الاستراتيجيات الصهيونية في البحر الأحمر.. ودورها في الحرب على اليمن
الاستراتيجيات الصهيونية في البحر الأحمر.. ودورها في الحرب على اليمن
الصمود || سبأ: إعداد/ مركز البحوث والمعلومات
على امتداد هذه المنطقة؛ والتي تقع – بحسب بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق- في قلب قوس الأزمات الذي يضم الشرق الأوسط والقرن الإفريقي ومنطقة المحيط الهندي، لا تزال الصراعات مرشحة للتصعيد والاستمرار فمنها وعلى أرضها تتشكل معالم ليس فقط شرق أوسط جديد بل نظام عالمي جديد، وهي صراعات تحمل أبعاداً سياسية واقتصادية وعسكرية وتخوض عميقا في تفاصيل النسيج الاجتماعي للبؤر الملتهبة هنا وهناك.
إنها حروب من أجل المستقبل، وتحديدا لأجل مصادر الطاقة والمخزونات الهائلة التي تزخر بها بلدان المنطقة، وخطوط النقل البحري والبري العالمية، التي تعتبر فيها هذه الدول حلقة الوصل والربط الأقرب بين الشرق والغرب والشمال والجنوب بحكم موقعها الجغرافي وتحكمها بأهم المنافذ البحرية العالمية الموجودة حاليا، وموقعها في خريطة المشاريع المستقبلية الكبرى التي تتنافس على تنفيذها القوى العالمية المتصارعة على النفوذ والثروة والسلطة، على غرار مشاريع أنابيب نقل الغاز الأمريكية والروسية، أو المشروع الصيني “طريق الحرير” الأضخم على مستوى العالم وعلى مر التاريخ والمعلن عنه عام 2013م.
واليمن واحدة من دول هذه المنطقة التي لا تفتقد للثروة، كما تنعم بالجغرافيا الطبيعية التي منحتها سواحل طويلة تطل على خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي الرابط بين قارات ثلاث هي آسيا وأستراليا وإفريقيا والمنتشرة فيه القواعد العسكرية والأساطيل الحربية المتخمة بأحدث أنواع الأسلحة، وكذا موقعها المتميز المتحكم بواحد من أهم مضائق العالم “باب المندب” الرابط بين البحر الأحمر وقناة السويس ومنها إلى البحر الأبيض المتوسط نحو أوروبا والأميركيتين، حيث تمر ما نسبتها 13% من التجارة العالمية عبر البحر الأحمر ذهابا وإيابا، وتمر به شحنات تبلغ نحو 4.8 مليون برميل يوميا من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة إلى أوروبا والولايات المتحدة، ما يعادل 60% من احتياجات أوروبا، ونحو 25% للولايات المتحدة الأمريكية، ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر فيه في الاتجاهين بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا (57 قطعة يوميا).
ويعد المضيق النقطة الأقرب بين قارة آسيا والقرن الأفريقي ومنها إلى منطقة البحيرات العظمى وقلب أفريقيا المتخمة بالثروات المعدنية النفيسة والنادرة بالإضافة إلى ذلك يمتلك اليمن جزرا ذات أهمية استراتيجية على ممرات الملاحة الدولية في البحر الأحمر، من أبرزها :
جزيرة كمران وهي محاذية لميناء الصليف وتقع على بعد 200 ميل شمال مضيق باب المندب وعلى بعد لا يتعدى 3 أميال من الساحل الشمالي لليمن، وللجزيرة أهمية استراتيجية اقتصادية وعسكرية كبيرة، وعلى مر التاريخ كانت محط أنظار القوى المتصارعة والطامعة وتعرضت لاحتلالات متعاقبة استخدمتها كقاعدة انطلاق للوثوب منها إلى أي جزء في البحر الأحمر أو الدول المشاطئة له.
جزر جبل الزبير؛ وتبعد مسافة 37 ميلا بحريا عن الحديدة، ويبلغ ارتفاع أكبر جزرها 224 مترا، وتبرز أهميتها في إمكانية الإشراف على الخطوط الملاحية في تلك المنطقة ومراقبة كافة التحركات البحرية.
