـائع:
إضافة إلى استهداف الإعلام الوطني اليمني، وتكميم الأفواه في الداخل السعودي، وفي ظل ضغط تداعيات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، اتجهت السعودية إلى محاولة إحكام الحصار الإعلامي على اليمن من خلال استهداف عدد من الوسائل الإعلامية المساندة لمظلومية الشعب اليمني، والغالبية منها محسوبة على محور الإعلام المقاوم لإسرائيل وللمشروع الصهيوأمريكي بالمنطقة.
– فقد أقدمت السلطات السعودية على حجب الموقع الإليكتروني لصحيفة الأخبار اللبنانية عن التصفح داخل المملكة، حيث كانت صحيفة الأخبار من أهم الصحف العربية التي سلطت الضوء على حرب اليمن، وجرائم التحالف بحق المدنيين، في مقابل صمود الشعب اليمني والقوى الوطنية وعلى رأسها حركة أنصار الله.
– كما أقدمت السعودية على حجب الصحيفة الإليكترونية رأي اليوم عن التصفح داخل المملكة منذ أغسطس 2015م، ومعروف أن للصحيفة ورئيس تحريرها عبدالباري عطوان مواقف قومية مناهضة لإسرائيل ولعلاقة السعودية بالكيان الصهيوني، بالإضافة إلى مواقفه المنددة بجرائم وانتهاكات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن.
– وفي تصعيد لافت أقدمت شركة “عرب سات” للبث التلفزيوني في ديسمبر 2015م على حجب قناة “المنار” من أقمارها الاصطناعية بعد نقل مركز الشركة من لبنان إلى الأردن. ولا يخفى على المتابع أن تغطية المنار وكلمات أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عبرها، قد أقضت مضاجع آل سعود وحلفائهم من المرتزقة والمعتدين.
– وبعدها بأيام أقدمت إدارة “عربسات” على حجب قناة الميادين، من القمر الاصطناعي، في خطوة أكدت استهداف الإعلام العربي المقاوم لإسرائيل والمناهض للعدوان السعودي على اليمن.
– وبلغ الاستهداف السعودي ذروته في إبريل 2016م، حين أوعزت الرياض إلى شركة نايلسات المصرية بحجب قناة المنار على قمرها الاصطناعي.
– وفي إطار الاستهداف الممنهج، قامت السفارة السعودية في لبنان( مايو 2017 م) برفع دعوى قضائية ضد صحيفة “الأخبار” ورئيس تحريرها إبراهيم الأمين بدعوى نشر مقال انطوى على اتهام المملكة العربية السعودية “بالتواطؤ مع إسرائيل أثناء عدوانها على لبنان، في (يوليو) عام 2006، والتماهي مع المشروع الصهيوني في فلسطين وقبولها بالهزيمة في وجه إسرائيل.
سجل أسود: الجدير ذكره أن السعودية تحتل المرتبة 19 عربيًا في المؤشر العالمي لحرية الصحافة للعام 2018، كما احتلت المركز رقم 169 ضمن تصنيف 180 دولة حول العالم، وهو ترتيب متدن جدا، ويكشف إلى أي مدى تعد السعودية دولة منتهكة للصحافة ولحرية الرأي والتعبير.
وحسب منظمة مراسلون بلا حدود فإن ترتيب السعودية قد يزداد سوءًا خلال النسخة المُقبلة للمؤشر، المزمع إصدارها في أبريل 2019م؛ بسبب تصاعد قضية مقتل الكاتب الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، ومع تصاعد الاتهامات العالمية بتورط الحكومة السعودية في قتله، وهي اتهامات طالت ولي العهد السعودي نفسه، محمد بن سلمان.
حرب أخرى عـلى اليمن:
حين حجبت السلطات السعودية موقع صحيفة “رأي اليوم”، قال بيان للصحيفة أن هذه الخطوة جاءت بسبب “تغطيتها المهنية والموضوعية للحرب في اليمن، ومواقفها الواضحة والصريحة التي تطالب بالحوار، وتجنب الحلول العسكرية لقضايا المنطقة العربية ودول الجوار”. ولفتت أسرة الصحيفة أن هذا الموقف يتعارض مع حقوق القارئ السعودي في الاطلاع على كل وجهات النظر دون أية رقابة أو معوقات.
وهنا بيت القصيد، فالنظام السعودي وقد شن حربا غير مشروعة على اليمن، تنبه إلى خطورة ما ينشر ويبث في وسائل الإعلام ويتناقض مع رواية التحالف. وحسب بعض المراقبين المحايدين، ومن خلال نظرة سريعة لعناوين الأخبار ( خلال السنة الأولى من الحرب على اليمن ) كان هناك نقص في التغطية لليمن مقارنة بالأحداث العالمية الأخرى، ما جعل البعض يصف العدوان على اليمن بالحرب المنسية. وقال هؤلاء أن هناك عدة أسباب تفسر عدم الاهتمام باليمن، منها أن السعودية تشتري صمت الإعلام إلى جانب توظيف شركات علاقات عامة لتحسين صورتها في الإعلام، كما أن الصحفيين الأجانب المستقلين لا يمكنهم دخول اليمن.
