صمود وانتصار

حدود السيادة اليمنية على باب المندب في الحرب والسلم ( قراءة قانونية )

حدود السيادة اليمنية على باب المندب في الحرب والسلم ( قراءة قانونية )

الصمود / 6 / أغسطس

أقلام حرة /

بقلم / عبدالله علي صبري

الشيء المتعارف عليه، أن الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب محكومة بقوانين حاسمة لا مجال معها لأية حقوق تعود بالنفع على الدولة اليمنية التي يعترف العالم بحقها في السيادة على المضيق، لكنه يسلب منها جوهر هذه السيادة حين يحذر من أي مساس بحركة وحرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ضاربا عرض الحائط التحفظات اليمنية تجاه القوانين الدولية التي أدت إلى تدويل مضيق باب المندب ، وتجاهلت الخصوصية الجيوسياسية، التي قد تمنح بلادنا امتيازات خاصة في حال توافر لليمن دولة مقتدرة ونظام سياسي، لا يقبل المساومة بحقوقها ولا يغض الطرف عن انتهاك سيادتها.
فما هي هذه الحقوق المغيبة، وهل تستند إلى مرجعية قانونية يمكن البناء عليها؟
لست محامياً ولا ضليعاً بالقانون ، لكن مطالعة بعض الرؤى القانونية بخصوص تنظيم الملاحة الدولية تقود الى فجوات تكشف المؤامرات الاستعمارية المتوالية على مضيق باب المندب، وصولاً إلى تدويله وفقاً لقانون البحار الدولي الصادر عن الأمم المتحدة والاتفاقية المنشئة له عام 1982م، رغم أن الكثير من الدول تحفظت عليها حتى يومنا هذا..
الأصل أن مضيق باب المندب يعتبر ضمن إطار المياه الإقليمية لليمن، ولا يحق لأي دولة أن تمخر سفنها عبره إلا بإذن مسبق من اليمن، بيد أن الاتفاقية آنفة الذكر تمنح السفن الأجنبية حق المرور ( البريء)، والذي يقصد به: المرور السريع دون توقف أو رسو إلا في حالة القوة القاهرة.
ولا شك أن هذا النوع من المرور وهو الغالب ، يحرم اليمن من الاستفادة من المضيق وموقعها الاستراتيجي، انطلاقاً من مبدأ الحرية البحرية في مياه البحار والملاحة الجوية فوق تلك المياه .
ولا شك أن هذا المبدأ وذلك القانون قد وضعا خصيصاً لخدمة المصالح المتعلقة بالدول الكبرى دون اعتبار للمصالح الوطنية للدول والشعوب في هذه الممرات.
وما يجعل المضيق محكوماً بالقانون الدولي ، أن الدول المطلة عليه ( اليمن ، جيبوتي، إثيوبيا) لم تبرم أي اتفاق خاص فيما بينها لتنظيم مرور السفن عبر باب المندب، علماً أن لليمن الأفضلية من خلال جزيرة ميون التي تتوسط المضيق وتكاد تجعل منه في حكم المياه الداخلية، التي لليمن بموجبها ممارسة حقها القانوني في إغلاق المضيق وفرض رسوم مرور على السفن التجارية والحربية!
وقد يعترض البعض على هذا التفسير ، غير أن فرض رؤية الدول الاستعمارية على اليمن لا تخلو من تحفظات مرتبطة بالجدل والنقاش في القانون الدولي حول المضايق المائية.
بل ثمة من يرى أن نظام المرور البريء الذي وضعته الدول الكبرى كان الغرض منه تدويل مضيق باب المندب ومحاولة السيطرة على الحرب العربية الإسرائيلية ، والنزاع حول مضيق تيران المختلف عليه بين مصر والسعودية .
وبالإضافة إلى فرض الرسوم على مرور السفن الذي يحق لليمن تنظيمه وفقاً لقانون محلي، يراعي المصلحة الاقتصادية والأمنية لبلادنا، وبالاستناد إلى حق المرور البريء نفسه الذي يجيز إيقاف عبور السفن في المضايق اذا أخلت السفينة بأمن الدول الساحلية وسلامتها أو بحسب النظام فيها، كما يحق لهذه الدول فرض رسوم معينة مقابل خدمات تقدم إلى السفن أثناء مرورها في المضيق.
وهذا يعني أن اليمن كان من حقها ولا يزال تنظيم مرور السفن عبر المضيق وإجبارها على التوقف والتزود بالخدمات في الموانئ اليمنية وبالذات ميناء عدن كما كانت تفعل بريطانيا إبان احتلالها جنوب البلاد، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني وعلى تطوير ميناء عدن الذي تراجع كثيراً في مقابل صعود ميناء دبي العالمي، الذي ما كان ليصل إلى هذه المكانة لولا تساهل النظام السياسي في اليمن قبل وبعد الوحدة، وافتقاره لإدارة وطنية تستغل موقع اليمن الجغرافي، الذي تتكالب عليه القوى الاستعمارية فيما اليمن آخر من يعرف كيف يستفيد من هذا الموقع الاستراتيجي!

