بعيدا عن تفاصيل سلسلة الاوامر الملكية التي اصدرها الملك السعودي سلمان مؤخرا والتي قضت بإجراء تعديلات وزارية واسعة، وإدخال تغييرات على أسماء بعض الوزارات واستحداث وزارات جديدة، لابد ان نتوقف امام الاسباب التي تدعو الملك سلمان ان يفاجىء السعوديين بتغييرات وزارية باتت السمة والعنوان الذي يميز فترة حكمه.
سرعة التغييرات والتعديلات في الوزارات والوزراء لم تعد تسمح لاي وزير ان يضع خطة لوزارته او حتى ينفذ خطة الوزير الذي سبقه، ما دام سيف الاعفاءات مسلطا على رقاب الجميع، والملفت ان من يتم اعفاؤه قبل شهور يُكلف مرة اخرى في منصب اخر اهم من السابق، هذا النهج غير المستقر طال جميع الوزارات ومنها وزارة الخارجية التي تم تغيير وزير الخارجية ثلاث مرات لحد الان، الامر الذي يؤكد عدم وجود رؤية ثايتة للسعودية في ظل حكم الملك سلمان ليس ازاء القضايا الاقتصادية والاجتماعية بل حتى السياسية.
من نافلة الكلام ان اي تغيير وزاري يحدث في اي بلد من العالم هو استثناء تفرضه ضرورة ملحة لاصلاح وضع غير سليم، وهو امر صحي، ولكن ان يتحول هذا الاستثناء الى قاعدة ، فهذا امر غير صحي ولا سليم، ولابد ان نتوقف امامه قليلا.
من الواضح ان الملك سلمان يستشعر الازمات التي تعصف ببلاده منذ عام 2015 وهي أزمات اقتصادية و سياسية واجتماعية وامنية، ويعمل على علاجها من خلال التغييرات الوزارية بين وقت واخر، الا انه عادة ما يخطىء في علاج هذه الازمات، لانه ببساطة يخطىء او يتجاهل الاسباب الحقيقية لهذه الازمات، اهم الاسباب التي وراء كل هذه الازمات هو ابنه وولي عهده محمد.
نظرة سريعة الى تقارير صادرة من وكالات دولية عادة ما تحابي السعودية، يمكن ان تضع امام الملك سلمان السبب الرئيس وراء كل الازمات التي تواجهها بلاده والذي يجب ان يعمل على تغييره لا ان يلجأ الى تغييرات صورية تزيد من تفاقم تلك الازمات، نزولا عند عاطفة الابوة.
من هذه التقارير تقرير وكالة “بلومبيرغ” الذي جاء تحت عنوان “اللعب على قدر حجمه”، انتقدت فيها سياسة ابن سلمان الاقتصادية بعدما أطلق مشاريع عملاقة، منها تخصيص “أرامكو” جزئياً ومشروع “نيوم” الضخم، وهي رؤية أنتجت بإجراءاتها ومفاعيل تدابير ابن سلمان على غير صعيد، مديونية ضخمة تتصاعد وتيرتها إلى حدود خطرة، إذ زادت ديون المملكة 1200% خلال أربع سنوات.
وعلى العكس من سعي ولي ابن سلمان لتحقيق “رؤية 2030″، الهادفة إلى تنويع اقتصاد بلاده وفتح المجال للمستثمرين السعوديين والأجانب للاستثمار داخل المملكة، تكشف تقارير إعلامية متخصصة عن هروب جماعي لرؤوس أموال السعوديين من المملكة، فقد توقّع بنك “جيه بي مورغان” (أمريكي متعدد الجنسيات للخدمات المالية المصرفية) أن تصل تدفقات رؤوس الأموال إلى خارج السعودية، إلى اكثر من 100 مليار دولار.
وحسب تقارير غربية فإن رجال المال في السعودية باتوا يخفون ثرواتهم ولا يشاركون في تمويل أي مشاريع بالسعودية، منذ حملة اعتقال الأمراء وكبار رجال الأعمال بفندق “ريتز كارلتون” تحت اسم “محاربة الفساد”، في نوفمبر 2017، التي نفذها بن سلمان وجمع من خلالها أكثر من 100 مليار دولار تحت التهديد والتعذيب.
ومطلع 2019 كشفت صحيفةُ “الوطن” المحلية النقاب عن انتكاسة كبيرة في الاقتصاد السعودي؛ حيث ذكرت أن 26 منشأة تغادر المملكة يوميا. وفي 24 أغسطس 2019، كشفت صحيفة “الاقتصادية” السعودية أن عدد قضايا الإفلاس في المحاكم التجارية السعودية، منذ بداية العام الهجري حينها، بلغ نحو 500 قضية.
المراقبون للشأن السعودي يتذكرون العبارة التي اشتهر بها امير مكة خالد الفيصل وهو يخاطب المستثمرين السعوديين في مقطع فيديو تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي قائلا: “اتقوا الله في بلادكم وفي أنفسكم، واستثمروا في الداخل”، وهو موقف يظهر عجز السلطات السعودية ولاول مرة في السيطرة على نشاط المستثمرين السعوديين، الذي وصل الى حد الاستجداء، فيقول الفيصل في نفس الفيديو: “أرجوكم لا تلقوا بأموالكم إلى الخارج، ولا تستثمروها هناك، بل في بلادكم؛ فوالله هي أفيد لكم مليون مرة من الاستثمار خارجها”.
لا يحتاج الانسان لذكاء خارق ليعرف ان الازمات الاقتصادية التي تمر بها السعودية هي نتيجة طبيعية للسياسة المتهورة لولي العهد محمد بن سلمان، فعدوانه غير المبرر على الشعب اليمني المظلوم ومئات المليارات التي انفقها عل شراء الاسلحة لمواصلة هذه الحرب الدموية، وانخراطه في الحصار الارهابي الامريكي على الجمهورية الاسلامية في ايران وفتح خزائن السعودية امام جشع ترامب، ومغامراته المكلفة في سوريا وليبيا والسودان و..، والعار الذي الحقه ببلاده عبر عمليات لا تقوم بها الا مافيا، كاختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بطريقة بشعة في قنصلية بلاده في اسطنبول ومطاردته لكل من يعرض سياسته في انحاء العالم، وسجنه وتعذيبه للنشطاء والناشطات لمجرد تغريدة او إبداء رأي، واخيرا فتح ابواب السعودية امام الانحلال الاخلاقي تحت مسمى الترفيه، كل ذلك ادخل السعودية في نفق مظلم لا يمكن ان تخرج منها عبر تغييرات صورية وسطحية لا تمس جوهر الازمة وهو ولي العهد نفسه، فلا تُصلح تغييرات الملك سلمان ما افسده ابنه.