من جهته أدان حزب الله بشدة القرار الجائر الذي اتخذته مؤسسة نايل سات للاتصالات والقاضي بوقف بث قناة المنار الفضائية على القمر نايل سات. وأكد الحزب أن هذه الخطوة تعتبر انتهاكا صارخا لحرية الرأي والتعبير ومحاولة لكتم صوت المقاومة والحق الذي تجسده هذه القناة الحاملة لشعار واضح تطبقه بكل حرص وهو ” قناة المقاومة والتحرير.. قناة العرب والمسلمين”. وبلغة دبلوماسية ألمح بيان الحزب إلى الدور السعودي في هذا الانتهاك، حين وصف خطوة الشركة المصرية بالانسياق “مع الهجمة التي تشنها بعض الأنظمة العربية على المقاومة بكل قطاعاتها ومن ضمنها القطاع الإعلامي”.
وقال رئيس مجلس إدارة قناة الميادين غسان بن جدو أن قيام عربسات بحجب بث القناة، جاء على خلفية التغطية الإنسانية للملف اليمني. ولا ريب فقد كانت “الميادين” وما تزال صوتاً إعلامياً مقاوماً ومناهضاً للعدوان ولحرب الإبادة والمجازر التي يرتكبها التحالف السعودي ولا يزال، فاستحقت تقدير واحترام اليمنيين، وتعرضت في المقابل إلى سخط سعودي تطور إلى انتهاك مباشر من خلال حجب بثها على القمر الاصطناعي عربسات، فلم تهادن أو تتراجع عن خطها المهني والإنساني المشهود.
وحسب إعلاميين فإن النظام السعودي قد حول من خلال هذه الانتهاكات الجمهور العربي والعالمي إلى “قطيع تائه”، حيث أمعن في قتل حقيقتين جوهريتين: حقيقة ما وراء الحرب. وحقيقة الجرائم التي ارتكبها التحالف السعودي بحق المدنيين.
فيما قال مدير قناة العالم الفضائية سيد أحمد سادات في تعليقه على هذه الانتهاكات، بأن السعودية تحاول حذف جبهة المقاومة من الإعلام العربي بواسطة سياسة كتم الأفواه على غرار ما نشاهد عند الكيان الصهيوني والدول الغربية بشأن حذف خصومها. وأشار إلى أن أكثر من 70% من الإعلام العربي يخدم سياسات الرياض بشكل مباشر أو غير مباشر.
ولفت سادات إلى أنّ الخطوات السعودية، تأتي بعد تلقي الرياض الهزائم المتعددة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، موضحاً أن السعودية تريد الانتقام من جبهة المقاومة.
في المقابل كشفت الحرب العدوانية الإعلامية على اليمن سقوط كثير من المبادئ التي طالما تشدق بها الإعلام الحر، وخاصة ما يتعلق بالحيادية والتنوع ، فقد انخرطت غالبية وسائل الإعلام الناطقة بالعربية والممولة من دول غربية، في عملية التضليل الإعلامي والسياسي المصاحب للحرب على اليمن في مختلف البرامج التي تبثها للمشاهدين وبالذات الخبرية منها. ورغم الاختلافات في أساليب وصياغة المادة الإعلامية، إلا إن المضامين كانت متشابهة بل ومتطابقة الى حد ما، وكأنها تصدر عن مطبخ إعلامي واحد.
الإعلام المقاوم ..الأدوار والتحديات:
لا يمكن فصل دور الإعلام العربي المقاوم في مساندة القضية اليمنية، عن الدور المحوري الذي يلعبه الإعلام المقاوم في مواجهة مخططات تصفية القضية الفلسطينية. ولم يعد سراً أن القوى والجهات التي خذلت الشعب الفلسطيني، هي نفسها التي انبرى إعلامها للحشد لما يسمى بعاصفة الحزم، تحت مزاعم استعادة الشرعية، والحد من النفوذ الإيراني في اليمن. وحينما اضطلع محور المقاومة والإعلام المعبر عنه بمسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية وجد نفسه مصطفا على نحو تلقائي إلى جانب مظلومية الشعب اليمني، التي بلغت من المعاناة والقساوة والتعتيم إلى الحد الذي قال فيه سيد المقاومة حسن نصر الله أن مظلومية الشعب اليمني تفوق مظلومية الشعب الفلسطيني في عصرنا الراهن. ولا شك أن هذا الموقف القوي لأمين عام حزب الله، قد انعكس إيجابا على مواقف الإعلام العربي المقاوم، فعلى سبيل المثال:
– خصصت قناة نبأ الفضائية برنامجا اسبوعيا عن اليمن تحت مسمى ” عاصفة الوهم ” سلطت فيه الضوء على تداعيات العدوان السعودي الأمريكي على اليمن، واستضافت العشرات من الخبراء والصحفيين الذين قدموا معلومات وتحليلات مغايرة لما ألفه المشاهد العربي في قنوات ووسائل التضليل الممولة سعوديا وخليجيا.