باب المندب في زمن الحرب والعدوان
إذا كان بإمكان اليمن أن تستفيد من باب المندب اقتصادياَ من خلال تقديم خدمات الإرشاد والملاحي للسفن وتسهيل رسوها في الموانئ اليمنية وتزويدها بالخدمات الاقتصادية ، فإن أهمية هذا المضيق في زمن الحرب تفوق بكثير أهميته في زمن السلم، فمن حق اليمن إغلاق المضيق في حال الاعتداء على بلادنا أو حدوث أية انتهاكات ضد اليمن، كما أن لبلادنا الحق في اتخاذ التدابير الاحترازية لمكافحة القرصنة البحرية والتجار بالمخدرات وغيرها.
وفي زمن الحرب ولاضطرابات ، فإن لليمن حق الزيارة والتفتيش على جميع السفن حربية كانت أم مدنية، ولها أن تقوم بإرسال إشارات للسفن للتأكد من أنها لا تحمل أسلحة أو أدوات تضر بالموقف العسكري أو الأمن القومي لها، بل يمكن لها صعود هذه السفن وتفتيشها، ومنعها من المرور إذا لزم الأمر!
وهذا الشيء عينه الذي قامت به مصر في حرب 1973م مع الدول التي تساعد إسرائيل سياسياً ولوجستياً ، وهو ما قامت به اليمن أيضاً في مضيق باب المندب تضامناً مع مصر عبدالناصر!
وبعد هذه الحرب تضاعفت أهمية باب المندب مع اشتداد المنافسة الدولية على النفط العربي، وجاءت أزمة الصومال منذ تسعينات القرن الماضي، لتفرض على الدول الكبرى التحرك العملي لحماية الملاحة الدولية في القرن الأفريقي المجاور لباب المندب ، وهو ما جعل البحر الأحمر وسواحله محط تنافس بين هذه الدول التي أقامت قواعد عسكرية في جيبوتي وأرتيريا لهذا الغرض، وكان لا فتاً أن الصين قد دخلت مؤخراً على هذا الخط.
وبالإضافة إلى القواعد العسكرية، حطت في المياه الإقليمية للبحر الأحمر عشرات السفن والبارجات البحرية الأمريكية والروسية والإيرانية، وغيرها تحسباً لأية مستجدات تحول دون استمرار الملاحة في هذه المنطقة.
حاليا تسيطر قوات الغزو والاحتلال السعودية/الإمارتية على باب المندب وميناء المخا وعلى جزيرة ميون ميناء عدن. وتتولى القوات الإماراتية إدارة المناطق المحتلة في جنوب البلاد، ما يؤكد أن المطامع الإماراتية في اليمن أكبر من مجرد إعادة ما يسمى بالشرعية وحكومتها.. فبالإضافة إلى الخدمة المجانية لأمريكا وإسرائيل ، تعمل الإمارات على إعاقة أي نهوض في الموانئ اليمنية حتى لا تكون على حساب موانئها ومطاراتها التي تدر عليها مداخيل فلكية!!
في 26 مارس 2015م تشكل التحالف العربي معلناً ما يسمى بعاصفة الحزم التي أدعت أنها تعمل على استعادة الشرعية من أيادي من وصفتها بالانقلابيين الحوثيين..وكانت ثورة 21 سبتمبر الشعبية منحت أنصار الله سلطة سياسية وأمنية واسعة، وفرضت مخاوف تتعلق بمصير الملاحة الدولية في باب المندب في ظل السلطة الجديدة التي لا يكف الإعلام الخليجي عن ربطها بإيران.
