صمود وانتصار

حرض.. مدينةُ الحياة أسْكنها العُـدْوَان للأشباح! 

أنس القاضي

لم تنجُ حتى أشجارُ أرصفة الطُّرقات، تراكُمُ اقتصادي وعُمراني قطعته مدينةُ حَرض الـيَـمَـنية في محافظة حجهُ فهدمه العُـدْوَان، وكأنَ شيئاً لم يكن! لا يُعرف المدينة مَن كان ساكنها أول مرة، من فرط الدمار، ليست هي المدينة الصاخبة المُفعمة بالحياة، والحركة التجارية التي كانت قبل العُـدْوَان، وهي المنفذُ الـيَـمَـني السعودي يزورُها الآلافُ يومياً ما بين مُسافرين وعمال مُتهرّبين وقادمين من السعودية للسياحة وسائقي الناقلات والمُسافرين، شهدت مدينة حرض تطوراً عمرانياً وتجارياً تنامى بوتيرة عالية عن بقية المُدن الـيَـمَـنية؛ لما تمتعت به من مزايا، فأعادها العُـدْوَانُ إلى الوراء موقفاً فيها قلبَ الحياة مُقطّعاً للأوردة.

ليست حَرض جبهةً عسكرية شهدت مواجهاتٍ لتبدو بهذا الدمار وليسَ بها موقعٌ عسكريٌّ واحدٌ ليكون استهدافُ العدو لها من باب معركةٍ عسكريةٍ، ولم تكن خلفيةً لجبهة ولا أودية يتجمع فيها المُقاتلون كأودية جيزان ليتم التعامُلُ معها بهذهِ الوحشية، لكنها مدينة يمنية دمّرها العُـدْوَان وهجّر أهاليها مُمهِّــداً لاحتلالها، ولرفع كُلفة الدمار على الشعب الـيَـمَـني والاقتصاد الـيَـمَـني، عَجِزَ العدوُّ عن احتلالها وبقيت المنازل والمحلات والفنادق والشوارع شاهدةً على ما جاء بهِ العُـدْوَانُ السعودي الأمريكي من إجرامٍ ومن مطامعَ استعمارية.

صَمْتُ الشوارع لا يُصدَّق، زحمةُ السير المَعهودة التي يعرفها ساكنو حَرض ابتلعتها حُفر القصف الأمريكي، لتبدو مدينة أشباح خالية مِن الحياة والحركة، كأنَ المُشاهد لها يُحَدِّقُ في لوحة تشكيلةٍ خالية، في تصويرها للدمار وصمت المكان، فلا يُصدق دماغه أنهُ حقاً في هذهِ المدينة وأن الحرب تفعل كُلَ هذا.

مَثّلت المدينة أحدَ الروافد الاقتصادية الهامة للاقتصاد الوطني عَبْرَ منفذ الطوال، وللمواطنين في القطاع الخاص الصغير والمتوسط والقطاع التجاري الذي كانَ يُشغّل آلاف الأيادي العاملة في النقل وبيع البضائع وفي الخدمات الفُندقية والمطاعم وحتى على مستوى أصحاب العربيات والبسطات والأسواق الشعبية، وكل هذا زالَ مع الغارةِ الأولى للعُـدْوَان، ليُحقّقَ العدو باستهدافِ حرض طعنةً في الاقتصاد الـيَـمَـني وفي أجساد العُاملين وأُسرهم التي أُفقرت.