جزيرة ميون (بريم) التي تقع في قلب باب المندب وتشرف عليه إشرافا كاملا وتقسمه إلى ممرين ملاحيين، أحدهما صغير والآخر دولي وتبعد 3 كم فقط عن الساحل اليمني، و16 كم عن الساحل الإفريقي.
جزيرة ذو حراب من قطاع ميدي، وتبعد عن ساحل ميدي 90 كم وتشرف على الممر الملاحي الدولي في البحر الأحمر.
جزيرة طقفاش (انتوفش) وهي أكبر الجزر المواجهة لميناء اللحية وتبعد 22 كم غرب الميناء، وهي جزيرة ذات أهمية استراتيجية واقتصادية.
جزيرة جبل الطير التي تقع إلى الغرب من ميناء اللحية وتبعد عن الساحل اليمني لجزيرة كمران بـ 82 كم، وعن الساحل الإرتيري ب 150كم، وترتفع عن سطح البحر 162م، ويكمن تميزها في كونها تقع في منتصف خط الملاحة الدولي وتشرف عليه إشرافا مباشرا.
جزيرة زقر تقابل مدينة التحيتا وتبعد عن الساحل اليمني 18 ميلا بحريا، وعن الساحل الإرتيري 62 ميلا بحريا، وهي ذات موقع حاكم على خطوط الملاحة الرئيسية، ويوجد فيها أعلى قمة جبلية في البحر الأحمر، بارتفاع يصل إلى 624 م عن سطح البحر ما يتيح إمكان مراقبة ورصد الأنشطة البحرية التي تجري في المياه المحيطة بها، وتعرضت مطلع السبعينيات، وبحسب مصادر يمنية آنذاك، لاحتلال دولة الكيان الصهيوني فترة من الزمن.
أرخبيل حُنيش، ويقع على بعد ما يقارب 135 كم شمال مضيق باب المندب وتنتظم جزره قبالة سواحل مديرية الخوخة وتقترب جزره اقترابا شديدا من خطوط الملاحة، وأعلى مرتفع فيها يصل إلى 430م عن سطح البحر، ولأهمية جزر حنيش الاستراتيجية تعرضت مرارا للاحتلال أو لمحاولات الاحتلال من قبل القوى الاستعمارية المتعاقبة في المنطقة كالبرتغاليين والفرنسيين والبريطانيين والإرتيريين بدعم من حليفتهم (إسرائيل).
ولأجل ذلك وعلى مر التاريخ كان اليمن دائما في قلب عين الإمبراطوريات المختلفة ومشاريعها الهادفة للسيطرة على مقدرات العالم وسيادته.
واليوم ونحن في أتون المرحلة الانتقالية الفاصلة بين انهيار نظام القطب العالمي الواحد وتشكل النظام المتعدد الأقطاب، والصراعات الدائرة حاليا بين القوى الدولية والإقليمية لحجز مقعد متقدم في صدارة النظام الجديد، ينال اليمن حظه من الحروب التي تدور به وعليه، بحكم ثرواته وموقعه كما تقدم.
ومع أهمية البحر الأحمر البالغة لدوله المطلة عليه بما فيها اليمن على صعيد أمنها الوطني والإقليمي والدولي، إلا أنه ورغم توفر بعض الجهود هنا وهناك لم يثمر تعاونا بين دوله المتشاطئة ضمن إطار أو منظومة أمنية جامعة، الأمر الذي أوجد فراغا سعت لملئه الدول الكبرى تحت ذرائع حماية خطوط التجارة العالمية وحفظ الأمن العالمي، تارة من إرهاب الجماعات المسلحة كتنظيم القاعدة والجماعات المنضوية تحت لوائه أو تلك المتأثرة فيه في جزيرة العرب والقرن الأفريقي، وتارة أخرى من جماعات تهريب السلاح والقرصنة البحرية، في محاولة من هذه الدول لتدويل البحر الأحمر إن لم يكن تحت ذرائع قانونية ومن خلال المنظومة الدولية فمن خلال فرض الأمر الواقع عبر أساطيلها وسفنها وقواعدها العسكرية، والسيطرة على جزره وموانئه ومضائقه، استغلالا منها لحالة عدم الاستقرار الداخلي لدوله والتي تنعكس سلبا على أمن البحر الأحمر، وأيضا غياب المنظومة الأمنية الجامعة كما تقدم.
