صمود وانتصار

لماذا تتميّز احتفالات اليمنيين بيوم القدس العالمي بنَكهةٍ خَاصَّة؟

| الصمود | لماذا تتميّز احتفالات اليمنيين بيوم القدس العالمي بنَكهةٍ خَاصَّة؟ وما هي الأسباب الـ 4 التي تُقلِق القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة من الصّواريخ الباليستيّة اليمنيّة أكثر من غيرها حسب أحدث الدراسات الإسرائيليّة؟ وكيف غيّرت هذه الصّواريخ كُـلّ المُعادلات العسكريّة في الشّرق الأوسط؟

 

احتفال الشّعب اليمني المحاصر المجوّع بيوم القدس العالمي في الجمعة، الأخيرة من شهر رمضان المُبارك يظلّ مُتميّزًا، وله طعمٌ ونكهة وطنيّة وجدانيّة خَاصَّة، فعندما تضيق العاصمة اليمنيّة صنعاء بالملايين من اليمنيين الذين تدفّقوا إليها من مُختلف المُدن الأُخرى، للمُشاركة بالمسيرات السنويّة المليونيّة، مُردّدين شِعار “الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل” فَـإنَّ قلق الأخيرة، أي إسرائيل، يبدو مُبرّراً وفي مكانه.

 

في هذه المسيرات تُعانق العلمان اليمني والفِلسطيني مثلما تعانقت القضيّتان اليمنيّة والفِلسطينيّة، وتوحّدت المشاعر باتّجاه العدوّ الواحد الذي استهدف الأُمَّــة حاضِرًا ومُستَقبلًا.

 

ما أجمل وأعذب هذه الشّعارات التي ردّدها المُتظاهرون اليمنيّون من القلب، وما أبلغ عِباراتها وأصدقها وأقواها، إليكُم رصدًا لبعضها: “شعب الحكمة والإيمان، يوم القدس له عُنوان”، “قولوا لرُعاة التّطبيع.. قضيّتنا لن تضيع”، “من طبّع من العُربان.. ضمن تحالف العُدوان”، “إسرائيل هي السّرطان.. أمريكا هي الشّيطان”، “من قتل شعب فِلسطين.. هم من قتلوا اليمنيين”، “أعداءنا في يمن الغزّة.. هُم أعداء القدس وغزّة”، “قولوا لرُعاة التّطبيع.. أقصانا ليست للبيع”.

 

هذا القلق الذي نتحدّث عنه ليس من “عنديّاتنا”، وإنّما ورد في دراسة أصدرها قبل يومين مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب حذّرت من احتمالات إقدام قوّات تحالف “أنصار الله” اليمني على شنّ هجماتٍ صاروخيّة مُفاجئة على أهداف في العُمُق الإسرائيلي، أَو ضرب سُفن إسرائيليّة في البحر الأحمر أَو المُحيط الهندي، وتنبّأت هذه الدّراسة حُصول هذا التّحالف على أسلحة مُتطوّرة سواءً من إيران، أَو من خِلال إنتاجها مَحلِّيًّا في كُهوف العزّة والكرامة.

 

المُقاتل اليمني يتميّز عن غيره بشراسته وشجاعته في القِتال، ونَفَسِه الطّويل، وقُدرته على التحمّل، وهذا ما يُفَسِّر صُموده لأكثر من ستّ سنوات في الحرب التي شنّها ضدّه التّحالف الخليجي بقيادة السعوديّة، وتغيير قواعد الاشتباك لصالحه، واستجداء خُصومه للوِساطات لإنهاء هذه الحرب، ووقف القِتال، وتقديم عُروض ماليّة وسياسيّة واقتصاديّة مُغرية جِـدًّا في المُقابل.

 

ما يُثير هلع ورُعب القِيادة العسكريّة الإسرائيليّة من تطوّر القُدرات العسكريّة اليمنيّة بسُرعةٍ فائقة في السّنوات الأخيرة عدّة أُمور:

 

أوّلًا: القِيادة اليمنيّة، على عكس مُعظم نظيراتها في المنطقة العربيّة، تتمتّع بعقيدةٍ إسلاميّة قويّة وراسخة، وقدرة عالية على اتِّخاذ قرار الحرب، خَاصَّة إذَا كان ضدّ دولة الاحتلال الإسرائيلي، وليس هذا فقط، وإنّما إدارتها، أي الحرب، وتعبئة الملايين من المُقاتلين خلفها.

 

ثانيًا: ليس هُناك ما تخشى عليه القِيادة اليمنيّة بعد أن دمّـرت طائرات التّحالف السّعودي الإماراتي، كُـلّ مشاريع البُنى التحتيّة اليمنيّة، وهي محدودةٌ للغاية، مُضافًا إلى ذلك أنّ 20 مِليون يمني استطاعوا التّعايش مع العُدوان، والصّمود في وجهه لأكثر من ستّ سنوات، ولم يَعُد القصف الجوّي يُرعِبهُم.

 

ثالثًا: امتِلاك حُكومة صنعاء ترسانةً ضخمةً من الصّواريخ الباليستيّة الدّقيقة، والطّائرات المُسيّرة، والكفاءات عالية المُستوى القادرة على استخدامها، وشاهدنا هذه الصّواريخ والمُسيرّات تَصِل إلى الرياض وجدّة وعصب الصّناعة النفطيّة السعوديّة في بقيق والظّهران وينبع، علاوةً على خميس مشيط وجازان ومنشآت أرامكو فيها.

 

رابعًا: جميع المشاريع المطروحة حَـاليًّا لبناء قنوات، وخطوط أنابيب أَو سكك حديديّة لتجنّب الصادرات النفطيّة الخليجيّة وخَاصَّة مشروع قناة إيلات أسدود، لتجنّب قناة السويس، ومضيق باب المندب في مدخل البحر الأحمر ومضيق هرمز، تنطلق من فرضيّة عسكريّة سيطرة “أنصار الله” على المِلاحة التجاريّة في بحار المنطقة، وإمْكَانيّة تعطيلها، وحتّى هذا “الهُروب” لن يكون آمِنًا؛ لأَنَّ من تَصِل صواريخه إلى ينبع وتضرب المنشآت النفطيّة فيها، يُمكِن أن يُمدّد مداها لتَصِل إلى إيلات وخليج العقبة أَيْـضاً.

 

في “يوم القدس” العالمي، تنتفض الأُمَّــة الإسلاميّة جميعها، دعمًا لأهل الرباط، وثورتهم في الأراضي المقدّسة، دِفاعًا عن كرامة الأمّتين العربيّة والإسلاميّة ومساجدها وكنائسها، وعلى رأسها المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وتَجِد إسرائيل نفسها، وللمرّة الأولى مُنذ بدء الصّراع، واغتصابها للأراضي الفِلسطينيّة، مُحاطةً بالصّواريخ من كُـلّ الجِهات، والأهم من ذلك أنّ قببها الحديديّة لم تَعُد قادرةً، ورُغم عشَرات المِليارات التي أنفقت لتصنيعها وتطويرها، باتت عاجزةً عن التصدّي لصاروخ لم يُكَلِّف إلا بضعة آلاف من الدّولارات، ينطلق من قِطاع غزّة أَو جنوب لبنان، وربّما قريبًا جِـدًّا من كُهوف صعدة.

 

العشريّة العربيّة والإسلاميّة السّوداء اقتربت من نهايتها، والأيّام المُقبلة حافلة المُفاجآت والمُتغيّرات السّارّة.. والأيّام بيننا.