وتحت هواجس الأمن القومي العربي وبضوء أخضر أمريكي تشكلت قوة عربية مشتركة غير مسبوقة لتشن عدوان وحصار جائر وشامل على الشعب اليمني لا يزال قائماً حتى اللحظة.
ولأن يمن ما بعد 21 سبتمبر تختلف جذرياً عن اليمن ( السياسية) التي تعاملت معها السعودية منذ سبعينيات القرن الماضي، فقد وجدت السعودية نفسها أمام خارطة جديدة، رأت معها ضرورة التدخل عسكرياً لإعادة الأمور الى نصابها ( مع أن أنصار الله كانوا منفتحين على علاقات احترام متبادلة مع السعودية ) ، وكان رئيس الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو قد دشن الحرب على اليمن حين حذر من سيطرة ( الحوثيين) على باب المندب..وهو التحذير الذي وجد صداه في كثير من العواصم العربية والدولية بما فيها مصر والإمارات ، فقد وجدت مصر نفسها محاطة بهذه الهواجس، المرتبطة بتأثير وضع باب المندب على الملاحة في ( قناة السويس) ، علماً أن أنصار الله قدموا التطمينات اللازمة عبر السفير المصري الذي كان من آخر السفراء الذين غادروا صنعاء قبيل العدوان على اليمن.
وهكذا تشكلت مخاوف ومطامع سعودية إماراتية إسرائيلية مصرية ، باتجاه الحرب والعدوان على اليمن تحت غطاء استعادة الشرعية وحماية الأمن القومي العربي ، وصولاً إلى احتلال ( باب المندب) ، وإقامة قاعدة عسكرية إماراتية في جزيرة ميون التي تعرف بعنق باب المندب .
يمنياً أدركت القوى الوطنية المناهضة للعدوان السعودي الأمريكي خطورة المساس بالملاحة الدولية في البحر الأحمر وعبر مضيق باب المندب، فلم يصدر منها ومن الجيش واللجان الشعبية ما يستهدف السفن وحق المرور في البحر رغم وطأة العدوان والحصار، وبرغم أن القانون الدولي يجيز لليمن حق إغلاق ( المضيق) وتفتيش السفن الذي تمر من خلال المياه الإقليمية والداخلية لليمن ، وكان الهدف من عملية ( ضبط النفس) هذه نزع المخاوف التي تشكلت كذرائع للحرب على اليمن.
واليوم أكاد أجزم أن تصعيد المعركة في البحر وحول باب المندب من جانب الجيش واللجان الشعبية والقوتين الصاروخية والبحرية كفيل بردع دول العدوان التي التزمت لأمريكا وللقوى الدولية المتواطئة بتأمين الملاحة في المنطقة ، وعزل باب المندب عن مسرح المواجهات العسكرية.
في اليمن نحو ثلاثين مليون إنسان تحت القصف والحصار يحصدهم الموت كل ساعة وحين، بنيران العدوان أو بمرض الكوليرا، فيما دول العالم العدوة والصديقة غير مكترثة إلا بتأمين الملاحة في باب المندب، يساعدهم في ذلك تعقل القوى الوطنية المناهضة للعدوان والتي وإن كانت قد حذرت وأعلنت عن حقها المشروع في استهداف البوارج العسكرية لقوى العدوان ، ونفذت عدداً من العلميات النوعية بالفعل، إلا أنها لم تعلن بعد إغلاق المضيق في وجه الملاحة الدولية.. وأجزم أنها لو فعلت ذلك لكانت الحرب قد توقفت منذ وقت مبكر..
لكن هل لا يزال بمقدور اليمن أن تقدم على خطوة كهذه؟!!