انطلاقا من هذا المدخل يمكن الإضاءة على زاوية هامة من زوايا الحرب على اليمن التي تخاض ضده من قبل بعض الدول المنضوية تحت لواء تحالف أعلنته السعودية والإمارات، وتتمثل في دور الكيان الصهيوني في هذه الحرب، وخصوصا ما يتعلق منها بأمن البحر الأحمر وجزره اليمنية ومضيق باب المندب، والأبعاد المختلفة لهذا الدور.
البحر الأحمر من المنظور الأمني والاستراتيجي لدولة الكيان الصهيوني:
برغم امتلاك “إسرائيل” لساحل على البحر الأبيض المتوسط إلا أنها سعت ومنذ إعلانها للسيطرة على منفذ لها في البحر الأحمر، استجابة لتعليمات بن غوريون الحاسمة التي أعلن فيها أن حياة دولته أو موتها يعتمد على البحر الأحمر، واستطاعت دولة الكيان الصهيوني الاستحواذ على شريط ساحلي على البحر الأحمر بطول 11 كم بعد هدنة رودس عام 1948، على إثر انتزاع منطقة أم الرشراش (إيلات حاليا) من مصر واحتلالها عام 1949، وهو ما غير الطبيعة الاستراتيجية للبحر الأحمر وفرضت (إسرائيل) نفسها إلى جانب الدول الأخرى المشاطئة له، ومعظمها دول عربية عداها هي وإثيوبيا (قبل إعلان استقلال إرتيريا 1993)، وهذه الدول هي اليمن، السعودية، الأردن، مصر، السودان، وجيبوتي .
لقد سعت “إسرائيل” باستمرار لتدويل البحر الأحمر بناء على مخاوفها من حصار عربي لما تراه حقها في الملاحة داخل هذا البحر والعبور الحر ابتداءً من ممر تيران والاتجاه شمالا أو جنوبا عبر قناة السويس ومضيق باب المندب، وأعرب أبا ايبان وزير خارجيتها في 2 فبراير 1967 عن قلقه بشأن مركز إسرائيل في عدن حين ذكر أنه يجب منع القوات المصرية التي تساعد الجمهوريين في الشمال من السيطرة على اليمن الجنوبي بعد استقلاله.
وعندما صرح عبدالقوي مكاوي الأمين العام لجبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل في 17 أبريل 1967 أن اليمن سوف تقف ضد إسرائيل وتغلق باب المندب في وجه سفنها، ورد على ذلك ليفي أشكول رئيس وزرائها في 9 مايو من نفس العام أن بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء تهديدات الزعماء اليمنيين الجنوبيين في شأن إغلاق باب المندب في وجهها بعد حصولهم على الاستقلال، كما طالبت دولة الكيان بريطانيا، مع اعتزامها الانسحاب من جنوب اليمن، الاحتفاظ بجزيرة ميون وإبقاء السيطرة عليها لحين وضعها تحت الإدارة الدولية.
ولم تكتف (إسرائيل) بذلك بل سعت لتنفيذ سياسة خاصة بها تعتمد على تقوية جانب قواتها البحرية، وكسر الحصار والرفض العربي لها بنسج علاقات أمنية واقتصادية مع الدول الإفريقية خصوصا تلك المطلة على البحر الأحمر كإثيوبيا (قبل استقلال إرتيريا) وجيبوتي أثناء الاحتلال الفرنسي، وقامت “إسرائيل” بتأسيس قواعد عسكرية بحرية، ومراكز للمراقبة في أريتريا وأبرزها في أرخبيل دهلك.
وحسب تقرير لوكالة الاستخبارات المدنية الأمريكية (ستراتفور) فإن “الوحدات البحرية الإسرائيلية تتمركز في جزيرة دهلك وميناء مصوع في البحر الأحمر، وهي مواقع تتسم بقدرة استراتيجية متميزة على رصد التحركات البحرية في مدخل البحر الأحمر”.
