صمود وانتصار

نيويورك ثم باريس.. أين ومتى المرة القادمة؟

معادلة هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في نيويورك وجدت اليوم إسقاطات لها في باريس.. إبّان تلك الهجمات روي لنا أن تنظيم “القاعدة” كان وراءها. رد فعل واشنطن كان سريعاً: وقع غزو أفغانستان ومن ثم العراق. نتيجة هاتين الغزوتين لا تحتاج إلى خوض في التفاصيل. يكفي أن نشير الى أن ما سُمي “الربيع العربي” غدا استمرارية لسياسة تدمير الدول العربية “المشاكسة” والإلقاء بالشرق الأوسطِ في دوامة “الفوضى العارمة” التي يصفها منظروها “بالفوضى الخلاّقة”.

اليوم يروى لنا أن تنظيم “داعش” الذي يسوّق لنا كمشتقٍ من “القاعدة” هو الذي شنّ في 13 نوفمبر الهجمات في باريس.

فما هو الطرف الثاني من المعادلة؟ مَن سيغزو مَن هذه المرة؟

غزو سوريا اليوم على غرار غزو أفغانستان أم العراق مستبعدٌ تماماً. روسيا لن تسمح بذلك. على أقل تقدير هذا ما تمليه علينا قراءتنا لواقع التواجد العسكري الروسي في محافظة اللاذقية.

قاعدة “حميميم” للقوات الجوفضائية الروسية تضاهي من حيث المساحة والإمكانات والتحصينات حتى أكبر القواعد الجوية في روسيا نفسها، بل شهدنا تطويراً وتوسيعاً وتحصيناً مستمراً لها. زِد على ذلك أن المصير نفسه ينتظر قاعدة الأسطول البحري الروسي في طرطوس. إذاً روسيا هي القوة الخارجية الوحيدة على الأرض في سوريا.

في العراق بدأت تترجّح كفة من يدعو إلى التحول من الإعتماد على واشنطن إلى الإعتماد على موسكو. العراقيون إكتشفوا ألا جدوى من حرب التحالف الأميركي على “داعش” قياساً بالنتائج المهمة التي حققها الطيران الروسي في سوريا.

روسيا أقامت في الأردن مركزاً إستخبارياُ للمعلومات لمحاربة “داعش” وتقترح على القاهرة إقامة مركزٍ مماثل في مصر.

ما هي المعطيات التي نحوزها إذاً: تحالفٌ فاشلٌ تقودهُ واشنطن من جهة ومحورٌ في طور التشكيل والتوسع تقوده موسكو من جهة ثانية .

المحور الروسي يدعو المحور الأميركي إلى التخلي عن الأوهام والإنعتاق من الإرتباط المصيري بالعقال الخليجي، لأن العدو الذي ترعرع فكرياً في البادية وصلُب عوده في منطقة تمتد من المحيط إلى الخليج ومن الإستوائي إلى أوراسيا بات يضرب بقوة في قلب القارة العجوز، ولا يبدو أنه سيتوقف عند هذا الحد.

إجتماعُ فيينا لم يؤخًر الحل في سوريا، لكن معطياته الأولى لا توحي بأنه قدّم هذا الحل كثيراً. هجماتُ باريس كانت العنوان الأهم في العاصمة النمساوية، وما كان بوسع المجتمعين أن يدخلوا في تفاصيل خلافاتهم حول سوريا، لذا اختاروا سبيل المنازعة الأقل وطأةً.

الموقفُ الروسي من الحل في سوريا والمدعوم إيرانياً وصينياً ومن قبل دول أخرى يبدو أكثر منطقاً وأخلاقيةً، وبغض النظر عن الممانعة ومحاولات التخريب والتحريض سيبقى ثابتاً وسيحاول تفويت الفرصة على من يريد فرض “سايكس بيكو” جديد في منطقتنا العربية.

السؤال هل ستصح مقولة فريدريك هيغل الشهيرة: “التاريخ يعيد نفسه مرتين: مرة كمأساة ومرة أخرى كمهزلة”.

في عام 1917 فضحت روسيا البلشفية المعاهدة التي وقعّها كل من سايكس وبيكو في عام 1916 لتقاسم إرث الإمبراطورية العثمانية، أما روسيا نسخة 2015، أي بعد حوالى مئة عام، تحاول تفادي تكرار هذا السيناريو، فهل هذه المرة نحن أمام تكرار التاريخ كمهزلة؟.