صمود وانتصار

الفائزون فقط.. هم رجالٌ صدقوا…

الصمود || مقالات || عبدالقوي السباعي

تكتظُّ ذاكرةُ الإنسان بالكثير من التجارب والأحداث، وملايين من العبارات والمفردات التي تشكل في مجموعها ثقافتَه وتصقل مهاراته وتوجّـه مساراته وتعنون واقع تفاعله في إطار المجموعة مع كافة الأحداث والوقائع، ومختلف الأحوال والظروف، وتبقى الثقافة والأخلاق والموروث القيمي الموجهَ الرئيس للشخصية الإنسانية السوية التي تسعى إلى التفوق والنجاح في ميدان الحياة.

لذلك يظل الفوز والنجاح في أي أمرٍ كان، مهما كان حجم هذا الفوز أَو أهميته، دائماً ما يكون له مذاقهُ الخاص والجميل، ودائماً ما يُدخل السعادة والبهجة على النفوس والأفئدة والعقول والمشاعر، والنفس البشرية قد جُبلت على حب الفوز والانتصار بغض النظر عن طبيعة هذه النفس أَو اتّجاهها، فالكل يتمنى الفوز في كُـلّ تجارب حياته، أياً كانت ديانته وأياً كان جنسه أَو جنسيته، فالكل يسعى بكل جهده للفوز وبلوغ غايته ونيل هدفه، مهما كلفه ذلك من مشاقٍّ أَو متاعب، فلحظة الفوز تنسي الإنسان أعواماً من المتاعب والمشاق، والفوز له وسائل وأنواع عديدة كما أن له أسباباً أكثر، وبحسب الغاية والمراد في الوصول إليها، والغايات التي يتمنى كُـلّ إنسان أن يظفر بها ليحقّق فيها الفوز الذي يتمناه سواء أكان رجلاً أَو امرأة، صغيراً كان أَو كبيراً، فرغبة الجميع في الفوز واحدة وشعورهم بساعة الوصول إليه واحدة والكل يأتي بالمستحيل ويسلك الصعاب لا يستريح بالنهار ولا ينام الليل، بل وقد يحرم نفسه من ملذات الدنيا ومتاعها وقد يقترف الخطأ ويظلم ويطغى ويتجبر ويأخذ ما لا يستحق، بل من الممكن أن يخسر أعز ما لديه، يخسر أصدقاءه وأهله وأحباءه، كُـلّ ذلك حتى يفوز، هؤلاء قد يتسابقون ويتنافسون دون هدف واضح أَو قيمة تربوية أَو مبدأ نافع قيم، لا لشيء إلا للفوز بثناء الآخرين وشكر الشاكرين، والفوز بالمكانة المرموقة التي إثارة إعجاب الناظرين وغبطة الأشخاص المحيطين.

في المقابل، وما أمكن لنا أن نلمسهُ في الشخص الذي تجسد للمسيرة القرآنية وتشرّب بالثقافة الإيمانية، وتربى على التنشِئة الأخلاقية المحمدية، والتي كانت وحدَها هي من رسمت في هذه الفترة الوجيزة ملامح الشخصية الجهادية للمجاهد اليمني، والذي رأيناهُ ينطلق بمعيار ومفهوم (في سبيل الله) مقارعاً لقوى الطاغوت والاستكبار وأذناب الكفر والنفاق في مختلف محاور وجبهات العزة والكرامة، ويخوض غمار التجربة بروحية المؤمن الفاهم الواعي، الذي سعى ويسعى إلى تحقيق النصر والفوز، بل وأكثر من ذلك بكثير، يسعى إلى الفوز الحقيقي الذي يجمع له بين السعادة الأولى الكريمة والسعادة الثانية الحقيقية الدائمة، فجمع بين دنياه وآخرته حين يرتقي شهيداً، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأموالكُمْ وَأنفسكُمْ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ، ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)، فهنيئاً لمن أيقنَ أنّ الحياة فناء، وأن الرحيل آتٍ لا مُحال، وأن الدفاع عن الإسلام وكرامة الأُمَّــة ليس إلاّ واجب وتكليف، فأصبحت الشهادة حياة الأذكياء.