التقرير الاستخباراتي الامريكي حول اغتيال خاشقجي .. ابتزاز وحلب جديد
عواصم | الصمود | : محفوظ الفلاحي
بالرغم من الضجة الإعلامية التي سبقت ورافقت نشر اخبار التقرير السري الذي أزيح عنه الستار وتمت رفع السرية عنه حول قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في الـ2 من أكتوبر 2018م، إلا أنه ظهر تقريراً هزيلاً غير التوقعات كلياً.
يرى أحد المغردين على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بقوله “تقرير المخابرات الأمريكية عن اغتيال خاشقجي ليس فيه جديد ولن يؤثر في تولي محمد بن سلمان حكم السعودية ، مجرد أموال يستولي عليها الأمريكان من السعودية ويضيع حق ودم جمال خاشقجي هدرا.. ما أسوأ أن يتحول دم مواطن عربي إلى مطية للصفقات السياسية وكسب المال”.
فيما يرى مغرد آخر أن ملخص تقرير الCIA حول اغتيال خاشقجي تضمن هذه العبارات: (نفترض ، نشعر ، نعتقد ، نتوقّع ، نظن ، من الممكن ، قد يكون ، ربما)، والتي تدل على ضعف التقرير وأن التقرير لم يحمل في طياته أي معلومات جديدة تدين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
من ناحيته يرى د. عصام عبد الشافي ـ أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ، رئيس أكاديمية العلاقات الدولية أن تقرير الاستخبارات الأمريكية حول اغتيال خاشقجي ما هي إلا ورقة سيتم استخدامها للابتزاز والحلب وليس لتحقيق الحق والعدل ، وأن أي تسويات أو مساومات بعيداً عن عقاب المجرم القاتل تعنى المشاركة في الجريمة سواء كان المساوم أمريكياً أو سعودياً.
ويضيف عبد الشافي “ذكرني انتظار تقرير الاستخبارات الأميركية حول اغتيال خاشقجي بالتقرير الصادر عن أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ والذي تم حذف ٢٨ صفحة منه تدين السعودية إدانة مباشرة وتم استخدامها بعد ذلك للسلب والنهب والحلب، ويتسائل بقوله: كم صفحة سيتم حذفها حول جريمة اغتيال جمال خاشقجي؟.
أهم نقاط تقرير الـCIA
من جانبه وصف رئيس تحرير “رأي اليوم” عبدالباري عطوان تقرير الاستخبارات الأمريكية بالزلزال الأمريكي أو التسونامي حول اعلان التقرير الاستخباراتي الأمريكي بشأن اغتيال خاشقجي والذي جاء في أربع صفحات وحاول ترامب طمس هذا التقرير مقابل 460 مليار دولار قبضها مقابل صرف النظر حول اغتيال خاشقجي على يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ويرى عطوان أن أهم ما احتواه التقرير هو تأكيد التقرير أن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي أدرك بإن جمال خاشقجي أصبح يشكل خطراً وتهديداً على المملكة العربية السعودية، وأن بن سلمان هو من أصدر الأوامر بتصفية جمال خاشقجي جسدياً ذبحاً أو نشراً واستخدام العنف إذا تتطلب الأمر لذلك.
كما أشار التقرير إلى تورط 21 سعودياً مقربين لولي العهد السعودي سيتم فرض عقوبات لمشاركتهم في عملية الاغتيال وهذا قد يترتب عليه قيام الولايات المتحدة الأمريكية بوقف بيع طائرات هجومية للمملكة العربية السعودية، وبالتالي دخول قوات التدخل السريع السعودية التي يستخدمها محمد بن سلمان في تصفية وملاحقة خصومة والمعارضين له.
ويشير عطوان إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي للولايات المتحدة الأمريكية والمرشح الديمقراطي جو بايدن وخلال حملته الانتخابية قد أعلن أن بن سلمان سيدفع الثمن باهضاً لاغتياله الصحفي جمال خاشقجي، وهذا يعني أن العقوبات الشخصية واردة بالإضافة إلى 70 شخصاً متورطين مع بن سلمان بقمع الحريات وملاحقة الصحفيين واعتقالهم، وذلك بمنعهم من دخول الولايات الأمريكية بالإضافة إلى وضعهم على القائمة السوداء، بإضافةً إلى محاسبة الذباب الإلكتروني الذي سخره محمد بن سلمان لقمعه الحريات.
