جُرأة الأعداء جاءت لتخلّي أبناء الأُمَّــة عن مسؤوليتهم، فلا يستشعرون الخطر الداهم
لا يختلف اثنان أن واقعَ الأُمَّــة العربية والإسلامية هو الأسوأ مقارنة بكُلّ شعوب العالم، فنشاهد جميعاً كيف تقوم أمريكا ومن ورائها إسرائيل باحتلال البلدان العربية وشن الحروب الهمَجية على الشعوب المسلمة تحتَ ذرائعَ وحججٍ واهية، وفي المقابل نرى أن هذه الجُرأة للأعداء كانت نتيجة لتخلي أبناء الأُمَّــة العربية والإسلامية عن مسؤوليتهم، فلا يرون الخطر العام القادم إليهم.
ولعدم شعور الأُمَّــة بمسؤوليتها نلاحظ أننا أكثرُ من مليار مسلم ونمتلك المقدرات الضخمة، ولكننا في الواقع أمة جامدة، أمة ساكنة، أمة راكدة أمام التحديات والأخطار الكبيرة المحدقة بها، والمظالم الرهيبة على مستوى شعوب بأكملها وليس على مستوى أفراد.
فعندما غاب الشعور بالمسؤولية عند أغلبية الناس، وأصبح الفرد منهم لا يستشعر مسئوليته لا في إقامة عدل، ولا في مواجهة ظلم، ولا في مواجهة طغيان، ولا يرى أي شيء، يهمه فقط واقعه الشخصي ولا يدرك أثرَ الواقع العام على واقعه الشخصي وصلنا إلى هذا المستوى.
وقد ساهمت النخب والنشاط التثقيفي والنشاط التعليمي في إخماد روحية الاستشعار بالمسؤولية وإماتتها من وجدان الأُمَّــة، وبالتالي أَصْـبَـح الكثير من الناس يكتفي بالتفرُّج على الأحداث والآخرون يُقتلون أَوْ تُنتهك أعراضهم وهم من أمته مسلمون، وهو أمام الله مسئول، مسئول أن يكون له موقف، أن يكون مناصراً لهم، وأن يسعى إلى إزالة الظلم، ودفع الباطل، ودفع الشر، ودفع الطغيان.
في هذا الواقع نهض السيد حسين الحوثي في مشروعه الثقافي القرآني النهضوي، وسعى من خلاله لإحياء الشعور بالمسؤولية في وجدان الأُمَّــة، وفي واقعها، داعياً الجميع أن يتحدثوا بروح عملية، بروح مسؤولة برؤية واحدة وموقف واحد ونظرة واحد ووعي واحد، مشيراً إلى أن هذا ما تفقده الأُمَّــة.
روحية الواعي
وفي هذا الإطار تحدث السيد حسين الحوثي في محاضرة بعنوان (الصرخة في وجه المستكبرين) قائلاً: “فلنجتمع هنا ولنخزن ولنتحدث، ولكن بروحية أخرى، نتناول الأحداث ليست على ما تعودنا عليه، ونحن ننظر إليها كأحداث بين أطراف هناك وكأنها لا تعنينا، صراع بين أطراف هناك، وكأننا لسنا طرفاً في هذا الصراع أو كأننا لسنا المستهدفين نحن المسلمين في هذا الصراع. نتحدث بروحية من يفهم أنه طرف في هذا الصراع ومستهدف فيه شاء أم أبى، بروحية من يفهم بأنه وإن تنصّل عن المسئولية هنا فلا يستطيع أن يتنصّل عنها يوم يقف بين يدي الله”.
وبعد أن وضّح السيد حسين الحوثي الواقع المظلم التي تعيشُه الأُمَّــة يتساءل خطابياً: أليس المسلمون الآن، أليس العرب الآن تحت أقدام اليهود والنصارى حكومات وشعوب؟ ألم يقل الله عن اليهود والنصارى أنه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله؟ هل رفعت الذلة والمسكنة عنهم؟.
ليجيب على التساؤلات قائلاً: “لا لم تُرفع، ما يزالون، لكنا نحن من أصبحنا أذلّ منهم، من ضُربت علينا ذلة ومسكنة أسوأ مما ضُربت على بني إسرائيل. لماذا؟ لأننا أضعنا مسؤولية كبرى؛ لأننا نبذنا كتابَ الله خلف ظهورنا؛ لأننا لم نعد نهتم بشيء من أمر ديننا على الإطلاق؛ ولم نعد نحمل لا غضباً لله، ولا إباءً وشهامةً عربية”.
