صمود وانتصار

عطوان: هل ستتجاوب إيران مع الدعوة السعودية “المفاجئة” لعقد الجولة الخامسة من مفاوضات بغداد؟ وما علاقتها بقرب انتهاء مفاوضات فيينا النووية وتفاقم الازمة الأوكرانية؟ وكيف ستكون طهران الأقوى والرياض الأضعف في الحالين؟ وما هي انعكاسات كل ذلك على حرب اليمن؟

هل ستتجاوب ايران مع الدعوة السعودية “المفاجئة” لعقد الجولة الخامسة من مفاوضات بغداد؟ وما علاقتها بقرب انتهاء مفاوضات فيينا النووية وتفاقم الازمة الأوكرانية؟ وكيف ستكون طهران الأقوى والرياض الأضعف في الحالين؟ وما هي انعكاسات كل ذلك على حرب اليمن؟

مقالات|| الصمود|| عبد الباري عطوان

اكد الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي اثناء مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن ان بلاده تتطلع الى تحديد جولة خامسة من المباحثات المباشرة مع ايران بالرغم من عدم احراز تقدم جوهري في الجولات الأربع السابقة التي انعقدت في بغداد “وطالب ايران “بتغيير سلوكها في المنطقة”، ولكن التمنيات شيء والوقائع المتغيرة على الأرض شيء آخر.

 

تصريحات الأمير بن فرحان هذه تتزامن مع تواتر حدة التقارير التي تتحدث عن تقدم ملموس في مفاوضات فيينا، وقرب التوصل الى اتفاق نووي بين ايران والدول العظمى، يؤدي الى رفع العقوبات كاملة عنها، مقابل عودتها الى اتفاق عام 2015 الذي انسحبت منع إدارة الرئيس دونالد ترامب عام 2018.

 

المملكة العربية السعودية تعيش قلقا شديدا مضاعفا هذه الأيام، وتراقب مفاوضات فيينا عن كثب، لأنها تدرك جيدا ان ايران ستخرج منها الأقوى، والكاسب الأكبر في الحالين، أي التوصل الى اتفاق او عدمه، بينما ستكون هي، أي المملكة، احد ابرز الخاسرين.

 

التوصل الى اتفاق في فيينا يعني رفع جميع العقوبات الاقتصادية عن ايران، وعودة نفطها الى زبائنه في العالم، مقابل عودة المفتشين الدوليين لمنشآتها النووية، المعلنة فقط، الامر الذي يعني حصولها على 300 مليار دولار دفعة واحدة، وفورا مئة مليار دولار ودائع وارصدة مجمدة، ومئتي مليار دولار مجموع التعويضات التي يمكن ان تحصل عليها من جراء فرض العقوبات، وخاصة على صادراتها النفطية، اما فشل المفاوضات وانهيارها فيعني استمرارها، أي ايران، في احتفاظها، ببرامجها النووية، ورفع نسبة تخصيب اليورانيوم الى اكثر من 90 بالمئة (حاليا تبلغ النسبة 60 بالمئة) الامر الذي سينقلها من “دولة حافة نووية” الى دولة نووية فعلية اذا ارادت.

***

التوتر المتصاعد حاليا بين روسيا وامريكا في الملف الاوكراني، يصب في مصلحة ايران أيضا، لأنه يشغل الولايات المتحدة عنها، ويحول انظارها والعالم بأسره الى الازمة الاوكرانية، الامر الذي يضعف موقفها التفاوضي في فيينا، وقد يدفعها الى التحلي بمرونة اكبر، والتجاوب مع المطالب الإيرانية برفع كامل لجميع العقوبات، وتقديم ضمانات من الكونغرس بمجلسيه بعدم الانسحاب من أي اتفاق جديد يتم التوصل اليه في المستقبل.