انقلاب جذري في العلاقات
يؤكد عطوان ومن خلال الاتصال الذي جرى بين الرئيس جو بايدن والعاهل السعودي سلمان أن زمن ترامب انتهى وولى وأن العلاقة قائمة على الشفافية وليس كلام في مجالس، وأن بايدن أكد خلال المكالمة أن السعودية شريك وليست حليف هو على عكس الرواية السعودية التي قالت أنها حليفة للولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح عطوان أن الرئيس بايدن شدد في اتصاله أن على السعودية إعطاء المزيد من الحريات وتمكين المعارضة في ممارسة حقها في التعبير والقول، كذلك أوقفت الولايات المتحدة صفقة أسلحة هجومية وذخائر تستخدم في عدوانها على اليمن بقيمة نص مليار دولار، كما تم إلغاء صفقة طائرات الـF35 الشبح لدولة الإمارات..مشيراً إلى أن مرحلة الرئيس بايدن تعتبر مرحلة جديدة كلياً وستشهد عامل مختلف مع شركائها في المنطقة ومن ذلك ضرورة وقف الحرب العبثية على اليمن ووقف بيع صفقات الأسلحة للسعودية.
مواقف جديدة
من المقرر أن تصدر إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إعلاناً غداً الاثنين عن السعودية تعقيباً لتقرير المخابرات الأمريكية، وفي هذا الشأن، قال الدبلوماسي السابق مايكل سبرينغمان للميادين إن إبن سلمان مرتبط بجريمة قتل خاشقجي بوجوهها كافة، معتبراً أن بايدن لن يتخذ إجراءات ملموسة ضد ولي العهد بسبب المصالح الأميركية مع السعودية.
تعليقات الصحف الأمريكية
صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية قالت “إن محمد بن سلمان مذنب بارتكابه جريمة قتل، وعلى بايدن ألا يجعله يفلت بفعلته”، مضيفةً أنه “قد تبدو العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية في عهد بايدن كما كانت قبل إدارة ترامب عندما تم التعامل مع المملكة كحليف رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
وأضافت الصحيفة إلى أن “هناك حجة براغماتية لهذه السياسة، فمحمد بن سلمان لا يزال أقوى شخص في منطقة الخليج العربي، وإذا خلف والده كملك كما هو متوقع، فقد يظل في هذا المنصب لعقود”، مضيفةً أنه “لا تزال الولايات المتحدة تعتمد على المملكة العربية السعودية لتحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية وللمساعدة في جهود مكافحة الإرهاب”.
وتابعت “في عهد محمد بن سلمان خففت المملكة بعض القيود المفروضة على النساء، وقمعت رجال الدين المتطرفين، وأصبحت أكثر صداقة مع “إسرائيل”. وفي الأسابيع الأخيرة، سعى محمد بن سلمان إلى استرضاء بايدن، من خلال إطلاق سراح بعض السجناء البارزين بمن فيهم مواطنون أميركيون، وقام بإنهاء الحصار المفروض على دولة قطر المجاورة”.
الصحيفة لفتت إلى أنه “كحد أدنى يجب على الإدارة أن تطلب كشرط للعلاقات الطبيعية، تقديم مهندس مقتل خاشقجي وغيره من جرائم حقوق الإنسان – سعود القحطاني، أحد المساعدين المقربين لمحمد بن سلمان المذكور في تقرير وكالة المخابرات المركزية – إلى العدالة. إذا لم يتم تفكيك الجهاز الإجرامي الذي استخدمه محمد بن سلمان ضد خاشقجي، فسيكون هناك المزيد من الضحايا”.
