صمود وانتصار

أمريكا وبريطانيا تمارسان التضليل والنفاق سعياً لتأمين نفط السعودية دون خسارة الحرب على اليمن

أمريكا وبريطانيا تمارسان التضليل والنفاق سعياً لتأمين نفط السعودية دون خسارة الحرب على اليمن

الصمود../

 

بشكل مفاجىء تقدمت السعودية إلى صنعاء بدعوة للحوار لإنهاء حربها على اليمن ، ووسط متغيرات دولية تعصف بالنظام العالمي أحادي القطب، تقول الرياض أنها ترغب في استضافة حوار جديد تريده بين طرفين هما حكومة صنعاء وحكومة عدن غير المعروفة شكلها أو قوامها حتى الآن باستثناء أطراف حكومة هادي والانتقالي ومليشيا طارق والإصلاح والعمالقة والنخب الإماراتية “مكونات” .

 

فالمجلس الانتقالي مثلا، وهو مكون جنوبي يسيطر بالقوة على عدن ومناطق جنوبية بدعم إماراتي ، ويخوض قتالا مع حكومة هادي التي تعترف بها الرياض والعالم وفق قاعدة المصالح لا الجغرافيا أو إرادة الشعوب .

 

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرغ والذي بارك الدعوة السعودية ، غرق خلال الأسبوعين الماضيين في محاولة لمّ شتات ” الشرعية” المشتتة في السعودية والأردن ومصر وتركيا وسواها من البلدان .

 

مسؤول في مجلس التعاون الخليجي قال لوكالة «فرانس برس» – فضّل عدم ذكر اسمه – : «يدرس المجلس عقد مشاورات بين أطراف النزاع في اليمن لوضع حد له»، على أن تجري في الرياض.

 

وأضاف: «تم بالفعل التشاور مع كافة الأطراف، وجاري إرسال الدعوات لهم».

 

لم توضح الوكالة الفرنسية نقلا عن مصدرها منهم الأطراف الذين سيُبعث إليهم بالدعوات، فحكومة هادي مشتتة، وفق رغبات دولتي التحالف الإقليميتين السعودية والإمارات ، وقد تمتلك قطر نفوذاً في هذا الإطار.

 

لكن الذي بات واضحاً أن هناك جهد غربي تتساوق معه الأمم المتحدة في توحيد الجبهة المناوئة لصنعاء ، ليس الغرض جولة جديدة من التصعيد، كونه قائم في شكل حرب اقتصادية، بعد فشل السعودية في اقتحام الحرض البعيدة عن حدودها الجنوبية أقل من 20 كيلو متراً منذ سبع سنوات ، وإنما الولوج إلى مفاوضات اضطرارية نتيجة اندلاع الأزمة الأوكرانية والصدام مع روسيا ، ورفض أنصار الله هدنة طوية الأمد مع رفع جزئي للحصار على ميناء الحديدة ومطار صنعاء وكلاهما منفذان حيويان لملايين اليمنيين ، ويتسبب إغلاقهما من قبل التحالف في وفاة عشرات اليمنيين وإعاقة وصول الإمدادات النفطية والغذائية والدوائية بشكل سلس وغير معقد إلى اليمن .

 

بحسب مسؤول خليجي، فإن السعودية «ليست طرفاً في المشاورات»، وهنا تحاول السعودية التنكر لدورها الرئيس في العدوان على اليمن ، غارات طائراتها على اليمن والأراضي التي تسيطر عليها حكومة الإنقاذ الوطني تقترب من كسر حاجز المليون غارة ، وأنفقت مليارات الدولارات على حربها في اليمن وشراء الذمم الأممية والدولية .

 

وعلى مدى عام من القتال في مارب يتباهى القادة السعوديون بدور طيرانهم في منع سقوط مارب من يد مرتزقتهم ، وعرقلة عودة المحافظة الغنية بالنفط إلى حضن الدولة في صنعاء ، ، لكن جميع ذلك لم يحقق أهداف عاصفة الحزم التي تحل الذكرى السابعة لها بعد أيام في لـ26 من مارس .

