قضية السجون الاماراتية السرية في اليمن لم تكن شيئا جديدا ، فقد تم الكشف عنها منذ سنوات، الا ان مصالح الدول الغربية مع الدول العربية الغنية في الخليج الفارسي هي التي حالت حتى الان دون انصاف الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب الوحشي والاخفاء القسري، في ظل حرب ظالمة فرضتها السعودية والامارات على اليمن بتحريض امريكي غربي واضح لضرب وحدة اليمن وتشتيت شعبه، تحت ذرائع واهية لا تصمد امام الحقيقة.
قبل ثلاثة ايام وتحديدا في 17 تموز / يوليو 2020، فتح القضاء الفرنسي تحقيقاً بحق ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، في قضية “تواطؤ في أعمال تعذيب” في حرب اليمن، على خلفية شكوى تقدم بها بعض المواطنين اليمنيين لدى ديوان قاضي التحقيق الخاص بالجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس، اتهموا فيها قوات اماراتية بتعذيبهم في مراكز اعتقال تشرف عليها باليمن، وتقول الشكوى إن ابن زايد قد يكون وفَّر ادوات ووسائل لأجل القيام بعمليات التعذيب، باعتباره نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
اللافت ان فرنسا التي فتحت تحقيقا بالجرائم ضد الانسانية التي تُرتكب في اليمن على يد قوات محمد بن زايد ، تعتبر من اكبر مصدري الاسلحة للامارات والسعودية، والتي تستخدم منذ نحو ست سنوات في قتل الشعب اليمني وتدمير بناه التحتية، كما ان هذه السجون لم تكن سرية بالنسبة للسعودية والغرب وامريكا، بل ان الاخيرة كانت من بين الدول التي استخدمت هذه السجون الاماراتية لتعذيب ضحاياها.
واللافت ان هذه ليست المرة الاولى التي تلوح بها فرنسا باستخدام القضاء لإبتزاز ابن زايد، ففي تشرين الاول / أكتوبر من عام 2019، فتح القضاء الفرنسي تحقيقا قضائيا في باريس ضد ابن زايد، على أثر رفع دعويَين قضائيتين ضده لدى إجرائه زيارة رسمية لفرنسا، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، اتُهم فيهما بارتكاب جرائم حرب في اليمن، والتواطؤ في التعذيب والمعاملة غير الإنسانية، ولكن الدعويين لم تكونا سوى قنبلة صوتية، لتخويف ابن زايد ودفعه هو وحليفته السعودية لشراء المزيد من الاسلحة الفرنسية اسوة بالاسلحة الامريكية.
قضية السجون السرية الإماراتية باليمن باتت علنية ومكشوفة منذ ان بدات منظمة العفو الدولية في عام 2016 ، تحقيقا في محافظات عدن ولحج وأبين وشبوة وحضرموت بجنوبي اليمن، وثقت فيه الاستخدام الواسع النطاق للتعذيب في مراكز إماراتية، كالضرب والصدمات الكهربائية والعنف الجنسي، وطالبت في عام 2018 المجتمع الدولي بالتحقيق في جرائم الامارات وميليشياتها في اليمن والتي وصفتها بـ”جرائم حرب”.
فضيحة السجون اصبحت اكبر من ان يتم التغطية عليها، حيث اعترفت حكومة الرئيس اليمني المستقيل والفار عبدربه منصورهادي بوجود مثل هذه السجون في تموز / يوليو 2018، لا من اجل الدفاع عن الشعب اليمني، بل بعد ان دب الخلاف بين هادي وابن زايد، حيث دعا الاول الى اغلاق السجون هذه وإخضاعها للنيابة والقضاء!!.
الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، رأت في الاجراء الفرنسي محاولة لتبرئة السعودية من الجرائم التي ترتكبها الامارات في اليمن ، فكتبت على صفحتها في “فيسبوك”، أن “السعودية هي من تقود التحالف رسميا وعمليا.. هذا ما يعرفه العالم وما هو معلن أمامه .. وانها تبعا لذلك تتحمل المسؤولية القانونية عن كل جرائم التحالف، سواء ارتكبتها هي أو ارتكبتها إحدى الدول الأعضاء”. واستطردت تقول: “القول إن الإمارات هي المذنبة ، فيه غسل لجرائم السعودية من جهة، وإغراء لها للاستمرار في عبثها وجرائمها من جهة أخرى، وغير مجدٍ من جهة ثالثة”. وأنهت كرمان تغريدتها بالقول: “حملوا السعودية المسؤولية واستعدوا لجعلها تدفع الثمن.. هذا وحده من سيوقفها، ومن سيحمي بلادنا ووطننا من أجندتها الشريرة”.
ما قالته كرمان صحيح ، فالسعودية تتحمل كامل المسؤولية عن كل ما يجري من فجائع في اليمن، ولكن على كرمان ان تتجنب النظر الى الكارثة التي نزلت باليمن من زاوية حزبية ضيقة، كما تنظر فرنسا من زاوية مادية ضيقة، لكي يكون بالامكان الانتصار للانسان اليمني بغض النظر عن انتمائه المذهبي والقبلي والمناطقي والحزبي، وهو يواجه العدوان السعودي الاماراتي المدعوم من امريكا وفرنسا وبريطانيا والكيان الاسرائيلي وبعض الانظمة العربية الرجعية.