صمود وانتصار

حرب السعودية غير المقدسة في اليمن (تحليل)

الصمود | متابعات | 10 / 3 / 2016 م

تحليل / ناصر الربيعي : معهد كارينجي للسلام

منذ بدأت السعودية حربها على الحوثيين في آذار/مارس 2015، برّرت تدخّلها بأنه واجب مقدّس واسع النطاق لمحاربة الشيعة وحماية الحكومة في المنفى. بيد أن اليمنيين يرون بصورة متزايدة في التدخل السعودي حملةً – حيث يُعتبَرون هم بمثابة أضرار جانبية – الهدف منها تعزيز نفوذ الرياض، ومجهوداً غير مدروس لتقديم محمد بن سلمان في صورة الشخصية النافذة التي ستتولّى مقاليد العرش في المملكة في المستقبل. من هذا المنطلق، لا يرى اليمنيون أي مبرّر أخلاقي أو قانوني للحرب السعودية المدعومة من الولايات المتحدة. الواضح بالنسبة إليهم هو التدمير المتعمّد للشعب والعاصمة – من دون جدوى، لأن الحرب فشلت في تحقيق الهدف السعودي في إضعاف الحوثيين. بل إن عمليات الحصار والهجمات الجوية التي تشكّل أساس الاستراتيجية السعودية تسبّبت بتعاظم الكراهية حيال السعوديين، كما أنها تدفع بأعداد متزايدة من اليمنيين إلى دعم الحوثيين يوماً بعد يوم.
ألحقت الحرب أضراراً كبيرة بالبنى التحتية – بما في ذلك الخزّانات والمطارات ومحطات التيار الكهربائي والجسور والطرقات والأسواق والمصانع والملاعب والمستشفيات. وقد تلقّى قطاع التعليم ضربة قوية، مع تضرُّر 39 جامعة و810 مدارس ابتدائية وثانوية، وإغلاق 3809 مدارس. نحو 85 في المئة من سكّان اليمن، وعددهم 27 مليون نسمة، هم بحاجة ماسّة إلى الغذاء والماء والدواء والمحروقات. هناك أكثر من مليونَين ونصف مليون نازح يمني، وقد تسبّبت الهجمات بسقوط أكثر من 23 ألف ضحية في صفوف المدنيين، بين قتيل وجريح – منهم آلاف النساء والأطفال – واستُخدِمت فيها أسلحة محظورة دولياً مثل القنابل العنقودية، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية.
على الرغم من هذا الدمار، فشلت الرياض في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. فالمستهدَفان الأساسيان، عبد الملك الحوثي وعلي عبدالله صالح، لم يتعرّضا لأي أذى، ويمكنهما التنقّل في أرجاء البلاد بحرّية نسبياً، ولا يزال نحو جميع القادة الحوثيين المعروفين أحياءً يُرزَقون. أبو علي الحاكم، القائد الميداني لقوات الحوثيين الذي فرضت الأمم المتحدة عقوبات عليه، يتنقّل من دون أي ضوابط في اليمن، متوجّهاً إلى عدن وصعدة والحديدة حيث يعقد اجتماعات مع قادة العشائر وينظّم تجمّعات موالية للحوثيين. في القواعد العسكرية التي سيطر عليها الحوثيون، لا تزال الصواريخ البالستية – منها صواريخ سكود وتوشكا والقاهر1 – على حالها وقيد الاستعمال. مع فشل السعوديين في القضاء على الحوثيين المستهدَفين، يتّضح أنهم يفتقرون إلى استراتيجية متماسكة أو حتى إلى المعلومات الاستخباراتية المطلوبة لشنّ عمليات داخل اليمن. عندما ينفّذ الحوثيون وحلفاؤهم عمليات في نجران وجيزان وعسير، تقصف مقاتلات “إف-16” السعودية، في أغلب الأحيان، أهدافاً غير تابعة لا للحوثيين ولا لحلفائهم في صنعاء أولاً – بما في ذلك منازل قياديين في الجيش يعرفون أنها فارغة – بدلاً من أن يقرّ السعوديون بأنهم لا يدرون من يقصفون.