مضيفة أن لـ”إسرائيل” أيضاً قاعدة تنصّت على قمة أعلى جبل في أريتريا “أمبا سواره”، الذي يرتفع عن سطح البحر نحو ثلاثة آلاف متر، وقد وصل عدد القواعد العسكرية الإسرائيلية في أريتريا إلى ستة قواعد، كما وضعت عينها على بعض الجزر اليمنية كزقر وميون وجبل الطير وحنيش، وحاولت احتلال بعضها أو ساندت احتلال البعض الآخر من قبل حلفائها.
ويرى الكيان الصهيوني أن في إبقاء الصراعات بين دول المنطقة وعدم الاستقرار في محيط البحر الأحمر، يوفر ذرائع جيدة لترويج التدويل وتثبيته إما من خلال الاستعانة بمجلس الأمن أو فرض الأمر الواقع عبر تكثيف التواجد العسكري لها ولحلفائها في البحر بما فيها المناطق التي تحت السيادة الخالصة لدولها.
ويمكن في سياق ذلك الحديث عن استهداف سفن وناقلات في عرض البحر بعضها يتبعها؛ كناقلة النفط “كورال سي” في يونيو 1971، التي استأجرتها إسرائيل وكانت ترفع العلم الليبيري، وتعرضت لإطلاق نار من زورق بحري أثناء مرورها في باب المندب وفي طريقها إلى ميناء إيلات الصهيوني، ما أدى إلى اشتعال النيران فيها، لحقها بعد ذلك تحرك إسرائيلي، وتم تحميل منظمات فلسطينية أسمتها ب”الإرهابية” المسؤولية عن الحادث، قيل آنذاك أنها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ودفعت “إسرائيل” بقواتها إلى باب المندب حيث شهدت المنطقة حالة من التوتر الشديد .
ويمكن اعتبار ما تعرضت له المدمرة الأميركية “كول” في خليج عدن عام 2008، وتصعيد عمليات القرصنة البحرية من مطلع التسعينيات حتى بلغت ذروتها مع اختطاف سفينة أوكرانية محملة بمعدات عسكرية كانت في طريقها لكينيا، وكذا سفينة نقل النفط السعودية العملاقة “نجم الشعرى” في نفس العام، كذرائع لجلب المزيد من القوات العسكرية للقوى الكبرى وحلف الناتو، وانتهاك سيادة الدول الواقعة على البحر الأحمر وخليج عدن وأنحاء من المحيط الهندي، تحت ستار محاربة الإرهاب والقرصنة البحرية وحماية الملاحة الدولية، ونفس الأمر ينطبق على ما يجري حاليا في اليمن من عدوان بعض الدول عليه، والذي يسوق له في جزء منه أنه لحماية أمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ومن ضمن الاستراتيجيات التي يشتغل عليها الكيان الصهيوني في المنطقة هي الاستعانة بحلفائه لاحتلال بعض الجزر الهامة في البحر الأحمر، ودعمهم في هذا الاتجاه بالتسليح والتدريب والتنسيق المعلوماتي، وهو ما حصل مع إرتيريا قبلا عام 1995 عند احتلالها لجزر في أرخبيل حنيش، ويحصل الآن مع الإمارات والسعودية في سياق حربها على اليمن واحتلالها لموانئه وجزره، ويمكن الحديث عن إعادة مصر جزيرتي تيران وصنافير للسيادة السعودية كجزء من هذا السياق وإن في إطار أوسع يتعلق بما اصطلح عليه مشروع “صفقة القرن”، ونقل التطبيع العربي مع “إسرائيل” من تحت الطاولة إلى العلانية والمجاهرة بالتنسيق والتحالف.