– وبالمثل أطلقت قناة العهد برنامجا اسبوعيا تحت مسمى ” يمن الصمود “، تميز بمواكبة الحرب على اليمن من خلال ضيوف يمنيين، محسوبين على الجبهة الوطنية المناهضة للعدوان، وعكس البرنامج الحقائق التي أراد العدو تغييبها، وخاصة ما يتعلق بصمود الشعب اليمني وانتصارات الجيش واللجان الشعبية.
– أطلقت قناة الميادين أكثر من حملة تضامنية مع الشعب اليمني، ومنها حملة أنقذوا أطفال اليمن، التي سلطت الضوء على التداعيات الكارثية للحرب والحصار في شقها الإنساني، وكان لتغطيتها المواكبة والمتميزة لمجزرة الصالة الكبرى (-8 -10 2016)، تأثيرا كبيرا على المواقف الدولية التي خرجت عن صمتها، وباتت أكثر حساسية تجاه الملف اليمني.
– اشتركت عدة فضائيات محسوبة على الإعلام المقاوم ولأكثر من مرة في بث مشترك عن اليمن ومستجدات العدوان والصمود، وكان لمثل هذه الحملات أثرها الكبير في التعريف بجرائم وانتهاكات التحالف السعودي، وفي الحد من التضليل الإعلامي المصاحب لهذه الحرب.
– واكبت عشرات الوسائل الإعلامية المرتبطة بمحور المقاومة أخبار ومستجدات الحرب على اليمن في نشراتها وتقاريرها الإخبارية وفي برامجها الحوارية والتحليلية والوثائقية.
– اهتمت قناة الاخبارية السورية على نحو خاص بالملف اليمني، رغم الهجمة الكبيرة على سوريا، التي تطلبت استنفارا إعلاميا في مختلف الوسائل الرسمية للدولة السورية. ومرة أخرى لم تكن مصادفة أن الإعلام المضلل الذي استهدف اليمن كان نفسه الإعلام الذي استهدف سوريا ومحور المقاومة بشكل عام.
– وإلى جانب قناة المنار المواكبة للحدث اليمني، عملت إذاعة النور على تقديم مادة مسموعة مختلفة. وأول أمس الثلاثاء وبمناسبة اليوم العالمي للطفل، أطلقت الإذاعة حملة تضامنية مع أطفال اليمن.
لكن إلى جانب الاهتمام بالقضيتين الفلسطينية واليمنية يتعين على الإعلام العربي المقاوم الارتقاء بأدائه في خدمة الحقيقة، وتعزيز الوعي، خاصة بعد أن سقطت كبرى المشاريع الإعلامية العربية في خدمة المشروع الصهيوأمريكي وأجندته السافرة.
وبإمكان القائمين عليه الاستفادة من المستجدات والمتغيرات الأخيرة حيث سمح الانتصار الاستراتيجي لمحور المقاومة على داعش والجماعات الإرهابية بالكشف عن الكثير من الحقائق المستترة التي عمل الإعلام التضليلي على حجبها والتعتيم عليها ، وحاول صرف الأنظار عن محاولات فضحها. ومن هذه الحقائق أن النظام السعودي الرسمي على صداقة وعلاقة مباشرة بالكيان الصهيوني، وأن علاقة تل أبيب بالرياض أقوى في واقع الحال، من علاقات كثير من الدول العربية مع بعضها البعض.
وقد بات جليا أن الدعم الأمريكي للسعودية ونظامها القمعي، يأتي في إطار حماية المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، كما أكد على ذلك الرئيس ترامب نفسه، وهو يحاول أن يتجنب قطع العلاقة مع السعودية رغم التداعيات الكبيرة لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
إن تغير الصورة النمطية عن السعودية وحكامها، وما يصاحبه من اتجاه دولي نحو إيقاف الحرب على اليمن، يفرض على الإعلام العربي المقاوم استغلال هذا المنعطف، بما يخدم القضية الفلسطينية ويعزز من التفاف الشارع العربي والإسلامي حول خيار المقاومة، الذي أثبتت الأيام أنه الخيار الصائب. ولنا في المستجدات الأخيرة في قطاع غزة خير مثال على أن العدو الصهيوني لا يفقه سوى لغة القوة والتحدي.
التحية والتقدير في الأخير لكل قنوات ووسائل الإعلام المقاوم ولكل الإعلاميين الأحرار في شتى بقاع العالم الذين كان لهم الفضل في كسر الحصار والتعتيم الإعلامي السعودي على اليمن، وفي كشف انتهاكات وجرائم وتحالف العدوان بحق الإعلام اليمني والعربي والإسلامي المقاوم.
*رئيس اتحاد الإعلاميين اليمنيين
*ورقة مقدمة إلى ندوة استهداف الإعلام العربي المقاوم ومسؤولية المجتمع الدولي
صنعاء22 /11 /2018م