صمود وانتصار

عيدُ الأضحى رمزُ التضحيةِ والفداء

مقالات|الصمود|

رئيس الهيئة العامة للأوقاف السيد العلامة عبدالمجيد عبدالرحمن الحوثـ ـي:

هل نعرف ما هو عيد الأضحى؟
و لماذا شرعه الله؟!
و ماهو السر في أن شرع الله لنا ذبـاحة الأضاحي في هذا العيد المبارك ؟!

 

إن هذا العيد يحكي في طيّاته قصةً غريبة وعجيبة يتجلّى من خلالها عظمةُ الإيمان والمحبة الحقيقية للخالق جل شأنه.

 

هذه القصة حصلت قبل آلاف السنين:
حينما كان إبراهيم -عليه السلام- قد بلغ سنّ الشيخوخة، وزوجته كانت عقيما لا تنجب ولم يُرزَقا بالولد، وفي هذا العمر أراد الله أن يمنح إبراهيم و زوجته مولودا يملؤ عليهما حياتهما و يسعدان به بقية أيامهما في هذه الدنيا، فكان ما أراد الله ووُلد هذا المولود المبارك إسماعيل -عليه السلام- و نشأ يغمره حُبُّ والدين شفيقين؛ لأن هذا الولد هو كل ما يملكانه في هذه الحياة.

 

ولكن ما إن بلغ هذا الغلامُ مبلَغَ الرجال وصار قادرا على السعي مع والده في هذه الحياة، حتى ابتلى اللهُ هذا الوالدَ الشفيقَ بأعظم ابتلاء يمكن أن يُبتلى به بشر أو تتحمّله نفسيّةُ إنسان في هذه الحياة.

 

حيث أمر الله هذا الوالدَ أن يأخذَ سِكّينا ويذبـ ـح ولده وفلذة كبده وكل ما يملك في هذه الحياة، الولد الذي لم يأت إلا بعد طول انتظارٍ ويأسٍ من مجيئه (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ).

 

فلم يكن جوابُ الابن بأقلّ من تسليم الوالد لأمر خالقه ومولاه، بل كان جوابُه جوابَ الشابّ المؤمن الذي يسترخص حياته وإزهاق روحه على يد والده إن كان في ذلك رضاءٌ لخالقه ومولاه:

ۚ(قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [سورة الصافات : 102]

فيمضى الوالد في تنفيذ أمر خالقه ويستسلم الابن لمصيره فيأخذ الأب ابنه ويُضجِعه كما يُضجَع الكبشُ عند الذبح ويأخذ السكين؛ لينفذ أمر خالقه في ذبح ولده، ولكن وفي اللحظة الأخيرة تتدخّل الرحمة الإلهيّة لإنقاذ هذا الشاب المؤمن والشيخ الأوّاب من هذا البلاء العظيم، بعد أن حصل ما أراده الله لهما من النجاح في هذا الامتحان والابتلاء الذي لم يسبق له نظيرٌ في تاريخ الإنسانية؛ فالإنسان قد يُضحّي بولده ليُقتَل في سبيل الله على يد أعداء الله.

 

أمّا أن يقوم الأب بمهمّةِ ذبـ ـح ولده الوحيد، والذي جاء في آخر أيام عمر هذا الشيخ الذي قضى حياته يتمنّى هذا المولود، فهذا ابتلاء لا يتخيّله عقل الإنسان.
وبعدَ أن كان قد صدّق إبراهيمُ الرؤيا ونجح في الابتلاء العظيم كانت رحمةُ الله حاضرةً ونزلت الملائكة بكبش فداءٍ لنبي الله إسماعيل عليه السلام، ونال هو ووالده إبراهيم الخليل تلك الدرجة العظيمة باستسلامهما وانقيادهما لأمر الله وأبقت الرحمةُ الإلهيّةُ الولدَ لوالده:

 

(فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [سورة الصافات : 111]

 

ومن أجل استذكار هذه القصة وما تحمله من معاني التضحية والفداء في حب الله ورضاه شرع الله (عيد الأضحى المبارك)؛ احتفالا بهذا الانتصار الكبير، وشرع الله الأضحية؛ لتُذكّرنا برحمة الله وتدَخُّله بالفداء بالذبح العظيم لهذا الشاب المؤمن المحب لله والمتفاني في رضاه.

فهذه هي المعاني الإيمانية التي أراد الله أن نستلهمها من عيد الأضحى المبارك وهي معانٍ -للأسف- لا يعرفها أو لا يلتفت إليها معظمُ الناس؛
فعيدنا أيها الإخوة المؤمنون هو عيد الفداء والتضحية والنصر والعزة والامتثال لأوامر مولانا -سبحانه- مهما كلّفتنا من تضحيات.

 

أعاده الله علينا وعلى شعبنا وأمتنا في خير ونصر وعزة وأمن وإيمان، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.