الاتجاه نحو البدائل:
ثمة اتجاه استراتيجي جديد بدأت دولة الكيان الصهيوني مؤخرا وبالتنسيق مع حلفائها الجدد في المنطقة العمل عليه وبقوة؛ ألا وهو إيجاد خطوط نقل جديدة تقلص من اعتمادها على الخطوط التقليدية لنقل الطاقة والبضائع التجارية الأخرى، وتساعدها على التخلص من سيطرة بعض الدول أو قدرتها على التأثير في الملاحة عبر المنافذ الهامة في العالم كمضيق هرمز أو باب المندب وقناة السويس، وإن كان هذا الاتجاه ليس جديدا في التخطيط الاستراتيجي للكيان، إذ لطالما طرحت أفكار لمشاريع لم تنفذ حاليا لصعوبات تقنية أو سياسية، كما حدث مع مشروع قناة البحرين ومشروع أنابيب نابوكو لنقل الطاقة، لكن مع ظهور معطيات جديدة بسبب أوضاع المنطقة منذ2011 وبروز حلفاء جدد داعمين وبقوة للأفكار “الإسرائيلية”، أمكن ذلك من رفع فرص تحقيق هذا التوجه.
ويمكن هنا الإشارة لمشروع طريق الحرير الصيني البري والبحري، الذي يشمل أكثر من 60 دولة في قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، ودفع بالعديد من الدول للمساهمة فيه يقينا منها بأن هذا المشروع يصنع المستقبل ويقدم لها فرصا عديدة لتحسين وضعها الاقتصادي والجيوبولوتيكي في منطقتها أو على مستوى العالم.
تعود العلاقات الصينية- “الإسرائيلية” للعام 1950م، وشهدت خلالها فتورا حينا وانقطاعا حينا آخر ثم تصاعدا وازدهارا منذ أن أصبحت العلاقة بينهما رسمية عام 1992م، وتركزت هذه العلاقات في الجوانب التقنية والعسكرية وفي مشاريع البنية التحتية والزراعية.
لقد أدركت “إسرائيل” مبكرا أن الصين هي القوة العالمية الأكبر في المرحلة المقبلة وعليها بناء علاقات استراتيجية معها، وخلص مؤتمر هرتيسليا عام 2009م إلى تفعيل العلاقات الإسرائيلية مع الصين، التي وصفها بأنها يجب أن تكون (الحليف الاستراتيجي الجديد)، وأكد أن على إسرائيل أن تدفع قدما في هذا الطريق بناءً على قراءة التغيرات المقبلة على الساحة العالمية، وذلك لأن الصين هي” القطب العالمي القادم” .
لقد وصف الرئيس الصيني، في قمة الإبداع التي جمعته برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في بكين، “إسرائيل” بأنها “شريكة الصين في الإبداع والابتكار”، وهي في سياق هذه الشراكة حازت على عقود تشغيل ميناء حيفا لمدة 25 عاماً تبدأ مع حلول عام 2021م، وتطوير مينائي أسدود وإيلات، إضافة إلى ارتفاع المنسوب التجاري بين البلدين لتصبح الصين ثالث الشركاء التجاريين مع الكيان.
وما يعنينا هنا هو ما يمكن ربطه بسياق الحرب الدائرة على اليمن، حيث كان ميناء عدن واحدا من أهم الموانئ المرشحة للشراكة مع المشروع الصيني، وتم قبلا في 2012م توقيع مؤسسة موانئ خليج عدن المالك والمشغل للميناء وشركة صينية تضمنها الحكومة الصينية على عقد تمويل بقرض ميسر قيمته أكثر من نصف مليار دولار لمشروع تطوير وتأهيل الميناء والذي يشمل الحفر والتعميق وبناء رصيف وبنية فوقية وغيرها من مكونات المشروع.
وكان من المقرر أن يبدأ تنفيذ المشروع في يناير 2015م، لكن تم جر اليمن إلى مربع الصراعات الداخلية والتي كانت ذريعة دول العدوان للتدخل العسكري في اليمن والاستيلاء على موانئه وجزره على امتداد سواحله في بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، وبالمقابل سعت هذه الدول وتحديدا السعودية والإمارات إلى تقديم نفسها للصين كشركاء لديهم موانئ جاهزة أو موانئ قيد الإنشاء تؤهلهم لطريق الحرير .
