صمود وانتصار

امير الهزائم.. بن سلمان يخسر قضيتان امام سعد الجبري

الصمود | عادت لعنة المعارض، سعد الجبري، لتطارد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إذ خسر ابن سلمان، قرارين قضائيَين، في إطار المعركة الدائرة بينه وبين محمد بن نايف.

خسر محمد بن سلمان، الذي يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى متخصّص في المعارك الخاسرة أينما اتّجه، القضية التي رفعها ضدّ المُعارِض سعد الجبري في ماساتشوستس في الولايات المتحدة، ويتّهمه فيها (مستهدِفاً كذلك ضمناً ابن عمّه محمد بن نايف)، باختلاس 3.5 مليارات دولار من الأموال العامّة السعودية، خلال إدارة ولي العهد ووزير الداخلية السابق صندوقاً لـ«مكافحة الإرهاب». وجاءت هذه الخسارة بعدما حاجج الجبري بأنه يحتاج إلى كشْف وثائق بحوزته تمسّ بالأمن القومي الأميركي، حتى يستطيع الدفاع عن نفسه وتبيان الوُجهة التي صُرفت فيها الأموال، وهي أموال من خارج الميزانية، يُعتقد أنها أُنفقت بطلبات أميركية، ضمن عمليات سرّية سعودية – أميركية مشتركة تجري منذ سنوات طويلة، وبعضها مستمرّ حتى الآن. وقالت المحكمة في حُكمها صراحةً، إن الحكومة الأميركية استخدمت امتيازاً قانونياً يخوّلها منْع عرض تلك الوثائق أمام القضاء كونها تمسّ بالأمن القومي الأميركي، ما حَرم الجبري من حقّ الدفاع عن نفسه، وبالتالي رُفضت القضية المرفوعة من قِبَل شركة «سَكَب» التابعة لصندوق الاستثمارات العامّة السعودي الذي يديره ابن سلمان، والتي تطالب بتجميد ممتلكات اشتراها القيادي الأمني السابق في بوسطن.

مشكلة ابن سلمان مع الجبري، تكاد تكون واحدة من أعقد المشكلات التي تواجه صُعود الأوّل إلى المُلك، كون الأخير المقيم في كندا حالياً، محتضَناً من قِبَل الولايات المتحدة التي أمضى سنوات طويلة إلى جانب وزير الداخلية السابق، في خدمة سياساتها الأمنية في المنطقة. كما أنه يُعتبر صوتاً قوياً لمصلحة ابن نايف المسجون عند ابن سلمان، والذي لا يزال يمثّل التهديد الأوّل لصعود وليّ العهد إلى العرش متى تُوفّي الملك سلمان. وإذ يسعى ابن سلمان لإدانة الجبري في الفساد، فإنه يريد ضمناً تلطيخ صورة ابن نايف أمام الرأي العام السعودي عبر محكمة أميركية، كجزء من معركة انتزاع الشرعية التي لا يزال وليّ العهد السابق يتمتّع بها أمام الأسرة الحاكمة، وحتى داخل المؤسسات الأمنية الأميركية، في ظلّ غياب أيّ بديل لحُكم آل سعود حالياً. لكنّ النتيجة التي حصل عليها ابن سلمان هي خسارة كاملة، وتحويل المشكلة مع الجبري، الذي يُعتبر من القلائل أو حتى الوحيد الذي أفلت من قبضته عند تنفيذه انقلابه على ابن نايف في عام 2017، إلى أزمة مع الولايات المتحدة، بعدما اتّبع إزاءه أساليب العصابات، معتقِلاً ابنَيه عمر وسارة، على رغم كونهما قاصرَين وقت الاعتقال، إضافة إلى صهره سالم المزيني، واتّخاذهم رهائن لابتزازه.

يُضاف إلى ذلك، ما يقول الجبري إنها محاولة دبّرها ابن سلمان لاغتياله في كندا، عبر إرسال «فرقة النمر» لتنفيذ المهمّة، بعد أقلّ من أسبوعين على اغتيال الصحافي جمال خاشقجي على أيدي عناصر في الفرقة ذاتها في القنصلية السعودية في إسطنبول، بعد استدراجه من الولايات المتحدة، في حادثة دفعت إدارة جو بايدن – لحسابات سياسية – إلى وضْع أكثر من 70 سعودياً من المقرّبين إلى ابن سلمان على القائمة السوداء، واتّخاذ الرئيس الأميركي قراراً بعدم عقد أيّ لقاء أو اتصال مع وليّ العهد السعودي. وقبل أسبوع من حكم ماساتشوستس، فاز الجبري بقرار قضائي يأمر شركة الطيران الكندية وشركة «لوفتهازا» الألمانية، بعدم تدمير سجلّات المسافرين في الفترة التي يَشتبه المُعارِض السعودي بأن ابن سلمان حاول اغتياله فيها. وإذ رفض وزير السلامة العامّة الكندي، بيل بلير، التعليق على ادّعاءات محدَّدة في دعوى الجبري، فإنه قال إن الحكومة الكندية كانت على علم بحوادث سعى خلالها أشخاص أجانب لمراقبة كنديين أو أشخاص مقيمين في كندا، أو ترهيبهم أو تهديدهم.

ويروّج ابن سلمان لمَحكيّة تقول إن إدارة بايدن تقف في ظَهر سعد الجبري، لكنّ الأصحّ هو أن أميركا كدولة تحمي المُعارِض السعودي لصيانة أسراره، وربّما لمآرب أخرى، لأن استخدام امتياز طلب حجب الوثائق في المحكمة يجب أن يأتي من جهة مخوّلة قانونياً بهكذا طلب، وهي في مثل هذه الحالة المخابرات الأميركية. هذا فضلاً عن أن القاضي الذي أصدر القرار، ناثانيال جورتون، جمهوري وليس ديموقراطياً، كما حاول أن يروّج «الذباب الإلكتروني» الذي يقوده سعود القحطاني، ضمن رواية تفيد بأن ولي العهد «مستهدَف من قِبَل الديموقراطيين المتحالفين مع الإخوان المسلمين». وإذ شنّ «الذباب» حملة تخوين ضدّ الجبري عكست المأزق الذي وضع ابن سلمان نفسه فيه، فإن أحد أبناء المُعارِض السعودي، خالد، عبّر عن رضى والده على المكاسب المُتحقَّقة، حين قال إن غباء ابن سلمان أصبح أحد أسلحة العائلة.

لا يعني ذلك أن الولايات المتحدة ستعمل على الإطاحة بابن سلمان، لكنّه يعني أن وليّ العهد السعودي، من خلال سلوكه منذ تولّيه الحُكم الفعلي للمملكة في عام 2017، بات يمثّل عقبة في طريق العلاقات الأميركية – السعودية. وإذا كانت الخلافات بين حكّام آل سعود والإدارات الأميركية ليست جديدة على تلك العلاقات، فإن هذه الحالة هي الأشدّ منذ قيامها، وهي الأولى التي تدور حول شخص الحاكم، وبالتالي فإن تشجيع انقلاب عليه، إذا توافرت ظروف مؤاتية، يبقى احتمالاً لا يمكن حذفه. في المقابل، ستظلّ الولايات المتحدة تدعم النظام السعودي، وقرارات بايدن بالذات أقامت فصْلاً بين التعامل مع السعودية والتعامل مع ابن سلمان. كما سيظلّ بيع السلاح قائماً حتى للاستخدام في العدوان على اليمن، إن لم يكن الشراكة الأميركية الكاملة في هذا العدوان.

المصدر: الاخبار