صمود وانتصار

الانىبندنت:محمد ابن سلمان يستخدم أسلوب أسلافه بالقمع

السعودية |الصمود

نشرت صحيفة “إندبندنت” مقالا للصحافي روبرت فيسك، يقول فيه إن السعودية لم تكن أبدا واحة أمان كما يقول حكامها، بل على العكس كانت بلد انقلابات وانقلابات مضادة.

ويعلق فيسك في مقاله، على أخبار الاعتقالات التي لم تعترف بها المملكة لعدد من الأمراء البارزين، الذين اتهمهم ولي العهد محمد بن سلمان بالتآمر لقلب الحكم.

ويتساءل الكاتب عن الجديد في أخبار التطهير ومزاعم التعذيب واتهامات الخيانة والاشتباه في القتل والحرب المجنونة في اليمن، والخطة المدمرة “لإصلاح” السعودية، التي تلقى دعما من الولايات المتحدة والغرب والصحافة المتملقة.

ويرى فيسك أن “محمد بن سلمان يتبع خطا في تاريخ بلاده، فهو ليس المستبد الجديد في الخليج الفارسي الذي يستهدف أقاربه ويسجن منافسيه ويخوض حربا مدمرة في اليمن، فبلاده السعودية طالما كانت أرض الانقلابات والانقلابات المضادة والغضب الإسلامي والخوف من الاغتيالات”.

ويقول الكاتب: “صحيح أنه اعتقل عمه الأمير أحمد بن عبد العزيز وابن عمه الذي أطاح به من ولاية العرش عام 2017، ووضعه تحت الإقامة الجبرية، محمد بن نايف، وعددا آخر من أبناء العائلة الحاكمة، فقد كان وزير الداخلية الحالي عبد العزيز بن سعود بن نايف من بين المعتقلين، لكن تم الإفراج عنه”.

ويشير فيسك إلى أنه “كما هو الحال بين الديكتاتوريين في الشرق الأوسط، فإن العائلة المالكة لم تقل أي شيء عن حملة الاعتقالات، لكنها لم تنكرها، مع أن هناك حديثا حول محاولة انقلاب للإطاحة بالحاكم الفعلي للمملكة، ومن الغريب أن وكالة أنباء (رويتزر) نقلت عن (مصدر) في المنطقة، قوله إن ولي العهد اتهم المحتجزين الجدد بـ(إقامة علاقات مع قوى أجنبية، بينهم الأمريكيون وغيرهم للقيام بانقلاب)، والأكثر غرابة هو الطريقة التي تعامل فيها الإعلام الغربي، بما في ذلك (وول ستريت جورنال)، التي كشفت عن الاعتقالات، ولم تتكهن حول الأمريكيين وغيرهم، إلا أنها وصفت أعمال محمد بن سلمان بـ(اليائسة) و(المتهورة) والنابعة من (رهاب)، وأن الأمير نفسه هو متقلب”.

ويلفت الكاتب إلى أنه “اللقب ذاته الذي أعطي للعقيد القذافي عندما بدأ يعبر عن إشارات معادية للغرب، مع أنه وصف بالوجه الجديد والإصلاحي عندما قاد انقلابا على الملك إدريس، وانتهى القذافي كما نعرف الآن بـ(الديكتاتور)، ولم يحقق محمد بن سلمان هذا الوضع بعد، لكن من هم (الأمريكيون) الذين تعاون معهم (الانقلابيون)، هذا إن كانت التقارير صحيحة، بالتأكيد ليس دونالد ترامب، فترامب يتعامل مع ابن سلمان كأحد أهم مشتري السلاح الأمريكي (الجميل)، رغم أن مشترياته لا تتناسب مع الوعود التي يطلقها لواشنطن”.

ويؤكد فيسك أن “المخابرات الأمريكية لديها موقف مختلف من الأمير، وبدت عدم ثقتها، بل كراهيتها، للأمير عندما أعلنت أنه هو الذي أعطى الأوامر لقتل الصحافي جمال خاشقجي، الذي قطعت جثته قبل 17 شهرا في القنصلية السعودية في إسطنبول، وأنكر ابن سلمان أي مسؤولية عن ذلك، فيما أظهر ترامب غضبا من (سي آي إيه) التي استفزته تقاريرها التي كانت توضع على مكتبه”.

