صمود وانتصار

تفريط العرب جعلهم جديرين بأن تضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يبوء وا بغضب من الله، كما ضربت على بني إسرائيل.

الصمود

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ}(آل عمران: من الآية99) وأنتم شهداء، وهو دوركم في الحياة: أنكم اخترتم، وفضلتم على العالمين؛ لتكونوا أنتم من تحملون لواء الرسالات، وأنتم من تكونون شهداء على الأمم، شهداء على الناس.

لكنهم لما تخلوا عن المسؤولية، لما لم يكونوا بمستوى المسؤولية في آخر أيامهم، وإن لم يكن المجموع، كما سيأتي الاستثناء فيما بعد، ولكن عندما يغلب، عندما يكون الغالب هم الفاسقون، عندما يقصِّر، ويفرط المؤمنون، فتبقى الغلبة للفاسقين، يصبح المجموع، من حيث المجموع غير جدير بتحمل المسؤولية، وبالتالي يكون معرضاً للاستبدال، بأن يستبدل به غيره.

هم فضلوا، ونِعَم كثيرة أعطاهم الله سبحانه وتعالى، وفضلهم بها على العالمين، ولكنهم عندما قصروا، عندما فرطوا، عندما توانوا، عندما أصبح الكثير منهم فاسقون، كما قال الله: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: من الآية110) أصبحوا في وضعية تؤهل غيرهم أن يستبدلوا عنهم.

ومع ذلك ما يزال المجال أمامهم مفتوحاً، فلوا آمنوا لكان خيراً لهم، ولو آمنوا لكان خيراً لهم، ولكانوا على ما كانوا عليه من قبل، يسيرون تحت لواء محمد (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) كما ساروا تحت لواء موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام وغيرهما من أنبياء الله، من بني إسرائيل.

المسالة نفسها بالنسبة للعرب أنفسهم، بالنسبة لأهل البيت أنفسهم، عندما يفرطون، عندما يتوانون، عندما يقصرون، فيكون المظهر العام، هو: التفريط، هو التقصير، هو الضلال، هو الفسق، يتعرضون لما تعرض له بنوا إسرائيل من الاستبدال، فهذه سنة إلهية: يتعرض العرب لما تعرض له بنوا إسرائيل من الاستبدال، ويكونون جديرين بأن تضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأن يبوءوا بغضب من الله، كما ضربت على بني إسرائيل، لأن القضية واحدة، كما كان بنوا إسرائيل هم خير أمة أخرجت للناس في تاريخهم الطويل، كذلك العرب {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وهذه هي مسؤوليتكم {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.

فالتذكير بالمسئولية، هو يذكر أيضاً بخطورة التفريط فيها، ولا شيء أعظم من التفريط في المسئولية، في قضية كبرى كهذه؛ لأنه تفريط في السبق، تفريط في فضيلة عظيمة، في شرف عظيم، تفريط في البشرية كلها. لو تحرك العرب، واستقاموا على الطريقة، وتمسكوا بالثقلين، كما أمرهم رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) لكانوا هم من تصلح البشرية على أيديهم.

عندما فرطوا قدموا الإسلام بطريقة غير مقبولة، وبشكل مهزوز، ضربوا جاذبيته في أعين الناس، وفي قلوب العالمين، فأصبح لا يشد أحداً إليه، عندما فرطوا هم فرطوا في البشرية كلها، وأصبح معظم سكان الأرض لا يدينون بهذا الدين، عندما فرطوا أصبحوا هم أمة في هذا الزمن – هذا الزمن الذي توفرت فيه كل عوامل القوة، وأخرجت الأرض خيراتها من باطنها وظاهرها بشكل ربما لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا العالم بكله – يظهرون أمة مستضعفة، أمة جاهلة، أمة مشتتة، أمة لا تستطيع أن تفك عن نفسها ربق الذلة، تستجدي هذا، وتستجدي هذا أن يفك عنها عدواً يمثل في عدده أصغر شعب من شعوبها. عندما فرطوا في المسئولية أصبح الواقع بالنسبة لهم هكذا.

إضافة إلى أنهم فرطوا في البشرية كلها؛ لأنكم {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} كل الناس، أما كان هذا شرفاً عظيماً أن العربي الواحد يصبح شريكاً في أجر من يهتدي في هذا العالم بكله، من أقصاه إلى أقصاه، في هذه الأرض بكلها؟

من العجيب عندما نأتي إلى البعض فيكون همه من هذه الآية هو: أن يتحدث بأن في هذه الآية شرفا للعرب {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (البقرة: من الآية143) فهذه هي أمة وسط، يأخذ منها هذا فقط، مسألة: أن الله شرفهم بأن جعلهم أمة وسطاً، أو يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} هذه فضيلة عظيمة، وأحيانا يحاول أن يخص بها أولئك الصحابة، وانتهى الموضوع.