إلى جانب مليارات الدولارات التي يتم إنفاقها على الحرب العسكرية، خصّصت السعودية مبالغ طائلة لدعم أفرقاء يمنيين تأمل بأن يتمكّنوا من مواصلة القتال بالنيابة عنها، بدءاً من الرئيس عبد ربه منصور هادي وصولاً إلى الآلاف من أبناء العشائر والسياسيين والمفكّرين في جنوب اليمن وشماله. بيد أن هذا التكتيك لم ينجح في ضمان الولاء الدائم، لا سيما وأن السعودية تتخبّط من أجل مواكبة النفقات المتزايدة. في تموز/يوليو 2015، تعهّد السعوديون بمنح راتب قدره ألفا ريال (530 دولاراً أميركياً) لكل جندي يمني يتم تجنيده في لجان المقاومة الشعبية في تعز، لكنهم أرجأوا تسديد الدفعات لأشهر عدّة من أجل التثبّت من الأسماء على القائمة.
حكومة محمد علي الحوثي غير المعترف بها هي، من نواحٍ عدّة، أفضل حالاً، على المستوى الداخلي، من الرئيس هادي وحكومته المدعومة من السعودية. لقد بات هادي، الموجود حالياً في الرياض، يعتمد بالكامل على الدعم الخارجي. أما الحوثيون، وعلى الرغم من افتقارهم إلى الشرعية الدولية، فتسجّل شعبيتهم ارتفاعاً مع كل هجوم جوي تشنّه السعودية. وقد بدأ عدد كبير من اليمنيين بتمجيد الأشخاص الذين لقوا مصرعهم في الحملة السعودية. فقد حوّلت مئات العائلات مراسم تشييع أنسبائها إلى حفلات زفاف. وفي بعض الحالات، تحتفل أمّهات بعض الشباب القتلى وكأنهن في حفل زفاف ويهنّئن أبناءهن الموتى وكأنهم عرسان. ويتباهى الآباء بأنهم مستعدّون لتقديم باقي أبنائهم كي يستشهدوا في سبيل الله والأمة في وجه “الغزاة والمحتلّين” السعوديين.
يستغلّ الحوثيون الدعم المستجِد لهم من أجل استقطاب اليمنيين الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه. في أيار/مايو 2015، سيطر الجيش اليمني، بدعم من العشائر، على عدد كبير من المواقع الاستراتيجية المهمة والقرى والمدن في نجران وجيزان وعسير. ومنذ منتصف كانون الأول/ديسمبر 2015، أطلقت القوات اليمنية صواريخ بالستية على مواقع حيوية داخل السعودية، على غرار مطار جيزان، ومنشآت أرامكو النفطية، وقاعدة الفيصل العسكرية. وقد لقي مئات الجنود السعوديين مصرعهم أو أصيبوا بجروح، وجرى توقيف العشرات منهم. وقد أعلن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، العقيد الركن شرف غالب لقمان، أن الجبهات الأمامية السعودية سقطت في أيدي الجيش اليمني، وأنه من شأن شنّ مزيد من الهجمات على هذه المحافظات أن يندرج في إطار القرار السياسي وليس العسكري. يُرجّع هذا الكلام صدى التصريحات التي صدرت عن السيد عبد الملك الحوثي في آب/أغسطس 2015، عندما قال إن التقدّم للسيطرة على مدن سعودية كبرى يشكّل “خيارات استراتيجية” من أجل ممارسة الضغوط على الرياض في حال لم يتوقّف العدوان السعودي.
دعماً لهذا الموقف، وقّع عدد كبير من أبناء العشائر – لا سيما في المحافظات الست المحيطة بالعاصمة صنعاء – “وثيقة الشرف القبلية” الحوثية في تشرين الأول/أكتوبر 2015 لمواجهة العدوان السعودي. وقد سعى الحوثيون إلى حمل أكثر من مليون يمني على دعم الوثيقة، وذلك عن طريق تنظيم تجمّعات سياسية في المدن والقرى في مختلف أنحاء البلاد، لا سيما في تعز ومأرب. منذ بدء التجمّعات في مطلع أيلول/سبتمبر 2015، وقّع أيضاً على الوثيقة زعماء عشائر وسياسيون ومفكّرون من المحافظات الجنوبية والشرقية يُقيمون حالياً في صنعاء، وقد وضع كثرٌ منهم خلافاتهم العشائرية جانباً وقدّموا الدعم العسكري والمالي. يعكس هذا الدعم العشائري تزايد شعبية الحوثيين وحلفائهم، في حين أن قسماً كبيراً من اليمنيين ينظر إلى حكومة المنفى بأنها تعتمد على الدعم من الأفرقاء الخارجيين.
