الخيواني .. المثقف الموقـف
الصمود | أقلام حرة | 19 / 3 / 2016 م
بقلم / عبدالله علي صبري
بسم الله الرحمن الرحيم
يعجز القلم عن التعبير في حضرة شهيد الوطن وضمير الكلمة الحرة الأستاذ عبد الكريم الخيواني، الذي لا يزال وسيظل حاضرا بيننا بمواقفه السياسية والإنسانية، وباقتداره الصحفي في معارضة الفاسدين والمستبدين ومصاصي الدماء والثروات.
لقد أحدث الشهيد ثورة في الصحافة، كما نقل بالمعارضة السياسية في زمنه إلى طور مختلف يتسم بالصراحة والجرؤة، ومخاطبة رأس هرم السلطة دونما تهيب أو تردد، ودونما خشية من عواقب ومآلات القفز على الخطوط الحمراء، التي جلبت للشهيد متاعب جمة، بين الاعتقال والاختطاف، وصولا إلى جريمة اغتياله النكراء في 18 مارس من العام الماضي.
ولقد قيل الكثير عن مآثر الشهيد ومواقفه، إلا أن المواقف السياسية تظل ذروة العطاء الوطني بالنسبة للشهيد، وهي التي جرت عليه الخصومات والعداوات من جلاوزة الاستبداد السياسي، وخاصة حين اقترب من عش الدبابير، وكتب عن ملف توريث السلطة، وعن حرب صعدة الأولى، فلم يهادن أو يجامل، بل أشار ببنانه إلى مكمن الوجع ممثلا في علي صالح وعلي محسن، رأس النظام السابق، وذراعه اليمين حينها.
وإذ حاول النظام السابق أن يثني الشهيد عن مواقفه الصادقة والجريئة، من خلال اعتقاله لفترة تزيد عن سبعة أشهر، فإن الراحل لم ينثني أو يتحول عن موقفه، بل خرج من معتقله وهو أكثر تصميما وإيمانا بضرورة مواجهة رأس الاستبداد مهما كان الثمن، كاتباً مقالته الشهيرة “سنواصل”.
ولم يكن سرا أن الخيواني تعرض للإغراء بالمال، وبالمناصب ، لكنه مانع وقاوم ورفض، مخلصا للقضية التي يؤمن بها، وملتزما للمبادئ والقيم التي دعا إليها، في تجسيد لمفهوم المثقف الحقيقي، الذي لا يكتفي بالتنظير عن بعد، وإنما ينخرط بين الجماهير قائدا ومقودا، حتى يتحقق التغيير المنشود.
ففي الثورة الشعبية 2011، كان الخيواني من السابقين إلى ساحة التغيير، ثائراً وملهماً للثوار، وفي أوج الثورة، وحين انشق النظام السابق على بعضه، وانضمت بعض القيادات السياسية والعسكرية إلى ثورة الشباب سارع الخيواني إلى التحذير من مغبة الترحيب من أمثال هؤلاء، مؤكدا أن الثورة ليست مغتسلا لتطهير المفسدين، وطي صفحة الماضي معهم!، وكان مجاهراً بمواقفه تلك، غير مباليا بالأصوات التي تتحدث عن وحدة الصف الثوري، إذ كان يهمه أولا وقبل أي شيء آخر أن تكون الثورة نقية كنقاء شبابها، والشعارات التي ترفعها.
وفي مؤتمر الحوار الوطني كان الفقيد منفتحاً على الحلول السياسية للقضايا والأزمات الوطنية، لكن بعيداً عن أنصاف الحلول. وقد حارب متشحاً أخلاق الفرسان في سبيل إنجاز مبادئ سليمة للعدالة الانتقالية تقوم على محاكمة مجرمي الحروب ومرتكبي الانتهاكات، واعترافهم بهذه الجرائم على الأقل، تمهيدا لجبر ضرر الضحايا، معترضاً على تسويق فكرة المصالحة الوطنية التي تغض الطرف عن المجرمين، وقد تصل في الأخير إلى تمييع حقوق الضحايا والمظلومين.
وإذ أنسى لن أنسى ذلك اليوم الأسود الذي أسدل فيه الستار على مؤتمر الحوار باغتيال عضو المؤتمر عن أنصار الله الدكتور أحمد شرف الدين، في فاجعة أليمة، استهدفت الحوار الوطني، والسلم الاجتماعي باليمن. ولما هرع هادي ليرأس الجلسة ويغطي على الجريمة، انتصب الخيواني برباطة جأش، وخاطب هادي ومستشاريه بلغة أخرى غير معهودة، محملاً إياهم المسئولية الكاملة عن عملية الاغتيال، ومعلناً انسحاب مكون أنصار الله من مؤتمر الحوار احتراماً لحق الحياة، وحتى ينعم اليمنيون بدولة توفر لهم الأمن والأمان.
ما زالت أمنية الخيواني في الدولة المدنية المقتدرة حلماً وحقاً مشروعاً لنا ولأبنائنا..وعهدا للخيواني ولشهداء اليمن الأبرار أن نواصل المشوار حتى نبني هذه الدولة، أو نلحق بهم على درب التضحية والشهادة.
فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا