خلق الله تعالى الإنسان على هذه الأرض واستخلفه فيها، ومنذ الوهلة الأولى أمره بالقيام بأشياء ونهاه عن أشياء، وجعل له جنة يعيش وينعم فيها، وعندما خالف وعصى كان العقاب الذي أخرجه من ذلك النعيم الذي لم يدرك قيمته وخطورة العصيان إلا عندما فقده، إلا أنّ من رحمة الله به فقد جعل لهم باباً للعودة إليه وهو التوبة.
وبعد فترة من الزمن من بعد خلق آدم عليه السلام ومع تعاقب الأجيال، وعلم المولى عز وجل بحاجة هذا الإنسان إلى من يهديه ويرشده لوجود العدو الأزلي الشيطان، وأوليائه من الجن والأنس، والغفلة التي تصيب الكثير من بني البشر؛ اصطفى منهم أنبياءً ورسلاً لتبليغ الرسالات السماوية لتصحيح المسار في هذه الحياة، لكن في الغالب لا يستجيب لأولئك الرسل والرسالات السماوية سوى القلة القليلة (وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ). لذا حل العذاب والعقوبات على الكثير منهم، فهلكت أمم وعُذبت أخرى، فكان في ذلك الكثير من الآيات والدروس والعبر لعل هذا الإنسان يعود إلى رشده، ويطيع ربه، ويعرف الحكمة من خلقه وأهمية نزول التشريعات الإلهية في استقامة حياته.
ومع نظرة تأمل لهذا الامتداد الطويل والمتمادي في القدم من تعاقب الأمم وإرسال الرسل ونزول تلك التشريعات ندرك مدى رحمة المولى عز وجل بهذا الإنسان وحرصه على هدايته واستقامته حتى في أدق تفاصيل حياته، وأنّ الشقاء والعناء لم ينل من هذا الإنسان إلا عندما أعرض عن توجيهات الله وأوامره، فعم الفساد وانتشرت الصراعات والانحرافات، إمّا لجهل الإنسان أو تجاهله للحكمة والهدف من استخلافه على هذه الأرض.
ومن رحمته بهذه الأمة أن أرسل لها خاتم الأنبياء محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، واصطفى من بعده أعلام الهدى الذين هم امتداد للمشروع الإلهي على هذه الأرض، وحفظ دينه وتصحيح المسار عند كثرة الزيغ والانحراف، ورد الناس إلى جادة الصواب والصراط المستقيم الذي رسمه لعباده.
واليوم والأمة تعاني من حالة متردية جداً من التيه والانحراف لما أحدثه أعداء الدين من اليهود ومن والاهم من فساد وضلال على هذه الأرض، وقلة الوعي التي تسيطر على كثير من الناس؛ نلاحظ مدى الرحمة والألطاف الإلهية أن منّ على المسلمين بأعلام دينه من آل محمد لهداية هذه الأمة وإيقاظها من غفلتها واستنهاضها لمواجهة الخطر المحدق بها، بعد أن نالها ما نالها.
وعندما نتأمل هديهم نجده نابعا من القرآن الكريم الذي هو هدى للناس ومنهاج حياة، ولن تستقيم حياتنا إلا بهذين الاثنين الذي حدثنا عنهما الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الآخَرِ: كِتَابُ اللهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا).
وقد شكلا (الكتاب والعترة) حلقة متكاملة تحوي كل ما من شأنه أن يهدي هذا الإنسان ويوصله إلى بر الأمان: (مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق وهوى) صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد شكلت دروس أعلام الهدى منهاج حياة، ورسمت لنا الطريق الصحيح الذي تستقيم به حياتنا، وشمل كل تفاصيلها كما شملها القرآن؛ لأنّهم قرناء القرآن.
ومن نعم الله علينا في هذا الزمن وجود هذين العلمين (الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي والسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي) سلام الله عليهما، ووجودهما في فترة زمنية واحدة يدل على مدى خطورة الوضع الذي تعاني منه الأمة، فكانت إرادة الله فوق كل المؤامرات التي تسعى للقضاء على هذا المشروع الذي عرّفنا بالدين الإسلامي الأصيل، والذي أصبح غريباً بين المسلمين، لدرجة أنّ لو أحدنا سمع دروسهما أو محاضراتهما وتأمل تناولهما لآيات القرآن وربطها بواقعنا يشعر وكأنّه لأول مرة يعرف المعنى الحقيقي لتلك الآيات، برغم تلاوتنا لها ليلاً ونهاراً. وهذا يدل على مدى الانحراف والتضليل الذي لحق بالأمة حتى عجزت عن إدراك المعنى الحقيقي لآيات الله وتطبيقه على واقع الحياة.
لذا لا بد أن نستشعر هذه النعمة في هذه الفترة الحرجة من حياة الأمة، ونستشعر رحمة الله بنا أن اختار لنا من يوجهنا لما فيه صلاحنا وفلاحنا في ديننا ودنيانا، لنتخلص من حالة التيه والانحراف الذي خيم على هذه الأمة، ومواجهة أعداء الدين من اليهود والنصارى الذين احتلوا الأراضي وانتهكوا الأعراض، وحرفوا الدين والمعتقدات، وخاصة ونحن نعيش ذكرى القضية الأولى للمسلمين، يوم القدس العالمي الذي أعلنه الإمام الخميني –رضوان الله عليه- في عام 1979م، كيوم لاستنهاض الشعوب لمواجهة اليهود الغاصبين، واتحادهم لتحرير الأراضي من رجس اليهود وأولياء اليهود، الذين عاثوا في الأرض فساداً.
فبالعودة إلى الله والإنابة إليه، باتباع كتابه وأعلام دينه الهداة المهديين، ستستقيم لنا أمور ديننا ودنيانا، فدين الله واحد، وكتابه واحد، وأعلامه حبل واحد ممتد منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وباتباعهم ستكون النجاة، وفي التخلي عنهم الهلكة.
والعاقل يأبى لنفسه إلا أن يكون حيث ما أراد الله له أن يكون.