صمود وانتصار

الإعلام الجزائري يرد على فرنسا: تذكير بجرائم الاستعمار

الجزائر – الصمود

كثّفت القنوات الرسمية والمستقلة ومختلف وسائل الإعلام في الجزائر بثّ برامج ووثائقيات تتحدث عن جرائم الاستعمار الفرنسي ونشر تقارير وحوارات تتطرق إلى قضايا الذاكرة الدامية مع فرنسا، رداً على ما اعتُبر في الجزائر “حملةً موجهة يشنّها الإعلام الفرنسي المملوك للدولة خاصةً ضد الجزائر”.

وجاء ذلك على خلفية بثّ أشرطة وثائقية تتطرق للحراك الشعبي في الجزائر من زاوية نظر مبتورة، ومهاجمة الجيش والسلطة السياسية في البلاد، وكان بينها تحديدا فيلم “الجزائر حبيبتي”، للمخرج الفرنسي من أصل جزائري مصطفى كسوس.

واستعاد التلفزيون الرسمي في بثّه، الخميس، شريطاً وثائقياً كان قد أنجزه عام 1986، وكشف للمرة الأولى استخدام السلطات الفرنسية لجزائريين كفئران تجارب في التفجيرات النووية الاستعمارية في الصحراء الجزائرية. وتمّ عرض هذا الوثائقي مرة واحدة، ومنع بثه لاحقاً بسبب احتجاج مباشر من الرئيس الفرنسي حينها فرانسوا ميتران، الذي اتصل بالرئيس الشاذلي بن جديد. وفتحت القنوات الجزائرية، منذ الثلاثاء الماضي، نقاشاً وحوارات مركّزة حول غايات الإعلام الفرنسي من تركيزه على الجزائر، وكذا حول قضايا الذاكرة العالقة بين الجزائر وفرنسا، ومبادرات تتعلق بسنّ قانون في الجزائر يخص تجريم الاستعمار الفرنسي ومطالبة الدولة الفرنسية باعتراف رسمي بالاستعمار واعتذار عن جرائمها وتعويض عن الضحايا.

وفي السياق، كثفت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، منذ الثلاثاء الماضي، نشر تقارير عن أحداث تخصّ جرائم إبادة ارتكبها الاستعمار الفرنسي، تطرّق أحدها إلى التفجيرات النووية بصحراء الجزائر، ووصفها بـ”جريمة مروعة في حق الإنسانية لا تزال آثارها حية في أجساد ونفوس الضحايا”. ودان تقرير الوكالة الرسمية استمرار “إنكار فرنسا لهذه الإبادة التي تستمر آثارها بعد مرور ما يفوق الستة عقود على اقترافها، حيث دفع سكان الصحراء الجزائرية ثمن طموح فرنسا المحموم لولوج النادي النووي بتحويلها سكان المنطقة إلى فئران تجارب، في جريمة وحشية تمت مع سبق الإصرار والترصد”.

كما نشرت الوكالة تقارير عن قمع مظاهرات 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 في باريس بعنوان “جريمة كشفت الوجه الحقيقي للاستعمار الفرنسي”، وعن مجزرة تيت بتمنراست، التي وقعت يوم السابع من مايو/ أيار 1902، واعتبرتها “واحدة من الجرائم البشعة التي توثق فظاعة الاحتلال الفرنسي في حق سكان المنطقة، حيث تأبى الأجيال المتعاقبة نسيان هذه الممارسات الشنيعة للاستعمار”، وكذا “مجزرة قبيلة العوفية بالحراش في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية في إبريل/نيسان 1832 بقيادة الدوق دو روفيغو السفاح، والتي أسفرت عن استشهاد 1200 جزائري وتبقى جريمة ضد الإنسانية ووصمة عار تلطخ تاريخ فرنسا الاستعماري”، وعدّتها “أول عملية إبادة جماعية وحشية للغزو الفرنسي وتصنف ضمن أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي لا تسقط بالتقادم”.

واحتفى الإعلام الجزائري، تحديداً الموالي للسلطة، بتقارير نشرتها صحيفة “واشنطن تايمز” الأميركية المحافظة، وتضمّنت هجوماً على الإعلام الفرنسي، وخاصة الشريط الوثائقي حول الحراك الشعبي، والذي بثته، الثلاثاء الماضي، قنوات تلفزيونية رسمية فرنسية. واعتبرت “واشنطن تايمز” أنه “قدّم صورا مبتورة عن الواقع الجزائري بهدف واضح، ألا وهو المساس بمصداقية حكام البلد، وهو رد كان مرتقباً من مجموعات إعلامية قوية منزعجة من مساعي الرئيس (عبد المجيد) تبون”، بحسب تقرير نقله الإعلام الجزائري عن الصحيفة الأميركية وأثنت فيه على الرئيس تبون. وعلى خلفية الوثائقي نفسه، والذي أحدث غضباً واسعاً في الجزائر على اعتبار أنّه “تشويهي” للحراك ويهدف للاستخفاف بمطالبه بالعدالة والتغيير بغرض التصويب السياسي على السلطة الجزائرية، قالت وكالة “فرانس برس” إنّ شرطة وهران استجوبت، السبت، شابّاً شارك في التصوير، ومرشداً سياحياً رافق المخرج، على أن يتم استجواب أشخاص آخرين في وهران.

وكانت الجزائر قد استدعت، الأربعاء الماضي، سفيرها في باريس للتشاور حول الحملة الإعلامية الفرنسية، وأعلنت أنها لم تحدد أجلاً لعودته إلى باريس، في خضم أزمة دبلوماسية هي الثانية من نوعها للسبب نفسه منذ شهر إبريل/ نيسان الماضي.