 

القلق السعودي سيتفاقم حتما، وايا كانت نتائج مفاوضات فيينا النووية، وستكون احد اكبر الخاسرين، مثلما قلنا آنفا، لأن الاتفاق الذي سينص على رفع الحصار سيؤدي الى تخفيف او وقف العداء الأمريكي الأوروبي تجاهها، وربما سيجعل من ايران دولة صديقة، مما سيقلص الأهمية الاستراتيجية لدول الخليج، والسعودية تحديدا، وسيتوج ايران رسميا كدولة إقليمية عظمى تملك مخزونا هائلا من الصواريخ والمسيرات، يؤهلها للدفاع عن نفسها، وحلفائها في المنطقة، وتمويل مشاريعها واذرعها الإقليمية السياسية والعسكرية الحليفة، ونحن نتحدث هنا عن سورية، وانصار الله في اليمن، وحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين، ومن المتوقع ان يكون هذا القلق السعودي مضاعفا اذا انهارت مفاوضات فيينا، وانتهت دون اتفاق، لان ايران ستصبح قوة نووية فعلية، وربما يؤدي الى تزايد احتمالات المواجهة العسكرية في منطقة الخليج، والشرق الاوسط، وانطلاق سباق تسليح نووية وتقليدي، مما سيؤدي الى استنزاف ثان للخزانة السعودية حاليا بسبب حرب اليمن، واعباء التسليح الباهظة.

 

المفاوضون الإيرانيون، سواء في مفاوضات فيينا النووية او جولات المفاوضات الأربع مع السعودية في بغداد، يتمتعون بالنفس الطويل، والابتسامة الدائمة، المفعمة بالتفاؤل بإمكانية التوصل الى اتفاق، ولكنهم في واقع الحال يعرفون ما يريدون، فاذا كانوا لم يقدموا تنازلا واحدا، لأكثر من عشرة اشهر، في تسع جولات من المفاوضات مع ست دول عظمى ونووية، ورفضوا الجلوس مع الأمريكيين وجها لوجه، فهل سيتنازلون للمطالب السعودية، ومقابل ماذا؟ فتح سفارة في الرياض والعودة الى منظمة التعاون الإسلامي؟

 

السعودية، وبفضل سوء تقدير قيادتها الحالية، باتت بين فكي كماشة إيرانية صلبة شرسة، فكها الأول في شمالها (العراق)، والفك الثاني في جنوبها (اليمن)، وفشلت جميع محاولاتها على مدى السنوات السبع الماضية (عمر حرب اليمن) من الخروج من هذه الكماشة المصيدة، سلما (مفاوضات)، او حربا (حسم الحرب في اليمن)، ولا نعتقد ان تكون الجلسة الخامسة من مفاوضات بغداد، في حال انعقادها افضل حظا من نظيراتها الأربع السابقات.

 

الأمير بن فرحان قال في تصريحاته نفسها في ميونخ ان ايران ما زالت تزود حركة “انصار الله” الحوثية بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة، وهذا ليس سرا، وكأنه فسر الماء بالماء، ولعله يطالبها مواربة بإيقاف ذلك كشرط للتفاوض، وهو يعلم جيدا انها لم تتجاوب مع هذه المطالب في مفاوضات بغداد، ومن المؤكد انها لن تغير موقفها هذا في أي مفاوضات قادمة، الا اذا جرى رفع جميع العقوبات السعودية عن اليمن، والتسليم بإنتصار حلفائها الحوثيين، وتوليهم الحكم كاملا في اليمن، الشمالي كبداية، وربما الجنوبي لاحقا.

***

أمريكا التي تخلت عن حلفائها الأفغان، ومن قبلهم الفيتناميين، ستتخلى عن معظم حلفائها الخليجيين، وحماتهم الإسرائيليين الجدد، خاصة اذا تطور التوتر في أوكرانيا الى مواجهات عسكرية، لأنها ستواجه تحالفا من دولتين عظميين ولأول مرة في التاريخ، يتفوقان عليها عسكريا، فرادى كانا او مجتمعين.

 

من الصعب علينا توقع استئناف المفاوضات الإيرانية السعودية في بغداد قريبا لسببين: الأول: انشغال العالم بأزمة أوكرانيا، وتراجع أهمية منطقة الخليج على قمة اجندة الأولويات الامريكية، والثاني صعوبة تجاوب ايران مع المطالب السعودية الأساسية بوقف دعم حركة “انصار الله” عسكريا في الوقت الراهن، واذا انعقدت المفاوضات ستكون فصلا، او جولة جديدة من “حوار الطرشان”.. والأيام بيننا.