 

قد يكون لمعركة مارب التي تقترب ببطء من الحسم أولوية في البحث عن حلول سياسية هدفها بالأساس إيقاف تقدم الجيش واللجان الشعبية التي تواصل تقدمها نحو مدينة مارب آخر معاقل التحالف والمرتزقة في شمال شرق اليمن ، محاولات سابقة لثني صنعاء عن مواصلة القتال هناك جربت وبينها الدعوة لمفاوضات قدمها المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيم ليندركينغ ، لم تجد صدى لدى صنعاء.

 

في المقابل تطرح صنعاء معادلة ذهبية وأساسية في الذهاب نحو أي حوار وهي فصل الملفين الإنساني عن العسكري ، ورفع الحصار وإيقاف العدوان رسميا قبل الانخراط في الحوار السياسي .

 

صنعاء تلقفت الدعوة السعودية الأخيرة، رغم كونها ملغومة بذكاء فرحبت بالحوار مع دول التحالف ولكن ليس في الرياض وإنما في دولة محايدة .

 

لايمكن الوثوق بالنظام الذي نشر مواطنه في داخل قنصليته باسطنبول ، عوضا عن كون السعودية عدوا وليست دولة محايدة كما تحب أن توصف بتزوير فاضح للوقائع.

 

وقال رئيس حكومة الإنقاذ الوطني د عبد العزيز بن حبتور فيما بدا تعليقا على الدعوة السعودية :إنه من غير المنطقي ولا العادل ولا الجائز أن يكون الداعي والمضيف للحوار الدولة الراعية للحرب والحصار الظالم على الشعب اليمني.

 

وبرأي مسؤولين بصنعاء لا يستقيم أن يدعو النظام السعودي للحوار من جهة ويرسل الإرهابيين والمفخخات لتفجير الناس في الأسواق والمدن ، ومن جهة أخرى فسجل السعودية مشين في مسألة الضمانات وهي لم تتورع عن قتل مواطنها خاشقجي وإخفاء جثته حتى الآن ، ضاربة بكل الأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية والشرائع السماوية التي تحرم القتل لمخالفة الرأي عرض الحائط ، وتنفيذها قبل أيام عملية إعدام جماعي بحق 81 شخصا دون محاكمات أو تهم جنائية ، قالت الرياض إنهم اعتنقوا الفكر الضال والمنحرف .

 

وبين المعدمين 7 يمنيين ، اثنان منهم أسرى حرب جرى أسرهما في جبهة جيزان الحدودية وهما موضوعان على قوائم التبادل الأممية ، ما يعد انهتاكا صارخا للقانون الدولي وحق الأسير في الإسلام وكل الديانات .

 

قد تكون السعودية ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا أكثر جدية في أجراء الحوار هذه المرة ، وعلى استعداد للقبول بتنازلات تقدم لصنعاء نتيجة التطورات المتلاحقة الدولية عقب اندلاع حرب أوكرانيا .

 

السعودية ومن يدير سياستها الخارجية – الولايات المتحدة وبريطانيا – لاتزال تمارس الخداع في اليمن وتأمل في تحصيل بعض المكاسب خشية أن يدهمها الوقت نتيجة التطورات المتسارعة للصدام مع روسيا.

 

قريبا سيصبح الشرق الأوسط موطئا جديدا للصراع بين الغرب وروسيا ، الولايات المتحدة أقدمت على قطع الغاز والنفط الروسي في مسعى لدفع حلفائها الأوروبيين المترددين في ذلك ،وتسبب ذلك بارتفاع أسعار الوقود إلى مستوى تاريخي تجاوز سعر التنكة 20 لترا حاجز الـ25 دولارا، رغم أن واشنطن لا تستورد سوى 12 % من النفط الروسي و25% من المواد البترولية المنتجة روسيا .

