مجزرة الحرم الإبراهيمي في ذكراها الـ27.. شاهد على إرهاب الكيان الصهيوني
فلسطين | الصمود | يستذكر الفلسطينيون والعالم أجمع، اليوم الخميس، المجزرة التي ارتكبها مستوطن صهيوني عام 1994 واُستشهد فيها نحو 29 مصلياً داخل الحرم الإبراهيمي، وأصيب العشرات، ومن يومها استغلت سلطات الاحتلال الحادث لتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود، وممارسة سياسات التهويد والاستيطان بمدينة الخليل ومحيطها.
وبحسب وسائل الإعلام الفلسطينية فقد وقف المستوطن الإرهابي باروخ غولدشتاين فجر يوم الجمعة الـ25 من فبراير 1994 الموافق الـ15 من رمضان 1415 للهجرة، خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران سلاحه الرشاش عليهم وهم سجود، وفي نفس الوقت قام آخرون بمساعدته في تعبئة الذخيرة التي احتوت على “رصاص دمدم” المتفجر، واخترقت شظايا القنابل والرصاص رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم.
وأشارت إلى أن مجزرة الحرم الإبراهيمي أسفرت عن استشهاد 29 مصليا داخل الحرم وإصابة 15 آخرين قبل أن ينقض مصلون على غولدشتاين ويقتلوه.. وأثناء تشييع ضحايا المجزرة، أطلق جنود الاحتلال رصاصا على المشيعين فقتلوا عددا منهم، مما رفع عدد الضحايا إلى 50 شهيداً و150 جريحا.
وبعد انتهاء المذبحة، أغلق جنود الاحتلال الموجودون في الحرم أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى.
وعقب المجزرة وفي اليوم نفسه، تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية وداخل مناطق الخط الأخضر، وقد بلغ عدد القتلى نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال حينها 60 شهيدا.
وفرضت إسرائيل واقع احتلال على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم ووضعت على مداخله بوابات إلكترونية، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه (حوالي 60%) بهدف تهويده والاستيلاء عليه.
كما وضع الاحتلال بعدها كاميرات وبوابات إلكترونية على كافة المداخل، وأغلق معظم الطرق المؤدية إليه بوجه المسلمين، باستثناء بوابة واحدة عليها إجراءات أمنية مشددة، إضافة لإغلاق سوق الحسبة، وخانيْ الخليل وشاهين، وشارعيْ الشهداء والسهلة. وبهذه الإجراءات فصلت المدينة والبلدة القديمة عن محيطها.
وفي 18 مارس 1994، صادق مجلس الأمن الدولي على قرار يدين مجزرة الحرم الإبراهيمي، ويدعو لاتخاذ إجراءات لحماية الفلسطينيين بما فيها نزع سلاح المستوطنين.
وبمناسبة الذكرى السنوية لهذه المجزرة الأليمة، أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية برام الله، الليلة الماضية، بياناً لها، قالت فيه: “تطل علينا الخميس الذكرى الـ27 لمجزرة المسجد الإبراهيمي والتي شكلت مفصلاً هاماً في تاريخ الاعتداء على مساجدنا وأوقافنا”.
وأضاف البيان: “هذه الجريمة التي لحقتها جرائم كثيرة لا زال المسجد الإبراهيمي ورواده يتعرضون لها منذ ذلك الوقت وحتى اللحظة الراهنة”.
وأوضح أن من أخطر الجرائم التي تعرض لها المسجد، إضافة إلى إغلاقه لـ8 شهور متواصلة إثر المجزرة، القرارات التي صدرت عن ما يسمى بـ “لجنة شمغار” والتي قضت بتقسيمه بين المسلمين، والمغتصبين من المستوطنين، وبموجب ذلك استولى المستوطنون اليهود وبالقوة الاحتلالية على (54%) من مساحة المسجد الاسلامي، ومنع المسلمون أصحاب المكان وزائريه من حرية دخوله أو العبادة فيه.
وأشار البيان إلى أن هذا الأمر هو الذي يحاول الاحتلال الإسرائيلي تطبيقه في المسجد الأقصى المبارك من خلال سياسة التقسيم المكاني والزماني العنصرية والتي تضرب بعرض الحائط الحق الإسلامي الخالص في المسجدين.
وحذر البيان من أن الاحتلال لا يزال يحاول، ضمن سياسة ممنهجة، السيطرة على المسجد الإبراهيمي وإلغاء السيادة الفلسطينية، وإلغاء اعتباره وقفاً إسلامياً خالصاً.