صعود التطرف في اليمن
الأفرقاء الأكثر استفادة من التدخل السعودي في اليمن هم المجموعات المتطرفة، مثل القاعدة والدولة الإسلامية. كي تتفادى السعودية إرسال جنودها إلى الجبهات الأمامية، تقوم بإلقاء الأسلحة والأموال جواً إلى المقاتلين المحليين الذين يحاربون الحوثيين – والذين يتألفون من مجموعة واسعة من الأفرقاء منهم عشائر محلية، وأعضاء من حزب الإصلاح، ولجان المقاومة الشعبية الموالية للرئيس هادي، وبعض الأجنحة الانفصالية الجنوبية. وفقاً لشهود عيان في محافظات تعز وأبين وعدن، ألقت السعودية أسلحة وأموالاً عن طريق الإنزال الجوي، إلى مقاتلين يحاربون أحياناً إلى جانب تنظيم القاعدة، ومنهم مقاتلون في محافظة أبين يخضعون لقيادة عبد اللطيف السيد، القيادي السابق في تنظيم القاعدة الذي يقاتل إلى جانب لجان المقاومة الشعبية الموالية للرئيس اليمني المدعوم من السعودية، عبد ربه منصور هادي.
يعود هذا الأمر بالفائدة على تنظيم القاعدة الذي يواصل قتال الحوثيي في التوسّع نحو محافظات عدن وأبين وشبوة ومأرب وتعز في وسط البلاد. وكذلك قدّمت السعودية دعماً غير مباشر للجهود التي يبذلها تنظيم القاعدة عبر السماح له بترسيخ سيطرته على الأراضي في مناطق أخرى. في مدينة المكلا، نهب تنظيم القاعدة قواعد عسكرية ومصارف في نيسان/أبريل 2015، وأعلن إقامة إمارة في المدينة. وقد تمكّن التنظيم هناك من حكم المدينة إلى جانب مجلس عشائري محلي، بقيادة خالد بطارفي، حتى إنه أصدر صحيفة محلية جديدة تحت اسم “المسرى”. المكلا هي خامس أكبر مدينة في اليمن، وهي عاصمة محافظة حضرموت الغنية بالنفط، ولديها ميناء نفطي استراتيجي يديره الآن تنظيم القاعدة، وتعود إيراداته كاملةً إلى مقاتلي القاعدة.
بيد أن التصدّعات داخل تنظيم القاعدة ازدادت حدّة منذ مقتل ناصر الوحيشي، القائد الأول للتنظيم في اليمن، في غارة شنّتها طائرة أميركية من دون طيار في حزيران/يونيو 2015، ما خلّف فراغاً في القيادة. فقد اندلعت صدامات خلال اجتماع بين أنصار جلال بلعيدي، أحد القياديين البارزين في تنظيم القاعدة في أبين، وأنصار عبد اللطيف السيد، القيادي السابق في القاعدة الذي تحوّل قيادياً في لجان المقاومة الشعبية، والذي حمّله بلعيدي مسؤولية طرد القاعدة من أبين في العام 2012. نصب أنصار بلعيدي كميناً لسيارة السيد، ما أدّى إلى اندلاع صدامات عنيفة بين الفصيلَين في شوارع مدينة زنجبار.
