صمود وانتصار

ثورة ٢١ سبتمبر .. النص الذي كسر تسلط السردية الإمبريالية

مقالات|| الصمود|| إبراهيم محمد الهمداني

أفاقت الشعوب العربية بعد رحيل الاحتلال العثماني، على فاجعة استعمار جديد، جاء ليتقاسم تركة الرجل المريض، كإرث استعماري مستحق، وبدأت الشعوب تدفع فاتورة الصراع العالمي، الذي لم يكن لها فيه ناقة ولا جمل، سوى أنها كانت ساحته وضحيته، وبسقوط حلم الخلافة الإسلامية، الذي وزعته بريطانيا على الشعوب العربية ،اكتشفت هذه الأخيرة أنها ساهمت في إخراج مستعمر، ليحل محله مستعمر آخر، لا يقل عنه هيمنة وقمعاً وغطرسة.

 

فكانت الثورات العربية في العصر الحديث، ضد الاستعمار الغربي والأوروبي، بمثابة فعل الضرورة الملحة، خاصة بعد توافر شرطيها؛ الذاتي – المتمثل في الرغبة في التحرر – والموضوعي – المتمثل في امتلاك المشروع والرؤية الخاصة لحكم البلاد، وبذلك بدأت تلك الثورات تنزل أقسى الضربات بالمستعمر، رغم استخدامه للقوة المفرطة، وكل أساليب القمع والإبادة والتوحش، لكن أدرك أخيراً أن إرادة الشعوب لا تقهر، فلم يسعه إلَّا النزول عند رغبة الشعوب، بعد أن زرع عملائه في صفوف الثوار وقادة الثورات، وبواسطتهم استطاع أن يقضي على الثوار الأوائل الوطنيين المخلصين، وعاد من خلال عملائه ليمارس وصايته الاستعمارية، في ثياب الصديق والمستشار والمساعد،الذي لايبخل بخبراته، كما لا يبخل بأمواله المسمومة التي يقدمه كمساعدات وقروض، تعزز حضوره ونفوذه، وسيطرته على القرار السياسي للبلاد، من وراء حجاب الأنظمة الحاكمة العميلة.

 

 

وتتوالى الأحداث والوقائع والتحولات على الصعيد المحلي والإقليمي حسب ما رسمته اليد الخفية الإمبريالية، وما وضعته مخططاته الاستعمارية، دون أن تشعر الشعوب، أنها مجرد أدوات، تمضي في صناعة الأحداث والمتغيرات، وفقاً للضبط الإمبريالي المسبق، بينما لعبت الأنظمة الحاكمة دوراً أكثر جرأة وعمالة، حيث قدمت التسهيلات الكبرى للقوى الاستعمارية، وأباحت لها البلاد والعباد، نهباً للثروات وإفساداً للإنسان، تحت مبررات وذرائع واهية وقبيحة، ولذلك كانت الأنظمة العربية الحاكمة، نسخة طبق الأصل من سيدها المستعمر المستبد الديكتاتور.

 

 

وبعد مرور عشرات السنوات، بدأت فاعلية أدوات المستعمر الحاكمة تتلاشى، وبريقها يزول، ونالها من الشيخوخة ما جعلها في نظر القوى الاستعمارية بيادق محترقة، والرهان عليها خاسر سلفاً، وكانت الخطة البديلة، التي وضعتها القوى الإمبريالية، تقتضي إذكاء نار الثورات الشعبية، كرغبةٍ جمعيةٍ للإطاحة بالحكام الفاسدين، بعد أن ضاقت بالمجتمعات سبل العيش والحياة الكريمة، وكانت ثورات الربيع العربي، ركيزة التحول في السيناريو الإمبريالي، للوصول إلى الهدف المنشود، وإيجاد عملاء جدد، بعد تفكيك الجغرافيا إلى كينتونات صغيرة، والمجتمعات إلى كيانات عنصرية وطائفية متناحرة، وتمت ثورات الربيع العربي، بأيادٍ عربيةٍ، وتوجيه وإشراف عبري إمبريالي مشترك، ولم تكن الشعوب العربية تتوقع لحظة واحدة، أن المستفيد الأول من تلك الثورات هو العدو الإمبريالي الصهيوأمريكي وشركاؤه، الذين احتووا تلك الثورات بعد سقوط الأنظمة العميلة، بعد تعهد العملاء الجدد بالولاء والطاعة لمحور الشر الإمبريالي، وضمان سيادته المطلقة وأولوية مصالحه، وتحقيق نفوذه ويده الطولى في المنطقة العربية عموماً، والعمل الحثيث ضمن مشاريعه الاستعمارية، وفي مقدمتها تمكين الكيان الصهيوني من السيادة على منطقة الشرق الأوسط كاملة.