الربيع المختطف!
الربيع المختطف!
الصمود – بقلم – عبد العزيز البغدادي
غالبية حكام أو أدوات الحكم في البلدان العربية والإسلامية منذ انتقلت من براثن الإمبراطورية العثمانية -التي حكمت باسم الإسلام مساحات شاسعة من الكرة الأرضية من 1516- إلى 1918تقريباً- إلى براثن الاستعمار الأوروبي الوريث غير الشرعي المشحون بكم هائل من الحقد والبغضاء أياً كانت مبرراته ومستوى قبولها ، أقول غالبية هؤلاء الحكام ليسوا سوى دمى بيد المستعمر الذي بدل جلده من الاستعمار العسكري المباشر إلى غير المباشر (اقتصادي – ثقافي – سياسي – اجتماعي) وهو الشكل الأخطر لنخره وتنكيله بالشعوب من داخلها وعن طريق المستبدين الذين يطلق عليهم الحكام الوطنيين لتتحول الاحتفالات السنوية بالتحرر إلى ملهاة تثير السخرية وتحول دون تكوّن واكتمال وعي الشعوب وبناء مؤسسات الدولة تكوناً طبيعياً ذاتياً ، ولا أقصد بالذاتي هنا التكوّن البعيد عن التأثر بالآخر والتأثير فيه لأن الانعزال يخلق الجمود والجمود يخلق الموت ولا يوجد حضارة ولا ثقافة بل ولا حتى دين يمكنه أو يمكنها أن تحيا بعيداً عن التأثر بثقافة الآخر والتأثير فيها فالتأثر والتأثير مادة الحياة والحيوية في أي ثقافة أو حضارة أو دين ، وهي مادة تفعل في السياسة وتتفاعل معها بقدر فعلها وتفاعلها في المجتمعات الحية ويتجلى التفاعل المقصود من خلال سلوك وتفاعل الأنظمة والأحزاب والمكونات السياسية المرتبطة بمجتمعاتها بروابط التفاعل الطبيعي الخلاق القادر على تمييز الطيب من الخبيث في أسلوب الحكم واختيار أدواته.
ولأن الحكم ملك المجتمع والشعب وليس العكس فإنه يبقى قابلاً للتغيير سواء بالأسلوب العادي أي بواسطة الانتخابات الحرة والنزيهة الخالية من التزوير المادي والمعنوي المعروف بالشرعية الدستورية ، أو بالأسلوب غير العادي عن طريق الثورة ويعرف بالشرعية الثورية وهو أسلوب يواجه كثيراً من الانتقادات ممن يرفضون التغيير عن طريق الثورة لأن كل ثورة تقود إلى ثورة أخرى والثورة تكون في الغالب مصحوبة بالفوضى واستباحة الحقوق والحريات بحجة أن لكل ثورة أخطاءها ،وهكذا تستمر دوامة العنف ما لم يتم تلافي أسبابها وفق رؤية وطنية وخطة مدروسة تعدها قيادات وطنية مسؤولة تنتزع فتيل العنف لا ينفرد بوضعها فرد أو حزب أو جماعة ، ولا تتلاعب بها أهواء باسم التوافق أو الشراكة في الفساد , أي أن الفرق شاسع بين ثورة تقودها قيادة وطنية موحدة من إنتاج الشعب الثائر تعبّر عن مصالحه وأخرى تحركها حوامل وعوامل ومتطلبات وأجندات خارجية أو داخلية تهدف إلى الفصل بين الشعب وأداة الحكم المستلبة والموظفة لتمكين الخارج من الاستيلاء على الموقع الجغرافي للدولة ونهب خيراتها.
من هذه الزاوية ينبغي إعادة قراءة ما أسمي بثورات الربيع العربي ومآلاتها والقراءة الصحيحة في اعتقادي تبدأ من نقطة بداية الحكام الذين قامت الثورات لإسقاطهم وكيف وصلوا إلى السلطة هل باختيار شعبي أو وطني حر أم استولوا عليها بأي صورة من صور الاستيلاء ولا علاقة تربطهم بشعوبهم ، ومن هذه الأنظمة النظام اليمني الذي حلم اليمنيون بتغييره في 11 فبراير 2011، ولأن تفاصيل ذلك متشعبة تحتاج إلى دراسات مستوفاة فإن ما يعنينا هنا وفي عجالة هو الإشارة إلى مستوى استلاب النظام السياسي اليمني الذي يطلق عليه النظام السابق للنظام السعودي المستلب حسب فقيد اليمن الشاعر عبد الله البردوني في قصيدة جاء فيها :
(أمير النفط نحن يداك نحن أحد أنيابك
ونحن القادة العطشى إلى فضلات أكوابك) إلى أن يقول
(ألا ياسيد الأذناب إنّا خير أذنابك
ومسؤولون في صنعاء وفرّاشون في بابك)
النظام الموصوف في القصيدة استمر إفساده للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية أكثر من 34عاماً، ولا تختلف عنه كثيراً بقية الأنظمة التي شملتها ما أسمي بثورات الربيع العربي المختطفة بما صاحبها من أحداث من حيث المضمون وإن اختلفت شكلاً.
هذه إشارة خاطفة لواقعة اختطاف مسمى ثورة الشباب التي جذبت نسبة كبيرة من اليمنيين إلى الساحات للمناداة بإسقاط النظام ليتبين أن من جذب الشعب إلى الشارع هو نفسه من دفع النظام السعودي لأن يكون ممولاً للخديعة التي تؤكد أهمية وعي الشعوب في تحديد وتحقيق مصيرها ، هبط الممول السعودي حاملاً وثيقة الثورة المضادة التي أسميت المبادرة الخليجية والمتضمنة بنود إعادة إنتاج النظام بكل ما تعنيه الكلمة وبلغة مخادعة ليتلقفها بحماس من كنا نحسبهم النخبة السياسية رؤساء الأحزاب وغيرهم وتفاصيل ذلك عبّرتُ عنها في مقالات على مدى سنوات عمر الحلم بالثورة وخطوات الثورة المضادة التي حولتها إلى كابوس كانت بشكل أو بآخر تمهيداً لأبشع عدوان عرفته الإنسانية لعدم وجود قيادة ثورية تعبّر عن وحدة وطنية مختارة اختياراً حراً تعمل على تحويل أهداف الثورة إلى برنامج عمل مستمر حتى تتحقق على أرض الواقع ، وهكذا كان مصير بقية ثورات الربيع المختطف !.
كلما غاب حلمٌ بدا غيرهُ كواكب تمضي بلا مستقر