صمود وانتصار

توصيف السيد القائد لواقع المؤسسات الدولية: الأمن مظلة الاستكبار العالمي، وعصا الذرائع للولايات المتحدة

حسين الجنيد

في خطابِهِ بمناسبة أسبوع الشهيد، كان السيد القائد وكعادته في جميع خطاباته، يضعُ النقاطَ على الحروف، ويسمّي الأشياء بمسمياتها الحقيقية، مزيلاً أقنعةَ التجميل التي يضعُها أعداءُ الأُمَّــة؛ لتمرير إراداتهم كمفاهيم يغزون بها عقلية الشعوب ويَحْرِفُون مسارات الوعي فيها.

وبهذه المناسبة سلَّطَ السيدُ القائد ضوءَ خطابه على نضال الشعوب المستضعفة، الساعية لنيل العدالة لمظلوميتها، ونيل حقوقها وحريتها وكرامتها، بدماء أبنائها، موضّحاً أن هذا النضال وهذه الدماء التي يدفعونها هي السبيل الوحيد لتحقيق الحرية والكرامة التي أرادها الله لهم ومنحها إياهم، موضحاً ألا شرعية للظلم ولا للظالمين مهما سِيقت المبرراتُ والأعذار لسلب الشعوب حقها من الحرية والكرامة التي أقرها الله ضمن حقوق الإنْسَـان منذ خليقة البشرية.

لم تكن هذه التوطئة عبثيةً من السيد القائد أو تكراراً اعتيادياً، بقدر ما كانت إمساكاً بأَطْـرَاف خيوط الإشكاليات التي تعاني منها الشعوب، حين تقرر خوض طريق النضال والجهاد من أجل قضاياها ومظلومياتها، من تردُّدٍ أو ارتيابٍ في مسألة صوابية هذا النضال من حيث المنهجية والطرق التي سيسلكونها في نضالهم.

أراد السيدُ القائدُ توضيحَ المعنى الحقيقي للظلم والظالم والمظلومية والحق، بعيداً عن التباسِ المعاني التي صدّرها أبواق الإفساد الفكري التابعة لأعداء الأُمَّــة؛ لكي يصل بالوعي الشعبي للمرحلة الإدراكية المطلقة التي لا لبس فيها ولا شكوك، بأن سعيها للانتصَـار لمظلوميتها هو الدرب الصحيح والحق إذا ما أرادت العيش بعزةٍ وكرامةٍ، ولا تلتبس فيها حيل تلك الأبواق التضليلية التي تريد عرقلة هذا السعي بحرف حقيقة معاني تلك الأسس، بتصويرهم للثائر بالانقلابي، وللشهيد بأنه ضحية تغرير.

 

المؤسسات الدولية في خدمة دول الاستكبار

وفي إشارةٍ منه، وضّح السيد القائد في خطابه الدور الوظيفي الذي تلعبُه الأمم المتحدة ومجلس الأمن وبقية المؤسسات الدولية في شرعنة ظلم دول الاستكبار العالمي واعتدائها على الشعوب والدول المستضعفة، تحت غطاءٍ توفره هذه المؤسسات لتلك الدول، والشواهد التي تثبت وتؤكد هذا الدور كثيرة، فقراراتُ مجلس الأمن والأمم المتحدة التي تحظر بيع الأسلحة للـيَـمَـن، ها هي تغض الطرف وتلتزم الصمت المطبق حيال تصدير وبيع الأسلحة التقليدية والمحرَّمة دولياً للنظام السعودي الذي يقتل بها الشعب الـيَـمَـني خدمةً لأمريكا ومشروعها؛ فقط لأن خلف الموضوع دول الاستكبار التي تقودهم الولايات المتحدة.

وسبق للدول الثلاث “أمريكا، وبريطانيا، وَفرنسا” بعد انتهاء حرب الخليج الثانية، عام 1991، أن فرضت حظراً جوياً على العراق، فيما كان يُعْرَفُ بمناطق الحظر الجوي، متذرعةً بالقرار (688/ الصادر عن مجلس الأمن بتأريخ 5/4/1991).

وَالمضحك في الأمر أنه بالعودة للقرار (688/ لعام 1991)، نجد أنه لا ينص على فرض حظرٍ جويٍّ على العراق وَمع ذلك تذرعت الدول الثلاثة بذلك القرار لتمنع الدولة العراقية في ذلك الوقت من استخدام أجوائها؛ لتُحْكِـم الحصار على الشعب العراقي الذي كان يكابد الجوع وَالمرض جـرَّاء الحصار المفروض عليه بموجب القرار الأممي (661/ الصادر بتأريخ 6/8/1990)، والذي تسبب بموت مليون وَنصف طفل عراقي.