وعلى هذا الخط التقت مصالح الكيان مع مصالح الدول الخليجية التي جاهرت بالتطبيع، وبدأوا بكل جرأة بالترويج للسلام الاقتصادي بعيدا عن الحل العادل للقضية الفلسطينية، وقدمت “إسرائيل” مبادرتها لإنشاء ما أسمته “سكة حديد السلام” لربط السعودية ودول الخليج، بما فيها العراق وربما سوريا مستقبلا، مرورا بالأردن بخط السكك الحديدية للكيان وصولاً إلى ميناء حيفا على البحر الأبيض المتوسط، ومنه إلى أوروبا وإفريقيا والأمريكيتين، ما شأنه إقامة طرق تجارة إقليمية جديدة أقصر وأرخص وأكثر أمانا بالنسبة لها، ودعم اقتصاداتها.
وبحسب مصادر الكيان سيمتد هذا الخط شرقا إلى معبر الشيخ حسين (الحدود الأردنية مع فلسطين المحتلة)، ويتجه جنوبا إلى معبر الجلمة في الضفة الغربية؛ بحيث يمكن للفلسطينيين الارتباط به لتصدير واستيراد البضائع عبر ميناء حيفا، وأيضا باتجاه الشرق نحو الأردن والسعودية ودول الخليج ، وجنوبا باتجاه البحر الأحمر عبر العقبة وإيلات، وسيتم إقامة منطقة حديثة كبيرة للبضائع في إربد – الأردن، ومن هناك، يتجه خط سكة الحديد جنوبا إلى العاصمة السعودية الرياض، بطول 1590 كم، ومنها إلى ميناء الدمام بالمملكة، بطول 450 كم، ثم ميناء الجبيل (بالمملكة أيضا) بطول 970 كم، ومن السعودية يمتد الخط إلى ميناء جبل علي في دبي- الإمارات.
ويتضح من المخطط أنّ الربط لا يقتصر على سكك الحديد إذ يمتد أيضا إلى البحر، كما تقدم، الأمر الذي يجعل من إسرائيل مركزاً إقليمياً للنقل البحري بما يعزز اقتصاد الكيان ويجعله الرابح الأكبر على حساب الآخرين، خصوصا نشاط النقل عبر البحر الأحمر ومضائقه.
في إطار كل ما تقدم ورغم تشعبه وتعدد مساراته إلا أنه يقودنا لفهم أشمل للاستراتيجية الصهيونية في البحر الأحمر والمنطقة برمتها، التي تعمل على ضرب المصالح العربية بأيدي أبنائها إذا لزم الأمر في سبيل تحقيق مصالح الكيان الصهيوني وحلفائه من الدول الكبرى.
المراجع:
1- صراع على مضيق باب المندب بين الفرقاء الإقليميين يهدد التجارة الدولية، موقع فرانس 24، 2/8/2018
2- لتفاصيل أكثر: د/ شهاب محسن عباس، الجزر اليمنية، صنعاء: مركز عبادي للدراسات والنشر، ط1، 1996، ص 40-55، وكذلك، لهذا تسعى “إسرائيل” للسيطرة على السواحل اليمنية، موقع النجم الثاقب، 23 يوليو 2018
3- خالد حماد أحمد عياد، أهمية جزر البحر الأحمر في الأمن القومي العربي- جزيرة حنيش الكبرى وتيران وصنافير دراسة حالة 1956-2017، دراسة دكتوراه غير منشورة، جامعة مؤتة، 2017، ص52.
4- د/ عبدالله عبدالمحسن السلطان، البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي- التنافس بين استراتيجيتين، سلسلة أطروحات الدكتوراه (7)، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط3، يونيو 1988، ص196.
5- القمة الإفريقية – الإسرائيلية ومستقبل العلاقات المتبادلة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تقدير استراتيجي (102)، أغسطس 2017، ص 4.
6- د/ عبدالله عبدالمحسن السلطان، مرجع سابق، ص197.
7- محمد أبو سعدة، مؤتمرات هرتسليا والاستراتيجية الأمنية الصهيونية، تقارير سياسية، اسطنبول: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية 18 يوليو 2016، ص 6.
8- أميرة جمال، طريق الحرير.. “حصان طروادة” صيني جديد؟، موقع TRT عربي، 5 أبريل 2019.