واستشهد البيان بأحداث العام الماضي، حيث واصل الاحتلال اعتداءاته على المسجد الإبراهيمي بإغلاقه 77 يوماً ومنع الأذان 599 وقتاً.. كما شهد المسجد، طيلة العام، اقتحام العشرات من جنود جيش الاحتلال، بالإضافة إلى قيام رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو، يرافقه عدد من وزرائه، باقتحامه وهو أمر أدى إلى زيادة الاقتحامات والانتهاكات للمسجد، وأدى إلى تجرؤ المستوطنين بحماية جيش الاحتلال، إلى نصب “شمعدانٍ” كبير على سطح الحرم الإبراهيمي.
وأكد بيان الأوقاف والشؤون الدينية، على حرمة المسجد واسلاميته ومكانته التاريخية والدينية وأنه وقف إسلامي خالص للمسلمين، لا يشاركهم في هذا الحق أيا كان.
وطالب البيان بناء على الحق الكامل في المسجد، بما هو مكان إسلامي خالص، بعودته كاملاً للسيادة الفلسطينية، وإخراج المستوطنين من القسم المغتصب فيه، ووقف كل أشكال التعديات والانتهاكات والإجراءات التي تعرقل وصول المصلين المسلمين إليه.
كما دعا أبناء الشعب الفلسطيني الصابر والمرابط إلى ضرورة إعماره وزيارته وحمايته على مدار الأيام حتى يبقى بإذن الله يصدع بصوت الله أكبر رغم أنف المحتلين الحاقدين.
من جهته أكد مرصد الأزهر في بيان له، اليوم، أن تلك المذبحة التي وقعت في عام 1994، تعدُّ إحدى جرائم الاحتلال الإسرائيلي الشاهدة على إرهابه وتعديه على حرمة بيوت الله فضلًا عن سفك الدماء فيها.
وأشار المرصد إلى أن الحرم الإبراهيمي تعرَّض لانتهاكات صهيونية صارخة منذ بداية الاحتلال الصهيوني لمدينة القدس المحتلة عام 1967، والتي من أبرزها: مذبحة الحرم الإبراهيمي، ومنع الأذان، وإغلاق المسجد لمدد طويلة، وتعرضه لاقتحام رئيس وزراء الاحتلال ورئيس الكنيست وعدد من مسؤولي الكيان في سابقة تاريخية عام 2019، إلى جانب الاقتحامات الصهيونية المتكررة التي حققت أرقامًا غير مسبوقة في ذات العام.
ودعا المرصد وسائل الإعلام العالمية إلى تسليط الضوء على الإرهاب الصهيوني، وفضح مخططات الكيان الخبيثة الرامية إلى طمس التراث الديني والثقافي للفلسطينيين؛ من أجل فرض سياسة الأمر الواقع والتقسيم الزماني والمكاني للمقدسات الإسلامية.. مطالبًا المجتمع الدولي بالتصدي لتلك الانتهاكات المتواصلة التي من شأنها إثارة الكراهية وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
الجدير ذكره أن المسجد الإبراهيمي يقع في قلب مدينة الخليل -الذي يطلق عليه أيضا اسم الحرم الإبراهيمي- وينسب إلى النبي إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام.. ويضم القسم المغتصب من الحرم: مقامات وقبور أنبياء، وشخصيات تاريخية، إضافة إلى صحن الحرم، وهي المنطقة المكشوفة فيه.
ومنذ وقوع المجزرة، توالت الاعتداءات على المسجد الإبراهيمي وأغلقت البلدية القديمة في محيطه، وأغلق شارع الشهداء الذي يعتبر الشريان الرئيسي وعصب الحياة للفلسطينيين، ما أدى لإغلاق 1800 محل تجاري بالبلدة القديمة، كما منع رفع الأذان في الحرم عشرات المرات شهريا، وفصلت مدينة الخليل وبلدتها القديمة عن محيطها.
وكانت المجزرة بداية مخطط الاحتلال لتنفيذ تطهير عرقي للفصل والعزل وتشريد الفلسطينيين من البلدة القديمة لبناء “مدينة الخليل اليهودية” إذ تعطلت حياة الفلسطينيين بالأزقة بعدما قررت حكومة الاحتلال إغلاق البلدة القديمة بشوارعها وأسواقها، وتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود.
ووظف الاحتلال “اتفاقية الخليل” المبرمة مع السلطة الفلسطينية عام 1997 لتعميق الاستيطان بالبلدة القديمة التي يسكنها نحو 40 ألف فلسطيني، وهي المصنفة بـ”إتش 2″ وتقع تحت سيطرة إسرائيل الأمنية، ويحتلها كذلك نحو 35 ألف يهودي موزعين على 27 مستوطنة وعشرات البؤر الاستيطانية والعسكرية بالبلدة القديمة ومحيط محافظة الخليل التي يسكنها قرابة خمسمئة ألف فلسطيني.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي فصول مجزرته بحق الفلسطينيين في الخليل والحرم الإبراهيمي منذ احتلال المدينة عام 1967، وكانت مجزرة الحرم عام 1994 الفصل الأبشع في سلسلة جرائمه الإرهابية.