وينوه الكاتب إلى أن “العملاء الأمريكيين والبريطانيين طالبوا -كما قيل- بضمانات من محمد بن سلمان، لسلامة عودة الأمير أحمد، ومنها عدم اعتقاله عند عودته في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بعد فترة من المنفى الاختياري في لندن، حيث أخبر محتجين ضد الحرب في اليمن أن المسؤولية يجب ألا تقع على كاهل عائلة آل سعود كلها، قائلا: (ما علاقة آل سعود بهذا كله؟) و(هناك أفراد متورطون ولا تدخلوا الكل)”.

ويفيد فيسك بأن “نايف، نجل أحمد الذي لا يزال معتقلا، ويتعرض للتحقيق، من الضباط السعوديين الذين يحظون باحترام لدى (سي آي إيه) والبنتاغون لخبرته في مجال مكافحة الإرهاب، ومن المفهوم ألا يرضى محمد بن سلمان عن تعليقات أحمد لأنه كان واحدا من المقصودين بتعليقاته (بعض الأفراد)”.

ويجد الكاتب أنه “في ظل ظروف الشرق الأوسط فإن ضمانات كهذه تعد بمثابة سكب الماء في الصحراء، لكن الاعتقالات الأخيرة لا تجعل مجالا للشك أنها مثل اعتقالات عام 2017 لـ 500 من الأمراء السعوديين في فندق ريتز كارلتون ضمن ما أسماه مكافحة الفساد، وهي ليست إلا مقدمة لما سيأتي، وأنها موجهة للمخابرات الأجنبية التي باتت تخشى من قوته وعدم قدرتها التكهن بتحركاته، ولحسدها له على التأثير الذي يمارسه في البيت الأبيض، إلا أن اعتقالات ابن سلمان الأخيرة كانت لأشخاص مؤيدين لترامب ومن غير الداعمين لـ(سي آي إيه)”.

ويشير فيسك إلى أن “الحرب الاقتصادية التي يشنها محمد بن سلمان ضد روسيا، وقراره ضرب أسعار النفط، يشيران إلى أن أجهزة الأمن التابعة لفلاديمير بوتين، التي تعد أذكي بكثير من مخابرات الشرق الأوسط أو المخابرات الأنجلو أمريكية، ليست مهتمة بحماية ولي العهد السعودي من الانقلابات وضرورة عودته إلى التبعية، فكان أجداد محمد بن سلمان من أقاموا علاقات دبلوماسية مع الاتحاد السوفييتي السابق عام 1926، وكانت موسكو الشيوعية هي أول دولة تعترف بالسعودية”.

ويؤكد الكاتب أن “السعودية لم تكن أبدا واحة للهدوء كما يزعم حكامها وأمراؤها، فالمسلحون الإسلاميون انتفضوا من داخل الحرم عام 1979، بقيادة رجل غاضب من إصلاحات الملك فيصل، وتمت السيطرة على الانتفاضة بدعم من كوماندوز فرنسي، وظل شبحها يلاحق الملك خالد وآل سعود منذ ذلك الوقت، ويعرف محمد بن سلمان تاريخ بلده بشكل جيد، وحتى لو لم يتعلم كيف سيحكم المملكة فإنه سيرث الحكم من والده البالغ من العمر 84 عاما، وبالنسبة لأعدائه فهو خطير وطموح ويتبع عواطفه بدلا من مستشاريه، لكنه كما تقول الكليشيه ابن زمنه”.

ويرى فيسك أن “السعودية لم تكن رمزا للأخلاق كما يزعم حكامها، وتفهم رغبات الديكتاتوريين، وبالتأكيد منحت اللجوء لشخصيات غير إسلامية، مثل زين العابدين بن علي، وعيدي أمين، الذي قتل 100 ألف شخص في أوغندا”.

ويختم الكاتب مقاله بالقول: “في الشرق الأوسط اليوم كل مستبد يخاف من الثورة العربية التي ظهرت أولا في تونس عام 2011، هل ستنتهي في السعودية، الأرض التي ولد فيها الإسلام، والتي تشهد معركة ليس بين الملك والشعب، لكن صراع أشقاء يخوضه آلاف الأمراء الذين يريد كل واحد منهم الحصول على السلطة والمكانة؟ وفي هذه الحالة هل يلام محمد بن سلمان لو خاف من النهاية ذاتها؟