هذه الانقسامات داخل التنظيم تزيد من حدّتها الخلافات بين المسؤولين الإماراتيين والسعوديين على خلفية تحديد المقاتلين المناهضين للحوثيين الذين يجب حجب الدعم عنهم بسبب تطرّفهم الشديد. ينتمي معظم المقاتلين والسياسيين والناشطين المناهضين للحوثيين، إلى جماعة الإخوان المسلمين والمجموعات السلفية التي تبدي القيادة الجديدة في السعودية رغبةً في دعمها. لكن الإمارات العربية المتحدة تعادي بوضوح هذه الجماعات، فقد تناوشت طوال أعوام مع الفروع المحلية والدولية لتنظيم الإخوان، وصنّفت الإخوان المسلمين والدولة الإسلامية وجبهة النصرة والحوثيين في خانة التنظيمات الإرهابية في تشرين الثاني/نوفمبر 2014. على سبيل المثال، بعدما قامت السعودية بإنزال مساعدات جواً إلى الزعيم العشائري حمود المخلافي – قيادي في لجان المقاومة الشعبية المناهضة للحوثيين والتي تقاتل إلى جانب عناصر القاعدة في تعز – عمدت الإمارات، في آب/أغسطس 2015، إلى إرجاء تقدُّم دباباتها المدرّعة من عدن إلى تعز احتجاجاً على الخطوة السعودية. وكذلك، رفضت الإمارات دعم أي من الشخصيات الإخوانية في عدن، حتى إنها اتهمت علناً حزب الإصلاح بسرقة المساعدات الإنسانية التي قدّمها الهلال الأحمر الإماراتي إلى النازحين. بل إن الإمارات تحارب هذه المجموعات عبر دعم الانفصاليين في الجنوب.
يحصد تنظيم الدولة الإسلامية منافع متزايدة جراء الصراع الداخلي في صفوف تنظيم القاعدة (والنزاع بين السعودية والإمارات). فالشباب المحبطون الذين يميلون إلى الانضمام إلى المجموعات المتطرفة يزدادون إحباطاً عندما يرون قادة الجهاد يتنازعون في ما بينهم. والخلافات الداخلية تجعل هؤلاء الشباب يزدرون المتورطين فيه ويرفضونهم معتبرين أنهم ليسوا جهاديين أصيلين. وهكذا فإن الخلاف داخل تنظيم القاعدة يدفع بمزيد من الشباب نحو الالتحاق بتنظيم الدولة الإسلامية – الذي لا تزال صفوفه مرصوصة أكثر كونه تنظيماً جديداً. كما أن الدولة الإسلامية – العدو المعلَن للسعودية والإمارات على السواء – بمنأى عن خلاف الدولتَين حول القاعدة والإخوان، ما يمنحها شرعية أكبر في نظر بعض اليمنيين.
منذ اندلاع الحرب، نجحت الدولة الإسلامية في استهداف نحو عشرة مساجد في صنعاء وصعدة، ما أسفر عن مقتل المئات من الزيديين والشافعيين. حتى إن تنظيم الدولة الإسلامية بدا أكثر قوة في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2015، عندما شنّ أربعة انتحاريين هجوماً على قاعدتَين للقيادة العسكرية السعودية-الإماراتية المشتركة بواسطة آليات مدرّعة مسروقة ومفخّخة، ما أدّى إلى مقتل خمسة عشر شخصاً في فندق القصر في عدن، في عملية كان القصد منها استهداف رئيس الوزراء خالد بحاح والوزراء في حكومته بعيد عودتهم من المنفى في الرياض. ومؤخراً، صعّدت الدولة الإسلامية هجماتها في عدن. ففي السادس من كانون الأول/ديسمبر 2015، اغتال التنظيم محافظ عدن، جعفر محمد سعد، بعد يوم واحد من اغتيال محسن علوان، رئيس المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة في عدن، وضابطين كبيرَين في جهاز الاستخبارات. تساعد هذه التطورات التنظيم على المضي قدماً نحو تطبيق رؤيته وإقامة محافظة “عدن-أبين” التي يريدها عاصمة له في اليمن. ومؤخراً، في 28 كانون الثاني/يناير الماضي، فجّر تنظيم الدولة الإسلامية سيارة مفخّخة على مقربة من القصر الرئاسي حيث يقيم هادي في عدن، ما أسفر عن مقتل 12 شخصاً.
في الوقت الراهن، لا يزال تأثير الدولة الإسلامية محصوراً في شكل أساسي في صنعاء والبيضاء وعدن، مع العلم بأن التنظيم يحظى بالدعم في مناطق أخرى خاضغة لسيطرة الحوثيين في الشمال الغربي. بيد أنه سيكون من الصعب جداً وقف هذا التقدّم، مع اكتساب تنظيمَي الدولة الإسلامية والقاعدة مزيداً من الدعم في صفوف المجموعات السلفية الغاضبة من الهزائم التي منيت بها على أيدي الحوثيين – ما يجعل المناورة السعودية شديدة الخطورة في المدى الطويل.
‫#‏امريكا_تقتل_الشعب_اليمني‬
‪#‎USAKillsYemeni‬