الهجرة النبوية.. الحدث الذي غيّر الحياة على وجه الأرض .. بقلم/ منير الشامي
الصمود | كتابات
مثلت الهجرة النبوية الشريفة انعطافا تاريخيا في حياة البشرية، فبعد أن ظل الرسول الأعظم سيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى آله ثلاثة عشر عاما في مكة صابرا على جبروت قريش وطغيانهم متحملا أقسى المعاناة والمشقة والإيذاء الذي لا يتحمله بشر ابدا بسبب حبه الهداية لقومه وحرصه على إخراجهم من قعر الجهل والظلام إلى واحات النور والإيمان، فالأقربون أولى بالمعروف وهم أولى بالخير العظيم والنعمة الإلهية العظمى، كان صلوات الله عليه وعلى آله يريد أن يخصهم بأعظم شرف في الدنيا ويبلغهم أعلى مقام ويمنحهم القيادة والسيادة والريادة والشرف الأعلى لحمل الدعوة والانطلاق معه لنشرها وليحظوا بتأسيس دولة الإسلام وتكون مكة عاصمتها.
ولأن كفار قريش لم يكونوا أهلاً لهذا المقام لم يستحقوا ذلك الشرف فكان لزاما على النبي صلى الله عليه وعلى آله أن يبحث عن قوم يرضى الله لهم هذه النعمة ويخصهم بهذا الشرف ، اتجه إلى الطائف فكانوا ككفار قريش فلجأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى عرض دعوته على وفود قبائل العرب الوافدين للحج ببيت الله كل عام.
لم يترك وفد قبيلة من قبائل العرب دخل مكة إلا وعرض عليهم رسالته ودعاهم إلى دين الله وكان من ضمن تلك الوفود وفد أقبل من يثرب من قبيلتي الأوس والخزرج وعددهم بضعة عشر رجلا وامرأتان قبلوا دعوته وبايعوه بيعتهم الأولى ولم تشمل القتال فسميت ببيعة النساء ، وفي العام التالي أقبلوا بوفد كبير والتقى بهم رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله في نفس المكان الذي قابلهم فيه العام الماضي فبايعوه على حمل الرسالة والذود عنه حتى يتم الله أمره.
كانت هذه البيعة المحطة التاريخية للدين الإسلامي فبعد تلك البيعة كان كفار مكة في تلك اللحظة يخططون ويتآمرون على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمنهم من قال بحبسه وتقييده ومنهم من قال بإخراجه من مكة واستقر الرأي على ما رأه أبو جهل وهو قتله بينما كانت المدينة بأنصارها تتهيأ وتستعد لتستقبل أشرف وأكرم وأعظم رجل في التاريخ البشري فأذن الله لرسوله بالهجرة وانطلق ممتثلا لأمر ربه متوجها إلى يثرب ويستقبله اليمنيون بالفرح والسرور والأناشيد الترحيبية لتصبح يثرب المدينة المنورة مركزا الدعوة الإسلامية وعاصمة دولتها ومنها شعت أنوار الرسالة إلى مشارق الأرض ومغاربها.
وأول عمل قام به الرسول في المدينة هو بناء الجامع وتشييد أركان المجتمع المسلم وتوحيد أفراده وعقد المعاهدات مع القبائل اليهودية المحاذية لمشارف المدينة ليأمن مكرهم وبعض القبائل العربية استعدادا للتحرك في نشر الدعوة الإسلامية.
ومن يثرب خرج النور المحمدي بالرسالة الخالدة وانتشرت وتوسعت في كل اتجاه ، وبها تحول العرب من قبائل بدو تعيش أحلك مراحل الجاهلية متناحرة ومتصارعة وممزقة ومتشرذمة إلى خير أمة أخرجت للناس في ظل دولة إسلامية منظمة وعادلة يسودها العزة والقوة والكرامة والحب والمودة والألفة والتراحم، فكانت هجرة الرسول صلى الله عليه وعلى آله هي الباب الذي فتحه بالإسلام للعرب ليتجهوا من المدينة إلى كل أصقاع الأرض.