صمود وانتصار

واشنطن بوست: لماذا اتسمت التغطية الإعلامية لأوكرانيا بالتحيز العنصري

واشنطن بوست: لماذا اتسمت التغطية الإعلامية لأوكرانيا بالتحيز العنصري

الصمود../

 

نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للباحث في وقفية كارنيغي للسلام العالمي، الزميل في المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن وجامعة كامبريدج، أتش إي هيلير، تحدث فيه عن الكيفية التي كشفت فيها أزمة أوكرانيا عن التحيز العنصري للتغطية الغربية لها.

 

وبدأ الكاتب بالإشارة إلى مراسل شبكة “سي بي أس” الأمريكية تشارلي داغاتا، الذي قال: “هذا المكان لم يشهد، مع احترامي للعراق وأفغانستان، نزاعا لسنوات طويلة”، و”تعرفون أنه (مكان) متحضر وأوروبي بشكل نسبي، وعلي أن اختار كلماتي بعناية، مدينة لا تتوقع أو تأمل أن هذا سيحدث”.

 

وقال هيلير إن غزو فلاديمير بوتين الإجرامي لأوكرانيا ولد حملة تضامن ملهمة حول العالم، لكن للكثير من المراقبين غير البيض لم يكونوا قادرين على تجاور التحيزات في الإعلام والسياسة الغربية.

 

وأدت تعليقات داغاتا لردة فعل واسعة رد عليها معتذرا بسرعة، لكنه ليس وحده في التغطية المتحيزة. وقال معلق في برنامج إخباري فرنسي: “نحن لا نتحدث عن اللاجئين السوريين الذين فروا من قنابل النظام السوري الذي يدعمه بوتين، بل نتحدث عن أوروبيين خلفوا وراءهم سيارات تشبه سياراتنا لحماية حياتهم”.

 

وعلى هيئة الإذاعة البريطانية أعلن المدعي العام الأوكراني السابق “إنه أمر يثير عواطفي عندما أرى الشعوب الأوروبية بعيون زرقاء وشعر أشقر يقتلون كل يوم”، وحتى مقدم الأخبار في قناة الجزيرة القطرية وقع في التحيز عندما قال: “هؤلاء ليسوا لاجئين يحاولون الخروج من مناطق في الشرق الأوسط”. أما مراسل قناة “أي تي في” البريطانية، فقد قال: “حصل الآن لهم ما لم يفكر به أحد، وهذا ليس بلدا ناميا من العالم الثالث، هذه أوروبا”.

 

وكتب المعلق البريطاني في صحيفة “ديلي تلغراف” دانيال هانان: “يبدون مثلنا، وهو ما يجعل (الأمر) صادما: فالحرب لم تعد أمرا يحدث في الدول المعدمة ولأناس بعيدين”.

 

والتداعيات الضمنية لمن يقرأ أو يشاهد، وتحديدا أبناء أمة تعرض بلدهم لتدخل عسكري خارجي، ونزاعات، وعقوبات وهجرات جماعية، هي أن المعاناة كما يتضح من هذا الكلام تكون مؤلمة للبيض الأوروبيين أكثر من العرب أو من شعوب غير بيضاء. فقد تعود اليمنيون والنيجيريون والأفغان والفلسطينيون والسوريون والهندراسيون على هذا.

 

والإهانة لا تقتصر على الإعلام، فقد قال سياسي فرنسي إن اللاجئين الأوكرانيين يمثلون “هجرة من نوعية عالية”. وقال رئيس الوزراء الهنغاري إن اللاجئين الأوكرانيين “أذكياء ومتعلمون، وهؤلاء لاجئون ليسوا كالذين تعودنا عليهم، ناس ليسوا متأكدين من هويتهم، وناس بماض غير واضح، وأناس ربما كانوا إرهابيين”.

 

وعلى الرغم من الغضب على العدوان الروسي، فكأننا، أي الأوروبيين، غير قادرين للتعرف على حقيقة بسيطة: لقد مرت علينا أمور كهذه. ونفى مراسل لمجلة “فانيتي فير” تغريدة على “تويتر” قال فيها: “هذه بلا جدال أول حرب (نراها حية) تحدث في عصر منصات التواصل الاجتماعي. وكل الصور التي تقطع نياط القلب تظهر روسيا بأنها فظيعة”.

 

وفي سوريا أدت الحرب إلى قتل بالجملة ومعاناة ودمار وتشريد لم نره بعد في أوكرانيا، لكن رد الغرب لم يكن قويا. ونفس الأمر يمكن قوله في الغزو الأمريكي على العراق وأفغانستان، والحرب السعودية في اليمن، والاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية. و”هذه معايير مزدوجة واضحة تظهر كيف نقوم نحن الغرب بالتعامل مع السياسة الخارجية، لأننا دائما ما ننزع الإنسانية عن السكان غير البيض، ونقلل من أهميتهم، وهو ما يقود لشيء واحد: الانتقاص من كرامتهم وحقهم بالعيش في كرامة”.

 

وبعيدا عن الواجبات الأخلاقية والمعنوية، هناك الجيوسياسية، فعندما نتعامل مع المعاناة بهذه الطريقة، فإننا نشجع أشخاصا آخرين مثل بوتين. وهم يعرفون أن الرقابة عليهم ستكون ضعيفة طالما اهتم الغرب بشأنه، علاوة على نقده لهم. صحيح أن الدول تتدخل دفاعا عن مصالحها، وتتذرع بالقيم، لكنها مجرد براغماتية باردة تستخدم في اتخاذ القرار. وصحيح أن “مصالحنا” تقوم وبشكل كبير على قيمنا. وعندما تشترط قيمنا وجود سلم حضاري يقع فيه ناس على طرف، والآخرون في نهايته، فإننا نفقد أخلاقيتنا العالية.

 

وذكرنا التضامن مع الشعب الأوكراني الشجاع بما هو ممكن عندما نشعر بالتعاطف حقا، ولكن مذاقه سيكون “حلو مر” لو كان تضامننا عميقا وعادلا. والإعلام يلعب دورا لتجنب هذا، وهناك الكثيرون الذين قاموا بعمل جيد وأكثر بحاجة لمزيد من العمل.