تقصيرُنا أمام الله أشد
وفي ذات السياق يقول: “فعندما ترى أن الأُمَّــة العربية والأُمَّــة الإسلامية أصبحت تحت أقدام اليهود والنصارى، وأن اليهود والنصارى حكى الله عنهم بأنه ضرب عليهم الذلة والمسكنة، وأنهم قد باءوا بغضب منه! وترانا نحن المسلمين، نحن العرب تحت رحمة اليهود والنصارى؟. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا أننا في واقعنا، في تقصير أمام الله أسوأ مما اليهود والنصارى، أن تقصيرنا أمام الله أشد مما يعمله اليهود والنصارى”.
ولم يتحاشَ السيد حسين الحوثي حالة الجمود والركود لدى طلاب العلوم الدينية والعلماء وعدم شعورهم بمسؤوليتهم أمام الله، فخاطبهم متسائلاً: “عندما نسمع أن الأمريكيين دخلوا اليمن، وسيدخلون اليمن بأعدادٍ كبيرة.. هل يهمنا هذا؟ أم سترى أن مواقفَ زعماء العرب هي مواقفنا، سيكون السكوت هو الحكمة؟ وسيكون الاهتمام بقضايا أخرى هو الحكمة؟ أن ننصرفَ عن هذا الموضوع، أن لا نفكر في هذا الموضوع؟.، ثم يجيب: “أنت عندما تكون طالب علم وأنت لا يهمك، أولا يؤلمك أن ترى المفسدين في الأرض يتحركون، أن ترى الإسلام يُحارب، أن ترى المسلمين يُحاربون، هل يصح أن يقال لي طالب علم؟. هل يصح أن أحصل على ذرة من التقدير والاحترام وأنا أحمل علماً؟، إذا كنت تحمل علماً فإن هذا من بديهيات المسؤوليات على طالب العلم، وعلى من يحمل علماً أن يهتم بأمر الدين الذي يتعلمه والذي يحمله.
وبعد أن وضّح السيد حسين الحوثي لطلاب العلوم الدينية مسؤوليتَهم أمام الله، أشار إلى مسؤولية العالم التي فرضها الله سبحانه وتعالى عليه كحامل علم فقال في نفس المحاضرة: “يجب على الإنسان أن يكون ممن يخشى الله ولا يخشى سواه، وأن يكون ممن يرغب في الله ولا يرغب في سواه، فإذا كنت عالماً، أو كنا طلابَ علم، وكنا نخاف من غير الله، وكنا نرغب في غير الله، ونبحث عن المخارج عن المبررات التي تبعدنا عما يجب علينا، وعن المسؤولية التي فرضها الله سبحانه وتعالى علينا كحملة علم إذا كنا على هذا النحو فإنه لا يصح بحال أن نكون ممن يرجو أن يكون من أولياء الله، كيف قال الله عن أوليائه؟ {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (يونس:62 – 64).
وأضاف أن: “العالم هو من يجب أن يستفيد علمه من القرآن الكريم، وأن يكون علمه بالشكل الذي يجعل القرآن حياًّ في واقع الحياة، وحياًّ في نفسه، يجعل القرآن حياًّ في نفسه وفي واقع الحياة”.
ذِلّــتُنا أسوءُ من ذِلّـة بني إسرائيل!
ويعود السيد حسين الحوثي ليوضح أن: “ولي الله هو من يرى أن عليه أن يعمل جاهداً على أن يُحييَ كتابَ الله، على أن ينقذ عباد الله، على أن يواجه بشدة أعداء الله، يجب علينا أن نحمل هذا الشعور – أيها الإخوة – يجب علينا أن يكون هذا هو همنا، ونرجع إلى الله سبحانه وتعالى، ونتوب إليه”، مشيراً إلى أننا نعيش حالة من الذلة أسوأ من التي ضربت على بني إسرائيل، علماؤنا وطلاب علمنا، ومجتمعنا بكله؛ لأننا أضعنا المسؤولية”.
وبعد إبرازه أن الحالة التي نعيشها هي لأننا أضعنا مسؤوليتنا، يبين السيد حسين الحوثي ما هي مسؤوليتنا فيقول أن:” من أعظم المسؤولية التي نضيعها هو: أننا ونحن نطلب العلم، ونحن نحمل علماً لا نعمل على إحياء كتاب الله، ونتشبث بأشياء هي مما يضلنا، ويبعدنا عن كتاب الله”.
ويبرز ويتجسّد سعي السيد حسين الحوثي لإحياء الشعور بالمسؤولية قوله ” المسؤولية الإسلامية هي أن يصل الناس بالإسلام إلى هناك”.. إلى كُلّ العالم.
كما يوضح أن الكلمة التي تحمل مسؤولية إذا لم تحرك مشاعر الأُمَّــة أن تصلَ بنفسها إلى درجة القتال لأعداء الله فهيكلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، لا تترك أيَّ أثر، ليس لها قيمة.
وفي ذات السياق حدّد السيد حسين الحوثي مَن هو الذي يتحمل المسؤولية بأنه من يوقف اليهود عند حدودهم حتى لا يملأوا الأرض بالفساد؟ ويجيب: “هم المسلمون هم العرب، العرب بالذات هم الذين كان يُراد منهم أن لا يفسحوا المجال أمام اليهود ليفسدوا البشرية كلها، أن يسبقوا هم بنور الإسلام إلى بقاع الدنيا قبل أن يسبق اليهود بفسادهم في الدنيا كلها”.
ويشير السيدُ حسين الحوثي إلى أنَّ “كل فساد جاء من قِبَـل اليهود في الدنيا كلها العرب شركاء معهم فيه؛ لأنهم قصّروا، وهم مَنْ أفسحوا المجالَ بتفريطهم في مسؤوليتهم بالنهوض بدين الله حتى تمكّنَ اليهودُ من أن يسيطروا في العالم ويُفسِدوا العالم، ثم يهيمنوا على المسلمين، ثم يستذلون المسلمين ثم يستذلون العرب. وهكذا وجدنا أنفسنا تحت أقدام اليهود والنصارى”.
المفرِّط أكبر جُرماً
ويرى السيد حسين الحوثي أن جريمة من يفرط في مسؤوليته تكون أكبر من جريمة اليهود والنصارى- في إشارة إلى تخلي اليهود عن القيام بمسؤوليتهم التي كلفهم الله بها-، ويخاطب الحاضرين قائلاً: “يجب على الناس أن يلتفتوا بجدية إلى واقعهم، وأن ينظروا إلى ما حكاه الله عن بني إسرائيل، بنو إسرائيل اختارهم الله، واصطفاهم، وفضلهم، ولكنهم عندما فرطوا في المسئولية وعندما قصروا وتوانوا، وعندما انطلق منهم العصيان والاعتداء ضرب عليهم الذلة والمسكنة، وعندما يقول الله لك في القرآن الكريم: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} هو ليقول لك وللآخرين بأنك وأنت إذا ما عصيت واعتديت، إذا ما قصرت في مسؤوليتك، ستُعَرض نفسك لأن تضرب عليك الذلة والمسكنة، وأن تَتِيه كما تاه بنو إسرائيل من قبلك”.
وتجسيداً للهدف الذي يسعى إليه السيد حسين الحوثي وهو إحياء الشعور بالمسؤولية لدى أبناء الأُمَّــة العربية والإسلامية يخاطب الناس في محاضرته (الإرهاب والسلام) قائلاً: “أيها الإخوة – لنتذكر مسؤوليتنا جميعاً أمام الله في أن نكون من أنصار دينه”، مشيراً إلى أن الاجتماعات التي يتم فيها مناقشة الأوضاع التي تعاني منها الأُمَّــة المسلمة، هي اجتماعات مباركة.
وفيما يتعلق بالواقع الذي أراده الله لهذه الأُمَّــة يبين السيد حسين الحوثي أن الله “أراد لهذه الأُمَّــة هكذا أن تكون أمة تتحرك في العالم كله {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، لكنها تقعد ويتحرك أؤلئك”.
ويتساءل: لماذا يتحركون؟. ويجيب أنهم يتحركون لينشروا الباطل والفساد والقهر والظلم والذلة والخزي لكل أبناء البشرية وللعرب خاصة؟ للعرب خاصة. هذه أشياء مؤسفة، هذه حقائق نحن نشاهدها.