 

بنظر واشنطن ما يمكن أن يؤلم موسكو هو قطع صادراتها من الوقود والغاز ، فحزم أربع من العقوبات الأوروبية والعقوبات الأمريكية ، وضخ مليارات الدولارات لدعم حكومة أوكرانيا الموالية للغرب لم تفت في عضد بوتين الذي يمضي في استكمال معركته ، وأظهر كذلك أنه كان مستعدا لمواجهة تلك العقوبات ويتوقعها على أي حال ، وربما ليس بالضروة حد وصولها إلى محو كل ما هو روسي في العالم .

 

ورغم مبادرة أمريكا بخطوة فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي ، والتوقف عن استيراد النفط والغاز الروسيين ، لاتزال أوروبا تتململ ، ورغم دخول الحرب أسبوعها الثالث لايزال الغاز الروسي يضخ في أنابيب نورد استريم 1 الذي يمر عبر أوكرانيا ويصل إلى عموم أوروبا..

 

بريطانيا والتي تتولى رأس حربة الموقف الأوروبي في مواجهة روسيا، وصل رئيس وزرائها بوريس جونسون إلى السعودية ، يسعى البريطانيون لإيجاد بديل لسد احتياجات أوروبا من منطقة الشرق الأوسط الغنية، وإقناع دول الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوة حظر النفط والغاز الروسيين كليا وعاجلا وليس تدريجيا وعلى مدى عام، كما تقول ألمانيا .

 

مطلوب أمريكيا وبريطانيا في الوقت الحالي إحلال السلام المؤقت في اليمن لضمان تدفق شحنات النفط إلى أوروبا عبر البحر الأحمر والبحر العربي ، لتعويض النقص الحاد الذي سيحدثه تغييب روسيا عن أسواق الطاقة، تنتج روسيا لوحدها 199 مليار متر مكعب من ألغاز يذهب معظمه إلى أوروبا .

 

صنعاء امتلكت القوة والقدرات لتكون شريكاً فاعلا في أمن البحر الأحمر وباب المندب والذي تمر منه ثلثي حاجة العالم من الطاقة قبيل الأزمة الأوكرانية والعقوبات على روسيا ، الجميع بمن فيهم موسكو يدركون ذلك ، التحالف الأمريكي السعودي يمد نحو صنعاء تفاحة ، بينما تطورات الأوضاع الدولية جعلت في المتناول أن تحوز صندوق التفاح كاملاً ، وأن تضع هذه التطورات المفاجئة اليمن مجددا بيضة قربان في التوازنات الدولية ..

 

صنعاء تدرك ذلك والرياض وحلفائها تخشى من ذلك .. فأي تطورات ستحملها قادم الأيام .. المؤكد في استقراء القادم أن الكل بات يخطب ود صنعاء وأن ما كان سببا في تعرضها للغزو والعدوان سيغدو مفتاحاً لولادة العالم الجديد ومعه يمن مختلف عما ألفته المنطقة والعالم لعقود ، قد يعيد التذكير بعظمة الماضي الذي خلده القرآن الكريم.

 

وفق مصدر في صنعاء ستمضي السعودية في عقد مؤتمر للحوار بالرياض وستقصره على مرتزقتها حفظاً لماء الوجه ومحاولة للملمة شتاتهم، وستوافق لاحقاً على تغيير مكان الحوار إلى دولة محايدة كعمان، فتحاول بحيلة رخيصة ومفضوحة كسب نقطة في مواجهة صنعاء، وقد تتخلى تالياً على مضض عن مارب طلبا للهدوء وضمان أمن البحر الأحمر، هي اليوم أحرص على نيل رضا صنعاء من السابق ، فالولايات المتحدة تريد سريعا تحويلها وكل دول الخليج إلى بيادق في الحرب مع روسيا ، إشاراتها الإيجابية باتجاه الصين واستعدادها للتعامل باليوان في مبيعات النفط ليس إلا محاولة أمريكية لتحييد الصين والاستفراد بالمنافسين الدوليين الصين وروسيا كلا على حدة.

 

الثورة / إبراهيم الوادعي