تحمله وتتمنى له الحياة .. ويحتضنها خوفاً من الموت .. و يراقبها بنظراته وهي تشرح للأطباء بقلق حالته التي تدهورت منذ أسبوع وألزمته فراش المرض ..وفجأة تغادر دمعة هاربة عينه اليمنى ..فتلتقطها نظرات امه وتقابلها بنهر دموع…
الطفل شرف الدين عبدالله (8 سنوات) ضحية تضاف إلى قائمة طويلة لضحاياجرائم العدوان السعودي الأمريكي في اليمن ، من الأطفال الذي بلغ عددهم خلال خمسة أعوام 8151 طفل منهم 3931 شهيد و4220 جريح بحسب المركزالقانوني للحقوق والتنمية ، التهم العدوان أحلامهم .. فهم “أبناء الموت ” وفضيحة الضمير الاممي الذي استبعد تحالف العدوان بقيادة السعودية من”قائمة العار” بذريعة “تراجع حدة الجرائم”
تبدأ قصة شرف بحسب تفاصيل المكان بمديرية آنس بمحافظة ذمار التي تبعد عن العاصمة صنعاء حوالي (100 كم) تقريباً و بمواعيد الزمان .. في العام الثاني للعدوان 2016م وبتفاصيل الحادث تقول أم شرف الدين “كانت الساعة العاشرة صباحاً وكان شرف يبلغ من العمر (4 أعوام) يلعب ويلهو في غرفتنا بالدور الرابع وفيما كنت أراقبه وهو يجري في أرجاء الغرفة سمعنا صوت انفجار عنيف بسبب غارة جوية للعدوان جوار منزلنا فسارعت لإنقاذ شرف ، لكني لم أجد له أثر في المكان ففوجئت انه وقع من نافذة الغرفة إلى الشارع بسبب ضغط الانفجار ..”
فوضـــــى الدمـــار…!
فوضى الدمار حاصرت الطفل”شرف” الذي كان ضحية غارة لجنون سعودي أمطر اليمن بربع مليون غارة ، أسقط خلالها أكثر من نصف مليون قنبلة وقذيفة صاروخية كبيرة ومتوسطة بالقصف الجوي والبري والبحري بحسب المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد يحيى سريع ، مضيفاً أن الغارات الجوية توزعت على إلقاء 5914 قنبلة عنقودية وفسفورية ،و 2951 قنبلة ضوئية و 3721 قنبلة صوتية وعشرات القنابل ” الفراغية ” على عدد من المحافظات.
فيما تجاوز القصف الصاروخي والمدفعي لتحالف العدوان 200 ألف قنبلة وقذيفة صاروخية ، وأكد سريع أن القصف البحري من البوارج والسفن الحربية تجاوز ستة آلاف صاروخ حتى نهاية 2019م.
ركـــــــــــام…؟؟
وتضيف أم شرف “توقعت انه مات ، وسارعت إلى الشارع ابحث عنه بين الركام المتناثر أمام المنزل فوجدته مغمور بالتراب غائب عن الوعي فحملته لإسعافه مع والده ، فقال لنا الأطباء انه سيظل في الغيبوبة عدة أيام… “.
ومر أسبوع وشرف في غيبوبته ويشاركه والديه غيبوبة انفصال عن الواقع ممزوجة بتكهنات القلق ومتاهات الخوف واليأس من نجاته ورحلة بكاء عمرها أكثر من عشرة أعوام مسافة لزمن الحرمان والإنتظار لولادة طفل يحمل أسم أبيه ويعفي والدته من همسات نساء القرية بأنها “شجرة لا تثمر” ومسكينة “فاتها قطارالامومة ..”
توحــــــــش…!
توحشت الغارة وأسقطت شرف من “;شاهق” وحطمت معها حقه في اللعب والحركة والنطق .. وتقول والدته ” بعد أن تجاوز شرف الغيبوبة كان مختلف ، يمشي ببطء ودائم البكاء فاعتبرنا مجرد بقائه حياً ونجاته من الموت من هدايا القدر “
وفي حين انضم شرف إلى قوائم ضحايا العدوان من الأطفال الذين يستهدفهم بوحشية في المدارس والطرقات وفي مختلف شوارع الحياة .. . غادرت السعودية قائمة العار بتواطؤ اممي بعد أن استبعد الأمين العام للامم المتحدة انطونيوغوتيريش في 15 يونيو 2020م ، التحالف الذي تقوده السعودية من القائمة السوداء ، وقال في تقريره السنوي لمجلس الأمن ” إن التحالف سيُحذف من القائمة الخاصة بقتل وتشويه (الأطفال) في اليمن”.
ما دفع منظمة العفو الدولية إلى إدانة الامم المتحدة لشطبها اسم التحالف من قائمة العار وألمحت إلى رضوخ الامم المتحدة لضغوط دول التحالف وقالت: ” لعلّ غوتيريش كان يأمل أن يكون الإعلام منشغلًا فلا يلاحظ أحد هذه الخطوة السياسية بامتياز”.
