الصمود | أمة الملك الخاشب| نسمع كَثيراً جملة (الإمام زيد قُدوة المستبصرين) فلماذا زيد بن علي -عَلَيْـهِ السَّـلَامُ- هو قُدوة المستبصرين وماذا تعني هذه العبارة وما حاجتنا بها في زمننا هذا؟ ولماذا لا تزال آثار تلك العبارات التي أطلقها الإمام زيد بن علي عليهما السلام باقية حتى يومنا هذا؟ وماذا تعني البصيرة؟ ولماذا كان يحث الإمام زيد على البصيرة البصيرة ثم الجهاد.
البصيرة هي البينة التي يهتدي الإنسان بسَببِها وَهي آلة التمييز بين الحق وَالباطل وَجمعها “بصائر” قال الله عز وجل: ﴿هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
والبصيرة هي نور في قلب الإنسان المؤمن وَرؤية ثاقبة وَنافذة تصل إلى بواطن الأمور وَحقائقها فلا يقع فريسة سهلة لما يروج لها العدوّ من مبرّرات وذرائع واهية تبرّر للناس السكوت عن مواجهة العدوّ، فحرب المصطلحات والمفاهيم وتوظيف الآيات القرآنية والأحاديث المكذوبة على النبي الأكرم -صلوات الله عليه وآله- لخدمة مصالحهم تعتبر من أهم حروبهم الناعمة التي يهيؤوا بها النفوس ويروضوا الشعوب لتقبل بهم كأمرٍ واقع مفروض على الأُمَّــة، لكي نتركهم يسعون للإفساد بكل قدراتهم ونظل كشعوب صامتين بل وقد نصل إلى دعمهم والقتال تحت رايتهم؛ مِن أجلِ تحقيق مصالحهم وتمكينهم من غزونا ونهب ثرواتنا وهذا ما يحصل للأسف في واقعنا والكارثة الكبيرة أن هناك فئة من الشباب مضلل عليها وقعت تحت تأثير ألاعيبهم وخدعهم وصدقوا أنهم يجاهدون في سبيل الله وهم في حقيقة الأمر يقاتلون ومجندون في سبيل أمريكا وتزهق أرواحهم وهم تحت راية السعوديّ أَو الإماراتي الذي هو بدوره جندي تحت راية السيد الأمريكي.
فالبصيرة هي الثبات على المبادئ والقيم الراسخة التي تجعل من يقين الإنسان بحقيقة من يواجه وحقيقة مفاهيم الجهاد كما هو يقين الإمام علي –عليه السلام- وهو يقول لو كشف لي الغطاء ورأيت الجنة والنار ما ازددت يقينا؛ لأَنَّه كان على يقين ثابت غير مهزوز بحقيقة القرآن والجنة والنار.
ونحن -العبادَ المستضعفين- ما أحوجنا أن نعيدَ دعاءَ (واجعل يقيني أفضلَ اليقين).
لو كان الناس على بصيرة كافية لما استطاع العدوّ غزونا ولا احتلالنا ولا نهب ثرواتنا ولا السعي بالفساد بين مجتمعاتنا، فعندما نراجع ونحيي المفاهيم الراسخة في جهاد الأئمة السابقين كالإمام الحسين وزيد وغيرهما، نجد كُـلّ ما حصل في الماضي مرتبطاً بالواقع المعاصر وامتداداً له، فكلما رأينا مئات القتلى من اليمنيين من مجندي جيش التحالف الذي يطلقون عليه بالجيش الوطني وما هو إلا جيش عميل خائن تابع للأجنبي ولكنهم لا يستطيعون تسميةَ الأشياء بمسمياتها حتى يستقطبوا المغفلين نجدهم يسقطون قتلى في الجبهات إما بغارات صديقة حسب ما يطلقون عليها أَو على أيدي رجال الله الذين يقاتلون على مبادئ راسخة وتحت راية عَلَمِ هدى يوجههم ويذكرهم ويقودهم لتحرير أوطانهم من دنس المحتلّ وليرفعوا راية (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) بحثاً عن الدولة العزيزة الكريمة التي يطمح لها كُـلّ مسلم والتي لا يمكن تحقيقها إلا بالوصول للاستقلال التام وكسر يد الأجنبي من التدخل في شؤون البلاد.
نعود لإمام الجهاد الإمام زيد الذي رفض السكوت على واقع الظلم والامتهان الذي كانت تعيشه الأُمَّــة آنذاك بعد تفريطها بجده الإمام الحسين، نشأ في كنف أبيه زين العابدين الإمام السجاد الذي كان لا ينسى أباه الحسين وهو يدعو الله ويناجيه وهو يعلم الأُمَّــة ويجهزها للتحَرّك في وجه الطغاة الفاسدين، هو حليف القرآن الذي قال عن نفسه عندما كان ينصحه البعضُ بالسكوت (واللهِ ما يدعني كتابُ الله أن أسكُتَ) وهو الذي وصى ابنه يحيى بأن يقاتلهم ويجاهد في سبيل الله ولو لم يكن إلا هو وحده مهما تقاعس الناس عن نُصرة الحق.
فقد فعلها أهل الكوفة معه كما فعلوها مع جده الحسين والسبب هو عدم البصيرة وعدم الثبات وعدم القناعة بأحقية قضيتهم في مواجهة طواغيت عصرهم، خَاصَّة مع الأراجيف والإشاعات والفبركات التي كان ينشرُها الأمويون آنذاك، وعدم الاستفادة من دروس كربلاء وعاقبة التخاذل الوخيمة التي دفعت ثمنها الأجيال جيلاً بعد جيل وحتى يومنا هذا فكانت كُـلّ أُمَّـة تخذل إمامها هي أسوأ من الأُمَّــة التي سبقتها؛ لأَنَّها عرفت عواقبَ التخاذل وكرّرت المأساة.
البعض الذي لا مبادئ له ولا بصيرة كان يقاتل مع الإمام علي في صفين وكانت نهايته بأنه كان من الخاسرين البائسين الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين بن علي! وهذه من عواقب القتال دون بصيرة، وفي واقعنا الحالي للأسف هناك حفاظ قرآن تربوا في مدارس الوهَّـابية على أنهم هم المجاهدون الإسلاميون ولكن خاتمتهم بأن قتلوا مجندين تحت راية الأمريكان في حربها مع السوفيت أَو في حربهم في سوريا أَو في اليمن أَو في ليبيا، وهذا دليل قيام البصيرة والقُدوة والمبادئ الراسخة الثابتة التي لا تغيرها الأحداث والوقائع.
ولهذا نحيي ذكرى الإمام زيد والإمام الحسين ونحيي كُـلّ ما له علاقة بواقع الأُمَّــة حتى لا نكرّر الكوارث التي حصلت للأجيال السابقة وحتى نستطيع مواجهة أشرار الأُمَّــة وطُغاتها، ونزداد يقيناً بأن التمسك بأعلام الهدى في زماننا هذا هو المنجى الوحيد من الهلاك والضياع والتيه فهم سفن النجاة وذلك كما ذكرت آنفاً لكثرة المضللين من شياطين الإنس من يلبسون الحق بالباطل حتى يهلك كُـلّ يوم مئات بل وآلاف الناس وهم في ضلال بينما كانوا يظنون أنفسهم من المجاهدين، فالطريق الوحيد للجهاد هو طريق آل بيت النبي وما دونهم هو فقاعات سرعان ما سيتخلى أصحابها عنها ومبادئ سرعان ما سيتم استبدالها حسب المصالح الدنيوية.