صمود وانتصار

الإمام زيد.. عظمةُ الثورة وأهميّةُ الذكرى

الصمود || مقالات || سند الصيادي

في ذكرى استشهاد الإمَام زيد -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ثمة دروس وَعِبَر وجب علينا أن نستلهمها من ثورته المباركة؛ باعتبَارها مدرسة بذاتها، ناهيك عن ما تشكله من امتداد لحركة الثورة الإسلامية في قيمها وأخلاقها، وَباعتبارها حدثاً تاريخيًّا مفصليًّا لا زالت ارتداداته تتوارثها الأُمَّــة جيلاً بعد جيل.

ومن يبحث عن الإمَام زيد سيجده قامة باسقة تتجلى من بين صفحات الكتب، طاولت رغم ندرة المطبوعات والمرويات كُـلّ متطاول، وَالجمت مأثوراتها كُـلّ متقول، ولا تزال تفوح دروسها العطرة من ثنايا كتب التاريخ التي لا تزال باقيةً رغم مساعي أعداء الحقيقة في إسقاطها من رفوف المكتبات وَذاكرة الأجيال، من خلال الضخ الهائل من المرويات الأُخرى التي تشغل هذا الحيز، إلَّا أن الإمَام زيداً وَثورته في الواقع الفكري ظلت تقاوم هذا التجريف المستقصد وَتفرض حضورها في كُـلّ القرون، بذات القدر الذي فرضته في واقعها المرحلي والزمني، رغم فوارق العدة والعدد، وهو ديدن الحق في صراعه مع الباطل في كُـلّ زمان ومكان.

ومن يتعمّق في قراءة مضامينها، أسبابها، أهدافها، لن يجد ما يحول دون إسقاطها على واقعنا اليوم، دلالة على أن الحاضر موصول بالماضي بكل تفاصيله وَنتائجه، فهذا الرجل انطلق من واقع مأساوي كانت ترزح تحت وطأته الأُمَّــة، ضلالاً وَظلماً وَقهراً وطغياناً، فتسلح بالقرآن وتحَرّك في داخل المجتمع الإسلامي نصرة لقيم الدين، وَاستشهد مظلوماً، كاشفاً عن واقع تناسل الخذلان فيه كُـلّ متكاسل، وَبلغ التنكر للفضيلة كُـلّ مبلغ، غير أنه ومن رماد جسده المتناثر، أصبح رمزاً وَقدوة، تتطلع الأُمَّــة إلى جهاده وَتنقب في سيرته ومواقفه وأقواله وعلومه التي كانت من روح القرآن ومبادئ وقيم وَأخلاق وتعاليم الإسلام.

وَمن عظمة هذه الثورة وَقائدها، نحيى هذه الذكرى وأحقُّ بها أن تُحيا على أعلى مستوى، فالأمم تخلد سير عظمائها ليس عرفانًا وَإيفاء لما حقّقوه لها وأسهموا فيه وحسب، وإنما كدلالة على استمرار مسيرة النهضة والإصلاح لواقعها المعاش بسلاح القدوة التي ينجذب إليها ويقتدي ويتأثر بها الجميع وجدانيًّا وَثقافيًّا وَعمليًّا، من هنا تبرز أهميّة الذكرى وَأثرها في حاضر ومستقبل المجتمعات البشرية، وعلى مستوى المسؤولية وَتحمل أعبائها وتحدياتها.

ولأن الإمَام زيداً أنموذج كامل وشامل الرمزية في مسيرة حياته، وَحاجتنا إليه ماسة في عصرنا، فإن من الواجب علينا كمجتمع ونخب ومكونات أن نحيي ذكراه للاستفادة من حركته التاريخية وَزيادة الوعي والهمة والفهم لمفردة المسؤولية، وَبما يحفز فينا المزيد من العزم والصبر والثبات في مواقفنا وَاتّجاهاتنا.

بقي أن نقول: إن الإمَام زيداً ليس رمزاً مذهبيًّا لفئة أَو توجّـهاً حصرياً لطائفة، الإمَام زيد علم ديني وإنساني واسع الطيف، انتصر للقيم السامية للجنس البشري ككل لا للجماعة أَو للفئة، ومن يحصره في زاوية فهمه الناقص فقد حرم نفسه من معاني هذه الثورة وَدروسها العظيمة.

وَإن لم يكرم ويتكرم التاريخ بإنصاف هذه القامة الدينية والإنسانية الثائرة بما تستحقه من الإنصاف، عطفاً على حجم خلقها وعلمها وَعظمة ثورتها التي كانت نسخة أُخرى من ثورة جده الحسين بكل مقوماتها وَحيثياتها وَواحدية مساراتها وَمآلاتها، فقد تكفل أحفاد الأنصار برفع رايتها خفاقة على رؤوس المراحل، منتصرين بها لله وَرسوله وللفضيلة دون انتقاء، كعهدٍ قطعوه للرسول تحت الشجرة، وَتوارثوه لأحفاد الأحفاد فيما تهاون الجمع من حولهم ماضياً وحاضراً، فاستحقوا تفرد الدعاء النبوي لهم بأن تحف رحمةُ الله أبناء أبناء الأنصار..