فيما اتهمت منظمة هيومن رايتس الأمين العام للأمم المتحدة بإضافة مستوى جديد من العار إلى “قائمة العار” بإزالة التحالف الذي تقوده السعودية وتجاهل أدلة الامم المتحدة نفسها على استمرار الانتهاكات الجسيمة بحق الأطفال.
و علقت منظمة قائمة المراقبة بشأن الأطفال والصراع المسلح وهي جماعة حقوقية دولية ، على قرار غوتيريش بالقول “إن الأمين العام يرسل رسالة مفادها أن الأقوياء يمكنهم الإفلات بجريمة قتل الأطفال ” مطالبة بتقييم مستقل وشفاف لعملية رفع التحالف من القائمة “لضمان أن المتورطين في قتل الأطفال يتحملون المسؤولية بغض النظر عن علاقاتهم وإمكانياتهم”
إهداء العمـــــر…!
يبالغ المحبين في رفض الفراق الحتمي حيث يقول احدهم ” لو تمكنا من تسول العمر لمن نحب لتنقلنا بين الناس نتوسل من أعمارهم يوم أو أيام وجمعناها سنوات وأهديناها عمر جديد لأحبائنا”.
أهدى والدا شرف الدين طفلهما كل ما يملكان أملاً في تحسن حالته حيث باعا منزلهم في ذمار بعد أن بدأت حالته تسوء بعد الغيبوبة وسافرا به إلى العاصمة صنعاء بحثاً عن علاج للطفل الذي بدأ يفقد الحركة يوماً بعد آخر ..
شرف الدين
وبعد تنقل بين عدة مستشفيات استقر الأطباء إلى انه يعاني من ضمور في الأعصاب وبعد مرور عام في منتصف 2017م توقف شرف الدين عن الحركة تماماً وظهرت عليه أعراض مرضيه جديدة تبدأ بحمى شديدة في نصفه العلوي فقط وبعدها تنتقل إلى نصفه السفلي ..
وبحثاً عن لحظات عافية للطفل اضطر والديه إلى بيع أرضهم ، آخر ما يملكان بقريتهم والعودة في رحلة علاج جديدة إلى صنعاء ، واختلف التشخيص والعلاج ويقول الحكماء ” عندما يقترح عليك الأطباء عدة علاجات لمرض، فهذا يعني أنه لايمكن علاجه “.. وتدهورت حالة شرف وبدأ يفقد الرغبة في الأكل والشرب وأصيب بسوء تغذية حاد ..
ومع بداية العام الجاري ساءت صحة شرف وتورمت أطرافه و جسده فتم تحويله من مستشفى ذمار إلى مستشفى السبعين للامومة والطفولة بأمانة العاصمة لمتابعة حالته فتكبد والديه عناء السفر واقترضا المال من الأهل والأصدقاء ليعينهم على مغبات السفر وثمن العلاج و لإيجاد فرص نجاه للطفل البريء”.
عتــــــاب…!
يصل شرف المستشفى ومع كل نظرة يرسلها للعابرين تختزل عتاب طفولي لتركه فريسة لمضاعفات السقوط والتوحش السعودي .. وجهه الطفولي الجميل يوحي بتخمة غذائية مفرطة استوقفت البعض للبحث عن سبب مرضه ليكتشفوا أنها تخمة خادعة وهي مجرد “وذمة” تعرف بازدياد كمية السائل في داخل الخلية ما يسهل ملاحظتها في المظهر الخارجي بعد تراكم بضعة لترات من السائل .
تنقلت أم شرف بطفلها في أروقه المستشفى لتصل إلى قسم سوء التغذية الذي يعالج سوء التغذية الحاد والوخيم والمتوسط الذي يهدد 12 مليون طفل يمني بحسب منظمة اليونيسف ، وصلت وهي تحمله “وهناً على وهن ” بعد أن خلفت أربعة أعوام من التنقل بالطفل محمولاً بين ذراعيها آلام مستمرة في عمودها الفقري..وتقول ” احمله بقلب محب …وصبر نـــبي”.
و أخيرا استقرت بشرف عند الطبيب المختص في غرفه تختنق بأصوات بكاء الأطفال المرضى وأنينهم وبحنان وضعته في سرير منسي على الجانب الأيسرللغرفة .. ليبدأ الطبيب تشخيص حالة شرف الذي يعاني من “استسقاء كلي” أسبابه متعددة منها انسداد وريدي أو فشل قلب احتقاني أو اعتلال كلوي أو سوء تغذية حاد أو فشل كبدي وجميعها تنذرذ” بسوء” لشرف…
تعودت أسرة شرف الدين تقبل جميع خيارات رحيله منذ أربعة أعوام وهي تراقب طفلها يفقد حواسه الواحدة تلو الأخرى.
من جديد تغادر أم شرف مع طفلها غرفة التشخيص إلى غرفة الرقود لتنتظر بقلق جميع احتمالات النجاة أو الوداع لطفلها فيما تغادر سبأ قصة”طفل الهاوية” بيقين أنه لا يوجد شيء أكثر ألماً من أن تدخل حياة أحد وهو على وشك أن يغادر الحياة…..