شبكة “سي إن إن” ذكرت بدورها أنه على الرغم من وعوده بمعاقبة كبار القادة السعوديين أثناء حملته الانتخابية، رفض بايدن فرض عقوبات على الشخص الذي حددت الاستخبارات الأميركية أنه مسؤول عن مقتل خاشقجي، ولي العهد محمد بن سلمان، مضيفةً “إن اختيار عدم معاقبة الأخير بشكل مباشر يبرز بشكل حاد كيفية صناعة القرار التي تصبح أكثر تعقيداً حين يصبح المرشح في منصب الرئيس، ويظهر صعوبة الانفصال عن حليف مزعج في منطقة مضطربة”.
وتابعت الشبكة “تبدو العلاقة مع الرياض نفسها قيّمة للغاية، بحيث لا يمكن لإدارة بايدن التخلي عنها تماماً من خلال معاقبة الرجل الذي يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه يدير المملكة”.
وقال مسؤولو وزارة الخارجية إن إدارة بايدن أوضحت مسألة عدم قلب السياسة القائمة بين البلدين لأن العلاقة الأمنية مهمة للغاية.
بدورها، أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أن بايدن لن يُعاقب ولي العهد السعودي خوفاً من قطيعة في العلاقات بين واشنطن والرياض.
ولفتت إلى أن “القرار سيخيب آمال مجتمع حقوق الإنسان وأعضاء الحزب الديمقراطي الذين اشتكوا خلال إدارة ترامب من فشل الولايات المتحدة في محاسبة محمد بن سلمان”.
وأشار مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية الجديدة، بحسب الصحيفة، إلى أن الرئيس بايدن اعتبر أن “التكلفة الدبلوماسية لمعاقبة ولي العهد السعودي بشكل مباشر باهظة للغاية”.
وتابعت “نيويورك تايمز” أنه ووفقاً لمساعدي بايدن، فإنه “من الناحية العملية لن تتم دعوة ابن سلمان إلى الولايات المتحدة في أي وقت قريب”. ولفتت الصحيفة إلى أن “أصعب قضية نوقشت داخل الإدارة هي كيفية التعامل مع ولي العهد نفسه ، إذ إنه من النادر فرض حظر على زعماء العالم، فيما وجدت دراسة أجراها مسؤولون في الإدارة أن الولايات المتحدة تحركت ضد خصوم مثل الرئيس السوري بشار الأسد، كيم جونغ أون زعيم كوريا الشمالية؛ نيكولاس مادورو رئيس فنزويلا؛ وروبرت موغابي، رئيس الوزراء السابق لزيمبابوي. فيما لم يتحرك أي أحد ضد زعماء البلدان التي كانت حليفة رئيسية”.
فرض عقوبات
صحيفة “وول ستريت جورنال”، عنونت افتتاحيتها “عقوبة خاشقجي”، وتحت هذا العنوان كتب: “إفراج إدارة بايدن يوم الجمعة عن التقرير الاستخباراتي حول قتل جمال خاشقجي مرضٍ أخلاقياً، ولكن سواء كان ذلك يعزز مصالح الولايات المتحدة أو حتى حقوق الإنسان على المدى الطويل، فتلك مسألة أخرى، الولايات المتحدة قررت عدم معاقبة محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي وربما الملك المقبل”.
وبحسب الصحيفة، يصف الديمقراطيون ووسائل الإعلام التابعة لهم القرار بأنه غير ملائم، “ولكن يبدو أن إدارة بايدن تقدر أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى قطع أكثر جدية للعلاقات الأميركية السعودية، بما من شأنه مساعدة الخصوم في طهران وموسكو وبكين، وقرر ترامب تجاهل التقرير، لكن دعمه للسعوديين و”إسرائيل”، ومعارضته للطموحات النووية الإيرانية، ساعدا في تمهيد الطريق لاتفاقات “أبراهام” التاريخية بين “إسرائيل” والدول العربية، ويجب أن تفكر إدارة بايدن مرتين قبل إبعاد السعوديين، وهم الذي يعدون أصدقاء نادرين للولايات المتحدة في جزء خطير من العالم”.