وَاستمر الحظر الجوي من الدول الثلاث ببلطجةٍ دوليةٍ منقطعة النظير، إلَى أن انسحبت فرنسا من تلك المهزلة عام 1996 وَاستمر الحظرُ الجوي مفروضاً بعد ذلك من أمريكا وَبريطانيا.

وفي ليبيا فرضت تلك الدول حظراً جوياً، منذ أوائل تسعينيات القرن، بموجب القرار (748/ الصادر تأريخ 31/3/1992م)، وَالذي نص على عدم السماح لأي طائرة بالإقلاع أو الهبوط أو التحليق فوق ليبيا، ولم يتم رفع الحظر إلا في، أيلول عام 2003 م. حتى أعاد مجلس الأمن فرض الحظر مجدداً، بتأريخ 18/3/2011، بحسب مزاعم أمريكيةٍ حول نوايا مبيّتةٍ للرئيس معمر القذافي، ساعية لإبادة الشعب الليبي بالطائرات، فعلاً من المضحك أن تعمل المؤسسات الدولية بحسب النوايا التي لا تستشعرها سوى الولايات المتحدة.

 

مجلس الأمن بين الذرائع الإنْسَـانية وازدواجية المعايير

كما أوضح السيد القائد، أن المراهنة على تحقيق العدالة للشعوب المستضعفة، عبر أروقة مجلس الأمن، يعدّ مضيعةً للوقت، معرياً هذه المؤسسة من لباس الحقوق الذي ترتديه، والعدل الذي تدّعيه، مسمياً إياها بما ينبغي أن تسمى، بـ”مجلس أمن الدول المستكبرة والظالمة”، مشيراً إلَى آلية عمل هذه المؤسسة المتّسمة بالازدواجية في معاييرها، فحين تتعلق المسألة بأمريكا أو بأحد دول الاستكبار العالمي، أو تصبّ المسألة في صالح تلك الدول، تهبُّ هذه المؤسسة لنصرة حقوق الإنْسَـان والدفاع عنها، أما حين تتعلق المسألة بدولة مستضعفةٍ أو ساعيةٍ للانعتاق من استعباد دول الاستكبار، فلا تعني حقوق الإنْسَـان وتلك العناوين أي شيء في قاموس مجلس الأمن، ولو قمنا بعمل رصدٍ تأريخي لتأكيد ما أشار إليه السيد القائد، حول أكذوبة وزيف ادعاءات هذه المؤسسة فسنكتشف الكثير والكثير من الأمثلة والشواهد وعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد مجلس الأمن يهبُّ بكل قوانينه ودساتيره دفاعاً عن ثورة الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد الدموي والقمعي حسب توصيفهم؛ فقط لأن أمريكا تريد اسقاط هذا النظام المقاوم الذي يهدد وجود الكيان الصهيوني، وليس محبةً في الشعب السوري، وعلى الرغم من أنَّ غالبية الشعب السوري العظمى متمسكة برئيسها وجيشها والمعارضين له يُعَـدُّون قلة، إلا أنَّ إصرار الولايات المتحدة على إسقاطه، كانت أقوى وأكبر من كُلّ مبادئ الديمقراطية التي تدّعي المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدفاع عنها، في حين الشعب الـيَـمَـني خرج بغالبيته العظمى رافضاً رئيساً رهَنَ البلاد والشعب للإرادة الخارجية، واستجلب الموت لهم، يعدّ انقلاباً على رئيسٍ شرعي.

في سوريا أقلّيةٌ تحتجُّ على رئيسها الذي يؤيده غالبية الشعب تعتبر ثورة وتستحق الدعم الدولي، بينما في الـيَـمَـن غالبية الشعب ترفض مستقيلاً كان رئيساً، يعتبر انقلاباً والمستقيل تعلنه شرعيّاً.

نفسُ الشيء يتكرَّرُ في العديد من الدول، في البحرين ذلك الشعب المظلوم بغالبيته العظمى يتم تجاهلُهُ؛ لأنها ثورةٌ ضد المصالح الأمريكية، بينما الأقلية في أوكرانيا يتم تبني احتجاجها؛ لأنها ضد المصالح الروسية وتخدم المصالح الأمريكية.

الشواهد والوقائع كثيرة، وكلها تؤكد أن مجلس الأمن يكيل بمكيالين ويتعامل بازدواجية في المعايير، فالإنْسَـان في نظر هذه المؤسسة الدولية يتمتع بحقوقٍ إذا كان في مربع مصالح دول الاستكبار، وإذا لم يكن ضمن نطاق هذا المربع، فتسقط عنه كُلّ الحقوق.