وقال إمام الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الشيخ عادل إدريس إن وجود سجدة تلاوة بين آيات الركعة الأولى هي التي قللت عدد الشهداء والجرحى لأن غولدشتاين كان يخطط لإطلاق النار من بندقيته “إم 16” نحو المصلين وهم وقوف، فارتقى نحو 29 شهيدا وأصيب 150 آخرون (داخل المسجد وفي الصدامات التي تلت الحادث مع قوات الاحتلال)، قبل أن يهاجمه المصلون ويجهزوا عليه.
ولا يزال الشيخ إدريس يستذكر كل تفاصيل المجزرة التي سبقها تهديد من المستوطنين في صلاة التراويح في اليوم السابق بأنهم سيهاجمون المصلين، ولم تتوقف مضايقاتهم يوما منذ اللحظة الأولى لاحتلال الخليل عام 1967، والتي كانت بإحراق سجاد المسجد وإلقاء الحجارة والأحذية على المصلين والاعتداء عليهم.
وكشف الشيخ إدريس أن غولدشتاين لم يكن وحده في الحرم لحظة المجزرة، وإنما كان هناك 15 مستوطنا قدموا لحمايته، ويثبت ذلك أن أحد الجرحى الذين تم نقلهم إلى الأردن لمعالجته تبين أنه مصاب بشظايا قنبلة غير رصاص سلاح المستوطن غولدشتاين.
ويشار إلى أن الإرهابي باروخ غولدشتاين الذي كان يبلغ من العمر (42 عاما) عند ارتكابه المجزرة كان من مؤسسي حركة “كاخ” الدينية، وقد قدِم من الولايات المتحدة الأميركية عام 1980، وسكن في مستوطنة “كريات أربع” المقامة على أراضي مدينة الخليل.
وجولدشتاين، طبيب يهودي أراد أن يقوم بعمل وحشي من شأنه أن يعرقل مباحثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إثر توقيع اتفاقية أوسلو فلم يهده عقله المريض ونزعته العنصرية إلا إلى القيام بعمل يتنافى مع كل القيم الإنسانية والدينية.. وكان يهدف كذلك إلى إثارة الفتنة بين الفلسطينيين مما سيؤدي إلى اشتباكات بينهم وتقويض الاتفاقية.
وبعد 27 عاما على وقوع المجزرة يمنع رفع الأذان في الحرم ما بين 500 و600 مرة في العام الواحد، ويغلق الحرم كاملا في الأعياد اليهودية أمام المسلمين، ويسمح للمستوطنين بإقامة الحفلات والمناسبات.
وحالياً استغل الاحتلال جائحة كورونا وقرر إغلاق الحرم بشكل كامل، ولكنه يغلقه أمام الفلسطينيين فقط، وسمح في بداية تخفيف إجراءات كورونا لـ40 فلسطينيا بالصلاة، ثم قلصهم إلى 20 شخصا، وهم عمليا السدنة والمشرفين على الحرم.
كما يُمنع الفلسطينيون الآخرون من دخول الحرم بحجة أن الـ20 شخصا المسموح لهم موجودون فيه، وهو دليل على أن المعركة ما زالت دائرة رغم التعزيز الفلسطيني فيها، ورغم كل هذا التغول والاستيطان إلا أنه بعد 27 عاما من المجزرة لا يزال الفلسطينيون متمسكون بالحرم الإبراهيمي، ويعززون وجودهم حوله ويقيمون صلاتهم فيه، كي يبقى معلما إسلاميا مقدسا رغم كل تضييق الاحتلال.
وتمضي سلطات الاحتلال قدما في سلسلة إجراءات تهويدية للمسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل (جنوب الضفة الغربية المحتلة)، آخر حلقاتها المصادقة النهائية على مشروع يسهل اقتحام المستوطنين للمسجد.
وما يحدث الآن في الخليل يعتبر سلسلة طويلة من الخروقات للقانون الدولي من جانب الكيان الصهيوني، فالخليل تقع تحت نيران الاحتلال العسكري والمستوطنين والتقسيم والانتهاكات اليومية لأحيائها وأسواقها وطمس وسرقة معالمها الأثرية والتاريخية والدينية وتقييد لحرية الحركة الدينية لمواطنيها و اعتداءات قطعان المستوطنين التي لا تنتهي بشتى الطرق والأساليب القذرة بحق مواطني خليل الرحمن.