صمود وانتصار

“الوقت التحليلي” لماذا تتجه السعودية نحو الهدنة الشاملة مع “أنصار الله”؟

الصمود|متابعات |موقع الوقت الاخباري

تداعيات الهجمات الأخيرة التي شنّها “أنصار الله” في منتصف سبتمبر الماضي لايزال يتردد صداها داخل أروقة صنّاع القرار في السعودية، ويبدو أن تأثيرها وصل إلى درجة دفعت السعودية إلى التفكير بشكل فعلي بإنهاء الحرب في اليمن قبل أن تتفاقم المشكلة ويصبح اقتصاد السعودية في خبر كان، ورغم إصرار الرياض على استمرار العدوان بعد هجمات “أنصار الله” إلا أنها اليوم تبحث جدّياً عن “الهدنة” العامة والشاملة تمهيداً لإنهاء الحرب، ولكن السؤال كيف سيتم ذلك وهل ستفي السعودية بالوعود التي ستقدّمها لأنصار الله وهل أمامها خيار آخر غير “إيقاف الحرب”؟.

“أنصار الله” في الحقيقة هم من بادر بطرح موضوع “إيقاف إطلاق النار” إذا فعل التحالف بقيادة الرياض، المدعوم من الغرب، الشيء نفسه كخطوة نحو “المصالحة الوطنية الشاملة”، وفي 27 سبتمبر الماضي، وافقت السعودية على وقف إطلاق نار جزئي في اليمن، بحسب ما أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، وذلك ردّاً على إعلان “أنصار الله” وقف الهجمات ضد السعودية، وبيّنت الصحيفة الأمريكية أن الرياض وافقت على وقف محدود لإطلاق النار في أربع مناطق، من بينها العاصمة اليمنية صنعاء التي تسيطر عليها قوات “أنصار الله” منذ عام 2014.

اليوم السعودية تنتقل نحو “التهدئة الشاملة” بحسب ما جاء على لسان نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان الذي دعا يوم الجمعة إلى تطبيق اقتراح “أنصار الله” الرامي إلى تهدئة الأوضاع، كما أكد أن بلاده تنظر بـ “إيجابية” إلى العرض.

ومن جهة أخرى كشفت مصادر عن توجّه السعودية للاتفاق مع “أنصار الله” لوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب المستمرة بين الطرفين منذ نحو خمسة أعوام.

وقالت وكالة “رويترز”، مساء الجمعة: إن مصادر دبلوماسية -لم تسمها- ذكرت أن “السعودية تدرس بجدية اقتراحاً للحوثيين لوقف إطلاق النار في اليمن”.

وأضافت المصادر: “إن موافقة السعودية على وقف الغارات تعني فعلياً انتهاء الحرب.

وأشارت إلى أن الغارات السعودية في اليمن تراجعت بشكل كبير، وهناك ما يدعو للتفاؤل بشأن التوصل لحل قريب.

من جانب آخر قالت “رويترز”، بحسب مصدر عسكري لم تسمه: إن “السعودية فتحت اتصالاً مع رئيس المجلس السياسي للحوثيين (مهدي المشاط) عبر طرف ثالث”.

وقالت: إن دبلوماسياً أوروبياً أفاد بأن ولي العهد السعودي، “محمد بن سلمان، يريد الخروج من اليمن، لذا علينا أن نجد سبيلاً له للخروج مع حفظ ماء الوجه”.

لماذا تتجه السعودية نحو الهدنة الشاملة مع “أنصار الله”؟

أولاً: لم يعد أمام السعودية أي خيار آخر بعد أن استطاع “أنصار الله” وبعد عدة سنوات من الحرب من الوصول إلى شريان السعودية الاقتصادي واستهدافه في الوقت الذي يجدونه مناسبا، وما أجبر السعودية على تخفيف حدّة التوتر مع “أنصار الله” هي الهجمات الأخيرة التي شنّها “أنصار الله” على منشأتي “بقيق” و”خريص” النفطيتين شرقي السعودية، ليتعرّض اقتصاد الأخيرة على إثرها لصدمة كبيرة لم تستطع السعودية وولي عهدها تداركها، رغم محاولات اتهام “طهران” بأنها المسؤولة عن ذلك، ومحاولة دفع أمريكا لشنّ حرب على إيران، إلا أن السعودية انصدمت بعجز واشنطن عن اتخاذ أي موقف لحماية المصالح السعودية، وبالتالي أصبحت السعودية وحيدة تواجه مصيرها السياسي والاقتصادي والعسكري، ولذلك نجدها اليوم تبحث عن مهرب لها من حرب اليمن، خاصة وأن ابتزاز ترامب لها وصل إلى درجة لا توصف.

ثانياً: هناك غضب عارم بدأنا نسمع همهمته تأتي من القصور الملكية ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وحالة من عدم الرضا بدأت تخرج للعلن من قبل أمراء آل سعود كانت قد كشفت عنها وكالة “روتيرز”، ونقلتها الوكالة عن دبلوماسي أجنبي كبير، وخمسة مصادر تربطها علاقات مع العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال، بعدما طلبوا جميعاً عدم نشر أسمائهم، وقالت الوكالة: إن الاستياء داخل الأسرة الحاكمة في السعودية، تجاه ولي العهد محمد بن سلمان، تنامى بعد هجمات الحوثيين التي استهدفت منشآت في أرامكو، وانتقد هؤلاء عجز ابن سلمان عن حماية السعودية والدفاع عنها أمام الهجمات التي تتعرّض لها.

وقالت المصادر: إن الهجوم أثار سخطاً وسط بعض الذين يعتقدون في دوائر النخبة أن ولي العهد سعى لتشديد قبضته على السلطة.

وقال بعض هؤلاء الأشخاص إن الهجوم أثار انتقادات بين أولئك الذين يعتقدون أنه اتخذ موقفاً عدوانياً مبالغاً فيه تجاه إيران.

غضب الأمراء السعوديين اليوم من ابن سلمان ينمّ عن خوفهم وقلقهم من المسار الذي تسير عليه السعودية هذه الأيام والذي يذهب نحو الظلام، وإذا استمرت حالة عدم الرضا هذه على هذا النحو، وإذا لم يستطع ابن سلمان أن ينقذ نفسه من المستنقع الذي وضع نفسه فيه في اليمن وغيرها من الملفات الأخرى، ولا نستبعد أن نشهد انقلاباً خشناً داخل العائلة الحاكمة، لذلك نجد ابن سلمان اليوم يسارع لتدارك الأزمة الداخلية عن طريق إنهاء أزماته الخارجية.

حاول ابن سلمان امتصاص غضب العالم بالنسبة لقضية خاشقجي وأعلن عن مسؤوليته في تحمّل ما جرى للصحفي السعودي في قنصلية بلاده في اسطنبول قبل عام من الآن، إلا أن ذلك لم يكن كافياً بحسب المنظمات الحقوقية العالمية التي دعت إلى تحقيق شامل تشرف عليه جهات دولية، وبالتالي لم ينجح ابن سلمان في هذه المهمة.

اليوم نجده ينتقل إلى امتصاص غضب العالم والأمراء والشعب السعودي فيما يخص الفشل في حرب اليمن، فهل ينجح في ذلك قبل أن يتم عزله قسراً؟