إنها مسئولية كبيرة جداً، إنها مسئولية كبيرة جداً، بدءاَ من أولئك الذين كانوا أول المسلمين، في أيام رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) هو من ذكَّرهم بها؛ ولهذا قال فيما بعد: {وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الذي يشكل ضابط الالتزام لديكم حتى تؤدوا مسئوليتكم بنحو صحيح، وعلى شكل صحيح.

عندما فرطوا، عندما لم يكن إيمانهم بالله بالشكل الذي يجعلهم يلتزمون حرفياً، إيماناً واعياً. هم كانوا مؤمنين بالله وبرسوله، لكن الإيمان درجات، الإيمان درجات، لم يكونوا بمستوى أن يعوا، أن يعوا من خلال القرآن، ومن خلال محمد (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) عظم المسئولية الكبرى، وكيف يكونون بمستواها، ولم يأت التقصير، لا من خلال القرآن، ولا من خلال رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) الذي هو أفصح العرب، وأنشط الأنبياء في عمله، أكثرهم نشاطاً، وأعظم البشر تبليغاً بوسائله، وبمنطقه.

عندما لم يعوا مسألة الإيمان بالشكل الذي يجعلهم يلتزمون حرفياً بتوجيهات الرسول (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) بالقرآن الكريم بدأ التفريط من أيامهم، بدأ التفريط ورسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) على فراش الموت مريضاً في آخر أيامه، عندما قال: ((هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده)) فجاء عمر مع مجموعة كبيرة داخل مجلس رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) ليعارضوا بأن يقدم لرسول الله قلم ودواة، فيأمر بكتابة من يكتب مالا تضلوا بعده، مالا تضل الأمة إن تمسكت به، فعارض عمر، وأثاروا ضجة في مكان رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) وقالوا: [حسبنا كتاب الله] لو كانوا يعرفون كتاب الله بالشكل المطلوب لكان عليهم أن يقدموا لرسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) قلماً ودواة حتى يكتب ذلك المكتوب الذي يريد أن يكتبه، يأمر بكتابته حتى لا تضل الأمة من بعده.

بوادر التخلي عن المسئولية الكبرى بدأت ورسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) كان لا يزال حياً بكامل وعيه، وهو في آخر أيامه مريضاً على فراش الموت.

{وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} لأن مسألة أن تحمل المسئولية، وأن تفهم المسئولية هي: لا بد أن تكون على النحو الذي هداك الله إليه في أدائها، وفي حملها، وفي تمثيلها، وأن تكون على هذا النحو من الالتزام لا بد أن يكون إيمانك بالله قوياً، قوياً.

فعندما يأتي عمر بتلك الأعمال: تنصيب أبي بكر، ثم تنصيب عثمان من بعد، هو كله عمل عمر، هو الذي قال لأبي بكر: أمدد يدك أبايعك، ولم يمد يده ليبايع تلك اليد التي رفعها رسول الله في [يوم الغدير] يد علي بن أبي طالب، أمير المؤمنين عندما رفع رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) يده في يوم الغدير وقال: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)) ولم تكن الأمة من بعد، ولا أولئك الصحابة أنفسهم، لم يكونوا بمستوى حمل المسئولية، هم من بدءوا يفرطون، عندما يلتفون حول اليد التي مدها عمر، ولم يلتفوا حول اليد التي رفعها رسول الله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم).

من الأولى – إن كانوا يؤمنون بالله وبرسوله (صلي الله عليه وعلى آله وسلم) إيماناً واعياً – أن يلتفوا حول يد مدها عمر [امدد يدك أبايعك] أو حول يد رفعها رسول الله على نحو من مائة ألف من المسلمين يرونه جميعاً ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه))؟

إنها آية خطيرة، تذكِّر بعظم المسئولية، وتثير الجانب العاطفي لمن يتأمل هذه الآية، وكأنه يذكِّر كيف ستكونون، لو كنتم تعرفون مسئوليتكم، وتعرفون كيف تحملونها {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} مثلما نقول: [حمِّيْهَا، كان المؤمل فيها كذا، وكانت، وكانت، و…] لهذا جاءت بالشكل الذي يوحي بان هذه الأمة ستتحسر على ماضيها، عندما ترى أنها فرطت، وضيعت. لم تأت العبارة بلفظ: [أنتم خير أمة أخرجت للناس]. {كُنْتُمْ} يقول المفسرون، معناها: وُجِدتم، بدون لحظ ماضي، وجدتم – هكذا – {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

الدرس الرابع – سورة آل عمران – ص – 3 – 4.

{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.

بتاريخ:28 شوال 1422هـ

الموافق:12/1/202م

اليمن – صعدة.