تحرير اليمن من الوصاية وقوى الفساد .. إنجازات تاريخية لثورة 21 سبتمبر
تقارير|الصمود|
كثيرة هي الانجازات والتحولات التي شهدها اليمن منذ قيام ثورة 21 سبتمبر على كافة المستويات السياسية والاقتصادية وغيرها، إلا أن تحرير البلد من الوصاية والتبعية للخارج، وتخليصه من قوى الفساد التي ظلت تتقاسم وتعبث بخيراته وثرواته لعقود من الزمن، يعد المنجز الأهم للثورة المجيدة.
ظل الشعب اليمني، يعاني ويلات الفقر والجهل لعقود من الزمن حتى بعد قيام ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، نتيجة تسلط بعض القوى المحلية المرتهنة للسعودية وأمريكا على البلد وثرواته، خصوصا بعدما تمكنت تلك الأطراف من الالتفاف على أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر في بناء دولة قوية حرة ومستقلة تحقق تطلعات وآمال اليمنيين.
وبينما شهدت غالبية دول المنطقة والعالم نهضة اقتصادية وحضارية، ظلت القوى المحلية العميلة منشغلة بمصالحها الخاصة وتنفيذ أجندات الخارج الرامية لإبقاء اليمن كما هو عليه من الفوضى والتبعية السياسية والاقتصادية للخارج.
إذ كان اليمن، مجرد تابع أو حديقة خلفية لبعض القوى الإقليمية والدولية وعلى رأسها السعودية التي ظلت تشتري ولاءات الأنظمة المتعاقبة بعد ثورة 26 سبتمبر عبر ما يسمى باللجنة الخاصة، وتمنح المرتبات والميزانيات الخاصة للمشايخ والنافذين وتمكنهم من كل خيرات اليمن مقابل إضعاف الدولة ومؤسساتها وتحويلها إلى كيان تابع ومسلوب القرار السياسي والاقتصادي.
تجلت الهيمنة السعودية الأمريكية على اليمن، بتدخلها المباشر في السياسات العامة للدولة والمناهج التعليمية والخطاب الإعلامي الرسمي والإرشادي حتى على مستوى المساجد التي كانت تسعى لتدجين الشعب اليمني وتكريس حالة الولاء لأمريكا وغيرها من أعداء الأمة وصولاً إلى التدخل في شؤون الجيش وتفكيكه واختراق الأجهزة الأمنية وزراعة العناصر الاستخباراتية والإرهابية فيها.
وبانضمام قوى الفساد والعمالة إلى ساحات الاعتصام والمظاهرات التي اندلعت في العام 2011م فشلت ما سميت ثورة الشباب في فبراير من العام نفسه في تلبية طموحات الشعب اليمني الرامية إلى تغيير النظام الفاسد والخلاص من الوصاية والهيمنة الخارجية والنهوض باليمن اقتصاديا وتحسين واقعه المعيشي المرير الناتج عن سوء الإدارة وفساد الأنظمة الحاكمة وارتهانها للخارج.
سارعت السعودية كعادتها إلى التدخل لحماية عملائها من خلال طرح ما أسمتها “المبادرة الخليجية” لتوفير الحماية للفاسدين من قيادات الأحزاب وغير ذلك من البنود الخطيرة التي تضمنتها المبادرة مثل هيكلة الجيش وتقسيم اليمن إلى كيانات ضعيفة تحت مسمى الأقلمة، ليتسنى للرياض وحلفائها الاستمرار في تنفيذ مخططاتها وأطماعها في اليمن.
استمرت حكومة الوفاق أو ما سميت بحكومة “المحاصصة” التي أفضت عنها المبادرة الخليجية نحو ثلاث سنوات تغلغل خلالها الفساد في مؤسسات الدولة والتهم كل مقدرات البلد وجعلها عاجزة عن القيام بوظائفها، حيث شهد اليمن خلال تلك السنوات الكثير من الأزمات الاقتصادية التي طاولت كل مجالات الحياة وأدت إلى ارتفاع الأسعار وتراجع المستوى المعيشي لغالبية المواطنين.
