الصمود| تحليل | لن تعيد زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العلاقات اللبنانية ــــ السعودية إلى سابق عهدها، ولن تدفع الرياض إلى فتح «الحنفية» التي اعتاد لبنان أن يعتاش منها مقابل الولاء المطلق. فالبيان المشترك الذي خرج بعد لقاء ماكرون ــــ ابن سلمان ليس سوى اشتباك مع حزب الله، نجح وليّ العهد السعودي في جرّ الرئيس الفرنسي إليه.
كيف سيُترجم البيان السعودي ــــ الفرنسي المُشترك بعد زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لجدّة والتي كان لبنان جزءاً من جدول أعمالها؟ وأيّ مفعول سيكون لهذه الزيارة على الأزمة الأخيرة التي افتعلتها السعودية.
هذان، وغيرهما كثير من الأسئلة طغت في اليومين الأخيرين على المشهد الداخلي، مع تظهير أن الرياض تعاملت مع استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي كبادرة حسن نية من لبنان، وفتحت باب «الرحمة» مجدّداً تجاهه، علماً بأن لا الاستقالة ولا الزيارة ستؤسّسان لعودة العلاقات اللبنانية ــــ السعودية. وليس أدلّ على ذلك من بيان «الانتداب السعودي ــــ الفرنسي» الذي لا يُمكن قراءته إلا من زاوية تسعير الأزمة مع لبنان، بطرحه عناوين سياسية «انقسامية» تصّب كلها في وجه حزب الله، تصفية لحساب قديم ــــ جديد.
أما ما قيل «عن مساعدات إنسانية للشعب اللبناني»، فيؤكّد أن استعادة لبنان لعافيته الاقتصادية ــــ المالية ليس من أولويات وليّ العهد محمد بن سلمان.
أول من أمس، أعلن ماكرون عن مبادرة فرنسية ــــ سعودية مشتركة لمعالجة الأزمة بين بيروت والرياض، مُشيراً إلى أنه تحدّث مطوّلاً مع ابن سلمان عن لبنان، وأنهما اتّصلا معاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وشدّدا على أن «السعودية وفرنسا ستلتزمان معاً العمل لدعم الشعب اللبناني والرغبة في أن تتمكّن الحكومة اللبنانية من الاجتماع والعمل بسرعة والقيام بالإصلاحات المطلوبة».
تلا هذا الإعلان موقف لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أشار فيه إلى الاتصال معتبراً أنه «خطوة مهمّة نحو إعادة إحياء العلاقات التاريخية مع المملكة العربية السعودية» وفقاً لتغريدة نشرها على «تويتر»، ومن ثم اتصالات أجراها رئيس الحكومة مع عدد من القوى السياسية أكد فيها أن ابن سلمان «كان إيجابياً جدّاً» معه، وأنه رحّب به وبزيارته المملكة «في أقرب وقت»، واعداً «بمساعدة لبنان والحكومة».
وقد خُيّل لميقاتي، كما لكثيرين، أن المبادرة الفرنسية ــــ السعودية هي خشبة خلاص للبنان من الانهيار الذي يواجهه، وأن الرياض قررّت أخيراً «الصفح» عن لبنان واللبنانيين والعودة الى «فتح الحنفية» التي اعتاد فريقها في لبنان أن يتغذّى منها سياسياً ومالياً.
إلا أن تدقيقاً صغيراً في البيان المشترك، كما في المواقف التي خرجت على لسان مسؤولين سعوديين وصحف سعودية، يؤكّد أن «السعودية لم تُغيّر في موقفها قيد أنملة»، بل أكثر من ذلك يبدو أن الرياض نجحت في جرّ ماكرون إلى تبنّي العنوان السياسي الذي تريده، وهو «الاشتباك مع حزب الله»، علماً بأن باريس حرصت بعد انفجار المرفأ ودخولها مباشرة على خط الأزمة على أن تبتعد عن تأزيم العلاقة مع حزب الله.
في الشق المتعلق بلبنان، جرى التشديد على «ضرورة حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية، وألّا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن المنطقة واستقرارها، ومصدراً لتجارة المخدّرات»، كما «على ضرورة تطبيق القرارات 1559 و1680 و1701، وأهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن لبنان واستقراره، وإنشاء آلية سعودية ــــ فرنسية للمساعدة الإنسانية في إطار يكفل الشفافية التامة»، والعزم على «إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني».