مع كل وقت يمر تبدو الاتفاقات المعلنة من المحتل في الرياض بشأن محاولة انهاء الصراع الدائر في الجنوب اليمني جوانبَ شكلية لا أكثر ولها أهدافها المبطنة والخفية مع غياب الانعكاسات والمؤشرات الإيجابية لهذه التفاهمات عقب كل إعلان لها وفي مرحلة تطبيقها على الأرض.
ما تشهده الأيام الأخيرة محافظات جنوب اليمن يؤكد الشكوك التي ذهبت منذ البداية حول جدية ما اسمي باتفاق الرياض او اتفاق الرياض٢، ويعزز من قوة المواقف التي تصرُّ أن تحالف العدوان السعودي والإماراتي له نوايا تتمحور حول تقاسم السلطة والنفوذ والثروات وشرعنة التدخل العسكري من خلال رعاية هذه الاتفاقات التي تُستخدم كغطاء يلمع صورة هذا التحالف الذي بات تواجده وأصبحت ممارساته محل رفض كثير من القوى والأوساط الجنوبية، لتأتي الوقائع وتؤكد مثل هذه الرؤى ومنها أن حالة الصراع تتصاعد بين القوى الموالية للسعودية والقوى الموالية للإمارات في وقت كان من المفترض أن يبدأ تطبيق الاتفاق والشروع في تشكيل حكومة مشتركة، لكن عادت الأوضاع إلى نقطة الصفر مع إعلان للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً تعليق مشاركته في مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض وآلية تسريعه المعلنة قبل نحو شهر بعد تزايد الخلافات بين الأطراف المتصارعة حول بنود الاتفاق وسط خروقات مستمرة لقرار وقف إطلاق النار وفشل للترتيبات المتعلقة بالشق العسكري.
حالة التوتر بين أطراف الصراع لم تقف عند هذه التطورات فحسب، بل تستمر التعزيزات والتحشيدات العسكرية من الطرفين وتتجدد المواجهات في محافظة أبين التي تشهد منذ أشهر معارك عنيفة وسط تبادل للاتهامات بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي حول تفجير الوضع وتعثر التفاهمات الجارية مع دخول محافظة حضرموت منعطفاً خطيراً نتيجة ما تشهده خلال الفترة الأخيرة من احتجاجات شعبية وتصاعد لحدة التوتر بين أطراف الصراع، والحال ذاته في محافظة المهرة التي أحبط القبائل فيها مؤخراً وصول تعزيزات عسكرية سعودية إلى منفذ شحن الحدودي، كما تشير المعلومات أن مليشيات المجلس الانتقالي الموالي للإمارات بدأ ترتيبات لإسقاط محافظة شبوة وانشأت قواته غرفة عمليات عسكرية لاستهداف تعزيزات مليشيا هادي بين محافظتي أبين وشبوة.
كل هذه المؤشرات والمعطيات الميدانية تكشف عن تعليق وتعطل تام لآلية ما اسمي باتفاق الرياض الذي أصبح مجرد حبر على ورق، وهو ما يشير إلى فشل تحالف العدوان السعودي الإماراتي في تحقيق المصالحة المفترضة بمناطق الجنوب اليمني من ناحية، ومن ناحية اخرى فإن تأجيج الصراع القائم في الجنوب -برأي البعض- هدفه شرعنة واقع الاحتلال وأدواته وتقاسم النفوذ بين السعودية والامارات ومحاولة انهاء القوة الجنوبية لما من شأنه خدمة مصالح هذين النظامين، لتحضر الخشية من انفجار الوضع أكثر مما هو عليه إذا استمرت هذه التحركات للرياض وأبوظبي دون مقاومتها ومواجهتها والتصدي لها، خاصة مع ما تشير إليه تقارير دولية من أن اشتداد الصراع في مناطق الجنوب اليمني سيتسبب في مزيد من التدهور للخدمات والأوضاع المعيشية والاقتصادية وتحديداً ما يتعلق بالأمن الغذائي، وأن نحو ٣ مليون شخص في هذه المناطق باتوا يعانون من انعدام حاد في الغذاء، ما يعني أن كل شعارات التنمية والإعمار التي رفعها العدو السعودي ذهبت أدراج الرياح.