صمود وانتصار

كربلاء في فكر الشهيد القائد

مقالات|الصمود| عبد الرحمن مراد

تمُرُّ اليوم ذكرى عاشوراء بما يحملُه مدلولُها من أطياف شتى في الثقافات والعقائد العربية وغير العربية والإسلامية وغير الإسلامية، ولعلَّ عاشوراء كان حدَثاً عظيماً، حَيثُ يرتبطُ بحالة عضوية واحدة وهي رفض الظلم والطغيان، وهي حالة ممتدةٌ كما نلاحظ ذلك في الوقائع التاريخية الثابتة بالنص.

 

 

اليوم الكثير من البلدان تقيمُ مجالسَ العزاء وتتفاعل مع عاشوراء كحالة ثابتة تلطم فيها الخدود وتشق الجيوب وتشحذ آلات حادة حتى تخدش أجسادَها وتسيل منها الدماء، والبعض الآخر “أهل السنة” يراه يوماً مقدساً يقومون بصيامه، والكل يظل يتمحور حول عاشوراء كحدث عابر ثابت عدا الشهيد القائد الذي تجاوز الكل من أهل الديار الإسلامية من حَيثُ الرؤية والهدف ومن حَيثُ الدلالة.

 

السيد حسين بدر الدين يرى في عاشوراء وفي كربلاء حدثاً ثورياً ملهماً لا بُـدَّ من استلهام العِبَر منه وتأمله، فهو يقرأُ فيه تفريطَ أهل الحق من خلال تهيئة المجال لأهل الباطل بخذلان أهل الحق للحق وأهله، ويرى أن التفريط وعدم القيام بالحق خذلاناً مبينًا، لذلك فالثورة لا بُـدَّ أن تستمرَّ، من خلال القيام بالحق ونصرته وعدم التفريط، فالتفريط -كما يراه- ليس أكثرَ من تهيئة المجال لكي يحكمَه الباطلُ في كُـلّ زمان وكل مكان، ولذلك يقول: “إذا كان أُولئك لتفريطهم هيّأوا الساحة لأن يتولى يزيد فأنت هنا لتفريطك ستهيئ الساحة لأن يحكمَها بوش ولتحكمها إسرائيل، فيحكمها اليهود أَو ليس اليهود أسوأ من يزيد؟”.

 

هذه الفهم الثوري للحدث لم يقُلْ به أحدٌ من قبلُ، فكل الذين تفاعلوا مع واقعة الطف بكربلاء تفاعلوا معها كواقعةٍ ثابتة محزنةٍ تجدد أحزانهم، لكن لم نجد من يقرأ الحدث كثورة تحولية مُستمرّة ضد الظلم والطغيان يمتد عميقاً في التاريخ من عند نبي الله موسى مُرورًا بالرسول الأكرم محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام الذي تفاعل مع الحدث تفاعلاً ثورياً، وُصُـولاً إلى كربلاء كواقعة ثورية ظلت تشتعل جذوتها في كُـلّ زمان ومكان.

 

لم يقفِ الشهيدُ القائد عند كربلاء كحَدَثٍ باعثٍ على الحزن والألم، بل وقف عنده كحالة ثورية قادرة على توحيد الرؤية والاستبصار، فهو لا يستخدم خاصية التذكر والتجميع إلا لهدف ثوري كبير وهو توحيد الرؤية؛ مِن أجلِ أن تستعيد الأُمَّــة ألقها ومجدها وتحدث تحولاً وانتقالاً في مسارها وبحيث تفهم مَـا هِي عليه وتحاول أن تصنع ما يجب عليها أن تصنعه، ولذلك أسهب الحديث عن فلسطين وعلاقة العرب بأمريكا وضرب الأمثلة والشواهد في ملزمته التي بعنوان “دروس من وحي عاشوراء” التي ما وقف فيها عند تفاصيل كربلاء ووقائعها وسياقها التاريخي بل قرأها قراءة ثورية ذات عمق تحولي ثوري ومثل ذلك جوهر الحدث.

 

يقول في سياق الحديث في ملزمة عاشوراء: “يجب أن نعود إلى القرآن الكريم، وإلى تاريخنا وأن يكون إحياؤنا لهذه المناسبات استلهاماً للعبر والدروس لتصحيح فهمنا ونظرتنا… إلخ”.

 

ونحن اليوم مطالَبون أن نعيدَ القراءةَ للوقائع والأحداث، من خلال جوهر الحدث لا شكلياته الثابتة، فالحسين عليه السلام كان ثورةً لن تخبوَ جذوتُها حتى تخبوَ نيرانُ الطغاة، ولذلك فثورة الحسين تظل ملهمةً للمظلومين في كُـلّ زمان ومكان، فانتصار ثورة الحسين لم تكن في ظاهر النتائج للحدث بل في جوهر الحدث من خلال قدرته على الاشتعال والتجدد.