مجلة “فورين بوليسي” قالت من جهتها إنه ليس من المتوقع أن تفرض الإدارة الأمريكية عقوبات على ولي العهد السعودي في محاولة واضحة للحفاظ على علاقة الولايات المتحدة بالعائلة المالكة السعودية، لكن المدافعين عن حقوق الانسان دانوا قرار إدارة بايدن بعدم استهداف ولي العهد شخصياً.
ونقلت المجلة عن سارة ليا ويتسن المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن، والتي أسسها خاشقجي، “إن تجنب فرض هذه العقوبات على محمد بن سلمان من شأنه أن يقوض مصداقية العقوبات التي تم فرضها على الجناة الآخرين”.
وعلقت مجلة “ذي أتلانتيك” قائلة إنه “يجب تسمية القتلة بالقتلة وقول ذلك في وجههم مباشرة”، وقالت إن “أهم الأسئلة التي لم يجب عليها التقرير الاستخباراتي سياسية وأخلاقية”، متسائلة “كيف ستبدو إعادة النظر في المعايير التي تحكم العلاقة بين البلدين، والتي تحدث عنها البيت الأبيض على لسان الناطقة باسمه؟”.
وتابعت “ذي أتلانتيك” بالقول “أولاً يجب استبعاد أي احتمال لأن تعاقب السعودية نفسها. المملكة العربية السعودية نظام ملكي مطلق بالمعنى الحقيقي للحداثة، وابن سلمان هو القانون، فلنتذكر كل الخلافات القانونية في الولايات المتحدة حول ما إذا كان بإمكان وزارة العدل توجيه لائحة اتهام ضد رئيس في منصبه؟ لا يمكن لولي العهد أن يقاضي نفسه، الملكية المطلقة هي نظام حكم فظيع لهذا السبب بالذات، إذا كان ابن سلمان يوماً ما في وضع يسمح بمقاضاته فسيكون ذلك بعد الإطاحة بالنظام الملكي السعودي، وفي هذه الحالة ستكون لديه قضايا أكثر خطورة بكثير من قضية خاشقجي ليحاسب عليها”.
وأضافت المجلة “فلنفكر إذاً في الخيارات الأكثر واقعية. يمكن للولايات المتحدة أن تناشد حاكم المملكة العربية السعودية الملك سلمان البالغ من العمر 85 عاماً إزالة نجله من تسلسل الخلافة. هذا الخيار يقربنا مليمترات فقط من الواقع”.
ولفتت إلى أنه “في ما يقرب من أربع سنوات منذ أن تولى بن سلمان رسمياً منصب ولي العهد قام بلا هوادة بقطع أرجل كل من يعد منافساً له، ومن أبرز هؤلاء الأمراء أنفسهم الذين خدموا بشكل جيد كبدائل لابن سلمان، كما قام بتهميش واعتقال سلفه محمد بن نايف ولي العهد السابق والرجل المفضل لدى وكالات التجسس الغربية. لم يكن رئيس الاستخبارات والدبلوماسي السابق تركي بن فيصل قريباً من العرش أبداً، لكنه أيضاً وجد نفسه منبوذاً في المدارات الخارجية للسلطة. قضى ابن سلمان حكمه في القضاء على منافسيه وكان قتل خاشقجي جزءاً من تلك العملية”.
وفي سياق متصل، نشر موقع مجلة “ذي انترسبت” أن الخطوة الأميركية التي تضمنت قيوداً على تأشيرات 76 مواطناً سعودياً “شاركوا في تهديد المنشقين في الخارج”، هي دليل على أن إدارة بايدن تريد الحفاظ على شراكة تعاونية مع القيادة السعودية، مشيرة إلى أنه من المرجح أن يثير ذلك غضب نشطاء حقوق الإنسان وأعضاء الكونغرس الذين جادلوا بضرورة محاسبة ولي العهد شخصياً على العملية التي أدت إلى مقتل صحفي سعودي، كان أيضاً مقيماً في الولايات المتحدة، وذبحه في القنصلية السعودية كما لو أنه ديك رومي.