ونتيجة لتلك التراكمات تحولت العاصمة صنعاء وكل المحافظات اليمنية إلى ساحات للتفجيرات الإرهابية التي استهدفت المساجد والمعسكرات والأماكن العامة، إلى جانب إنتشار جرائم الاغتيالات للشخصيات السياسية والأكاديمية والنخب وضباط الأمن والجيش وصولا إلى اقتحام مقر وزارة الدفاع (العرضي) وغير ذلك من الجرائم التي ارتكبتها العناصر الإرهابية في تلك الفترة.
وعلى مستوى السيادة الوطنية، شهد اليمن خلال تلك الفترة إسقاط العديد من الطائرات المدنية والعسكرية وتدمير الأسلحة الاستراتيجية والصواريخ الدفاعية للجيش وتعطيل منظومات الدفاع الجوي والسماح للطائرات الأمريكية بانتهاك الأجواء اليمنية واستهداف الكثير من المناطق اليمنية تحت مسمى محاربة الإرهاب الذي هو جزء لا يتجزأ من المؤامرة الإقليمية والدولية على اليمن.
أما قيادات الدولة والأحزاب آنذاك فتحولوا إلى مخبرين وعملاء للسفيرين الأمريكي والسعودي في صنعاء اللذين تحولا إلى حاكمين فعليين للبلد.
انتهجت “حكومة الوفاق” التي تشكلت في الأساس على تقاسم المناصب بين شركاء الفساد بدءا بالوظائف العليا وحتى المستويات الدنيا، سياسة الجرع السعرية المفروضة من البنك الدولي بنسب مرتفعة وجائرة، انعكست سلبا على الفئات الفقيرة ومتوسطة الدخل، خصوصا أنها تزامنت مع ظهور المزيد من الأزمات المعيشية والاقتصادية والخدماتية المفتعلة مثل استهداف الكهرباء وإخفاء المشتقات النفطية في سياق سياسة عقابية هدفها كسر إرادة الشعب اليمني الرافض للفساد والذي ظل يعبر عن طموحاته من خلال المسيرات السلمية منذ العام 2011 وحتى 2014م.
وفي أغسطس 2014م، دعا قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، أبناء الشعب اليمني إلى الخروج الثوري الواسع في مختلف المحافظات، لتحقيق أهداف الثورة الرئيسة والمتمثلة في إسقاط الجرعة والحكومة الفاسدة وتنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني المتوافق عليها والتي قام الفار هادي لاحقا بتعديها وفقا لرغبات السعودية وأمريكا، رغم اعتراض مكون أنصار الله عليها وخصوصا ما يتعلق بتجزئة اليمن إلى ستة أقاليم.
وبنجاح ثورة 21 سبتمبر، تحقق لليمن وشعبه الكثير من المنجزات التي كان من أبرزها اسقاط مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم متناحرة، وتفويت الفرصة على الخارج في استغلال احتجاجات عام 2011م لدعم الفساد والنهب وتغذية الكراهية والصراعات المذهبية كما يحدث على الساحة الإقليمية ليتسنى له السيطرة على أجزاء كبيرة من اليمن ونهب ثرواته النفطية والسمكية كما يحدث الآن في المحافظات الجنوبية المحتلة.
لم يكن ينقص اليمن، الغني بثرواته الطبيعية والبشرية وموقعه الجغرافي المهام سوى الإرادة والعزيمة واستعادة قراره المسلوب، والانحياز المطلق إلى الشعب ومظلوميته اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا إلى جانب نصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية وهي الأهداف والمبادئ التي انطلقت منها ثورة 21 سبتمبر 2014م، وحولتها إلى استراتيجيات وخطط عمل واقعية على الرغم من الحروب العسكرية والاقتصادية الشرسة التي تعرض لها اليمن، منذ لحظة سقوط قوى الفساد المرتبطة بالخارج.
تبنت الثورة، الكثير من الأهداف المهمة والهادفة للتأسيس لمرحلة جديدة من البناء والتنمية والنهوض بالبلد وفق خطط استراتيجية تواكب متطلبات التنمية وتحقق طموحات الشعب اليمني في قيام دولة قوية حرة ومستقلة.
تميزت ثورة 21 سبتمبر، بنهجها السلمي والتسامح حتى مع من وقفوا ضدها وسعت عبر لجانها الثورية للحفاظ على مؤسسات الدولة، وهو ما أكسبها تأييدا جماهيريا كبيرا كونها أول ثورة عربية حقيقية انطلقت بإرادة وطنية.
وحرصا من قيادة الثورة، على الشراكة السياسية مع كل القوى الوطنية على الساحة نصت وثيقة السلم والشراكة التي جاءت بها ثورة 21 سبتمبر على تشكيل حكومة كفاءات وشراكة وطنية بالإضافة إلى محاربة الفساد واستعادة موارد البلاد من أيدي العابثين والناهبين والتي وقعت عليها كل القوى والأحزاب السياسية وحظيت بتأييد أممي ودولي، إلا أن الأنظمة الطامعة في ثروات ومقدرات اليمن، اعتبرت ثورة 21 سبتمبر خطرا داهما لا بد من مواجهته، ولكن تحت عناوين وذرائع غير واقعية.
كان من بين الذرائع، التي استخدمتها قوى العدوان لشن الحرب على اليمن ومحاولة إفشال ثورة 21 سبتمبر، تخويف الخارج من تبعات وصول القوى الوطنية الحرة إلى السلطة على أمن الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، والذي تحول إلى ذريعة للتدخل العسكري المباشر في اليمن خلال شهر مارس 2015م، والإجهاز على ما لم يتسن تدميره عبر الفوضى والأدوات المحلية المرتبطة بالخارج.
وعلى الرغم من أن الحصار والحرب الاقتصادية التي تشنها دول العدوان بالتزامن مع حربها العسكرية على اليمن ساهم في إبطاء مسار التحول الاقتصادي المرسوم ضمن أهداف ثورة 21 سبتمبر نوعا ما، غير أن الكلفة الاقتصادية الأكبر كانت من نصيب دول العدوان.
كما لم يقف الشعب اليمني الصامد متفرجاً على ما تقوم به دول العدوان من تدمير ممنهج لمقدراته وبنيته التحتية بل عمل طيلة سنوات العدوان على تطوير قدراته الذاتية في التصنيع العسكري الذي مكنه من تنفيذ عمليات الردع في العمق السعودي وإصابة الأهداف الاقتصادية الحيوية داخل المملكة وبالتالي مضاعفة خسائرها الاقتصادية.
وتماشيا من التطور الملحوظ في الإنتاج والتصنيع الحربي، أطلقت حكومة الإنقاذ الوطني الكثير من الرؤى والاستراتيجيات والبرامج الوطنية التنفيذية للإنعاش والتعافي الاقتصادي الهادفة إلى تشجيع الإنتاج المحلي في القطاعات الزراعية والصناعية والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي في غضون السنوات المقبلة.
مثلت الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، التي أطلقها المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني ترجمة واقعية لمواجهات وتوجيهات قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين، الهادفة إلى نقل اليمن من حالة الفقر والبطالة وتباطؤ التنمية والعجز المالي إلى واقع اخر يلبي تطلعات وآمال كل أبناء الشعب اليمن.
كما شكلت الرؤية، خارطة طريق يعمل الجميع من خلالها على تحقيق حزمة من الأهداف والاستحقاقات الوطنية المهمة والضرورية للمرحلة وعلى رأسها تعزيز الصمود والتماسك الاقتصادي والاجتماعي كضرورة لمواجهة الآثار والتداعيات الخطيرة للعدوان والحصار.
واشتلمت الرؤية، على الكثير من الاستراتيجيات والخطط والبرامج التنفيذية اللازمة للإنعاش والتعافي الاقتصادي والتي تم اعدادها وفق رؤى ودراسات علمية، تضمنت تشخيصا دقيقا للواقع الحالي في ظل العدوان والحصار، وكذا السبل الكفيلة بالنهوض والانطلاق نحو مستقبل تنموي واعد في بلد مليء بالثروات والإمكانات والقدرات.
ساهمت الرؤية الوطنية والبرامج التنفيذية المصاحبة لها، في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتصحيح الكثير من الاختلالات الهيكلية التي سادت العمل الحكومي طيلة عقود من الزمن، وجعلت من اليمن بلدا مستهلكا ومعتمدا على الاستيراد لتغطية كل احتياجاته.
شهد اليمن منذ العام 2014م، الكثير من الإصلاحات التشريعية الخاصة بأداء المؤسسات بما يمكنها من مواكبة التطورات الحاصلة في مجال عملها، حيث وجه رئيس المجلس السياسي الأعلى فخامة المشير الركن مهدي المشاط، حكومة الإنقاذ الوطني بمراجعة كافة القوانين واقتراح التعديلات المطلوبة بهدف مواكبة وتنفيذ مهامها لخدمة المواطنين وتحقيق التنمية المستدامة في البلاد.
وبإشراف ومتابعة مستمرة من قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي الأعلى، دخلت مؤسسات الدولة في معتركات كثيرة لتلبية احتياجات المواطنين تشمل مجالات متعددة منها إصلاح المنظومة القضائية والسلطة المحلية، ومكافحة الفساد وإدارة الشكاوى وغيرها من الإصلاحات التشريعية والإدارية والاقتصادية المرتبطة بأداء مؤسسات الدولة، والتي قابلها ارتياح كبير لدى المواطنين.
وبالتزامن مع ذلك تبنت الدولة والحكومة، سياسات مالية واقتصادية فاعلة أسهمت بشكل مباشر في الحفاظ على سعر صرف العملة في المحافظات التي يديرها المجلس السياسي الأعلى، بينما واصل الريال الانهيار في المحافظات الجنوبية المحتلة متسبباً في تراجع الوضع الاقتصادي واتساع دائرة المعاناة المعيشية والإنسانية للمواطنين في تلك المحافظات.
وانطلاقا من أهداف ثورة 21 سبتمبر، حققت السياسات الاقتصادية والمالية الكثير من الإصلاحات على الرغم من افتقارها للمصادر الايرادية الأساسية المتمثلة بعائدات النفط والغاز والموانئ والمنافذ والثروة السمكية وغيرها التي تنهبها دول العدوان ومرتزقتها منذ العام 2015م.
شملت الإصلاحات الاقتصادية، تخطيط وترتيب أولويات الانفاق وتوجيه جزء منها لدعم المشاريع الإنتاجية المعززة للاكتفاء والأمن الغذائي للشعب اليمني، كشرط أساسي للتحرر من التبعية الاقتصادية للخارج، التي كانت سائدة قبل ثورة 21 سبتمبر.
ولتحقيق هذا الهدف، أطلقت الحكومة العديد من البرامج الهادفة، للتغلب على الآثار الاقتصادية التي خلفها العدوان والحصار، بما يسهم في الحد من الاستيراد للحبوب والمنتجات الزراعية من الخارج.
ففي هذا الإطار تم تشكيل اللجنة الزراعية والسمكية العليا وتفعيل دور مؤسسات إنتاج الحبوب والمشاركات المجتمعية، بهدف تقديم كافة التسهيلات للمزارعين وتشجيعهم على التوسع في زراعة المحاصيل الزراعية.
فيما أصدر رئيس المجلس السياسي الأعلى، قراراً بإعفاء أنظمة ومدخلات الطاقة الشمسية من الرسوم الضريبة والجمركية من أجل تشجيع المزارعين على التوجه نحو استخدام الطاقة المتجددة بدلا من المصادر التقليدية القائمة على المشتقات النفطية وبالتالي كسر الحصار المفروض على اليمن، وتخفيض فاتورة شراء الوقود بالعملة الصعبة فضلا عن خفض تكلفة الإنتاج الزراعي على وجه الخصوص بما يسهم في تحقيق نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي وزيادة الناتج المحلي وتحسين بيئة الاستثمار وتشجيعه.
وعلى الرغم من استمرار القصف والحصار، يواصل الشعب اليمني ترجمة أهداف ثورته والسير في طريق البناء والتنمية وتحقيق النمو من خلال الانتقال بالعمل الاقتصادي إلى طور متقدم يتجاوز التأثر والمرافقة إلى امتلاك القدرة على التخطيط والتنفيذ العملي والتأسيس لمستقبل اقتصادي ظل ينشده أبناء الشعب اليمني منذ عقود