التحرر من الهيمنة والتبعية رؤية تنموية قدَّمها الشهيد القائد للنهوض بالأمة في الجوانب الإقتصادية
التحرر من الهيمنة والتبعية رؤية تنموية قدَّمها الشهيد القائد للنهوض بالأمة في الجوانب الإقتصادية
الصمود../
إن فكرة التنمية لم تكن أكثر من تلبية لاحتياجات النظام الرأسمالي في تهيئة أسواق تستوعب منتجاته والحصول على الأيادي العاملة الرخيصة في هذه الدول من جهة ومن جهة أخرى لا تعدو التنمية في النهاية كونها زيادة في إيجاد حالة من التبعية للمركز الرأسمالي حيث يستخدم مدخل التنمية عبر منح القروض الربوية والمساعدات المالية تحت يافطة خطط صندوق النقد والبنك الدوليين لتحقيق حالة من التبعية الاقتصادية والسياسية للمركز الرأسمالي كي لا يسمح لأي دولة أن تستقل ذاتياً، وتخرج من عباءة التبعية الاقتصادية للراسمالية الأمريكية الغربية ، وبالتزامن مع الذكرى السنوية لاستشهاد السيد حسين بدر الدين الحوثي نسلط الضوء على بعض الرؤى التي قدمها في جانب النهوض بالأمة في جوانب التنمية الاقتصادية من خلال التحرر من الهيمنة الرأسمالية الاستعمارية الغربية.
وفي خضم ذلك يشير الشهيد القائد إلى أن التنمية من منظار الدول الرأسمالية لا تخرج عن استراتيجية أن تبقى الشعوب مستهلكة ومتى ما نمت فتتحول إلى أياد عاملة في مصانعهم.. ويقول السيد القائد “لا تخرج تنميتهم عن استراتيجية بقاء الشعوب مستهلكة ومتى ما نمت فلتتحول إلى أيد عاملة داخل مصانعهم في بلداننا لإنتاج ماركتهم داخل بلداننا وتمنحها عناوين وطنية (إنتاج محلي) والمصنع أمريكي، المصنع يهودي، المواد الأولية من عندهم وحتى الأغلفة من عندهم، ويعزز الشهيد القائد ذلك بالقول” التنمية من منظار الآخرين هي تحويلنا إلى أيد عاملة لمنتجاتهم، وفي مصانعهم،
تحويل الأمة إلى سوق مستهلكة لمنتجاتهم، أن لا نرى الأمة، أن لا يرى أحد، وليس الأمة أن لا يرى أحد من الناس نفسه قادراً على أن يستغني عنهم في قوته، ملابسه، حاجاته كلها من تحت أيديهم” يتساءل بعد ذلك “هل هذه تنمية”.
مشاريع هامشية
ويرمي الشهيد القائد إلى القول: إن القروض الربوية والمساعدات المالية التي تمنحها الدول الرأسمالية عبر صندوق النقد والبنك الدوليين تحت يافطة مشاريع أسواق ومجمعات استهلاكية غير منتجة لا سيما وأن حقيقة تلك القروض الربوية يتم استخدامها لتنفيذ مشاريع هامشية وغير إنتاجية أو صناعية بما يعزز من حالة التبعية، ويقول “القروض التي يعطوننا قروض منهكة مثقلة.
ويشير قائلاً “وإن كانت هناك تنمية فهي مقابل أعمال ثقيلة تجعلنا عبيداً للآخرين، ومستعمرين أشد من الاستعمار الذي كانت تعاني منه الشعوب قبل عقود من الزمن”، ويؤكد ذلك بالقول “يقولون لنا بأن التنمية هي كل شيء ويريدون التنمية ولتكن التنمية بأي وسيلة وبأي ثمن! ويضيف: انظر كم سيطلبون من القروض من دول أخرى، هذه القروض انظر كم تترتب عليها من فوائد ربوية ثم انظر في الأخير ماذا سيحصل؟ لا شيء، لا شيء” وفي ضوء ذلك يمكن استعراض تشخيص الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه للهيمنة الاقتصادية بعباءة التنمية، وبيان أسبابها ومظاهرها والتي تتجلى بنحو سلبي داخل الأمة العربية والإسلامية.
تشخيص دقيق
لقد استطاع الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه”، أنَّ يُقدِّمُ التشخيص الدقيق، لما تعانيه هذه الأُمَّة من الناحية الاقتصادية، ويُقدِّمُ في الوقت نفسه، الحلول، والمعالجات الناجعة، والعملية، الكفيلة ببناء الأُمَّة، البناء القوي في المجال الاقتصادي، لاسِيَّمَا وأنَّه يصّبُ جُلَّ اهتمامه بالجانب الاقتصادي، التي يرتبط به عزة الأُمَّة، وقوتها، وذلك من منطلق تأكيده بأنَّ الإسلام يهتمُ بالجانب الاقتصادي، فيما يتعلق بالأُمَّة، حيث يقول:
” الإسلام يهتم جداً فيما يتعلق بالمسلمين بالجانب الاقتصادي لعباد الله، بالجانب الاقتصادي للمسلمين“.
ويُضيفُ بالقول: “الجانب الاقتصادي بالنسبة للمسلمين مهم في أن يستطيعوا أن يقفوا في مواجهة أعدائهم، في أن يستطيعوا أن يقوموا بواجبهم ومسؤوليتهم أمام الله من العمل على إعلاء كلمته ونصر دينه، ونشر دينه في الأرض كلها“.
وفي ضوء اتساع مفهوم الصراع مع الأعداء، وشموليته، ومدى قدرة الأُمَّة على بناء نفسها، ومواجهة أعدائها؛ يُمكن أنَّ نستشف تشخص الشهيد القائد للتنمية الاقتصادية الحقيقية، بأنَّها التي تجعل الأُمَّة قادرة على مواجهة أعدائها، حيث يتساءل:” أين البناء الاقتصادي، والتنمية الحقيقية التي تجعلنا أمة تستطيع أن تقف على قدميها؟ إننا نعيش الألم النفسي، نعيش ألماً شديداً ليس من نقص في الفيتامينات وإنما من نقص في الكرامة وفي العزة، نقص في الحياة الكريمة التي أراد ديننا أن تتوفر لنا، نعيش الألم فأين هو العلاج؟“.
ومن منطلق تأكيده بأنَّ: “الاقتصاد هو صمام مُهم في ميدان المواجهة”، يقول الشهيد القائد:”إن من المعروف أن نقول للآخرين: إن عليكم أن تهتموا بالجانب الاقتصادي فتجعلوا الشعوب قادرة على أن تقف على أقدامها مكتفية بذاتها فيما يتعلق بقوتها الضروري؛ لتستطيع أن تقف في مواجهة أهل الكتاب، أليس هذا من المعروف؟“.
بيد الآخرين
وفي السياق ذاته، يُبَيِّنُ السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي أنَّ الاقتصاد هو سلاحَ بيدِ الآخرين، يُوظفونه لخنقِ الشعوبِ، وإذلالِها، واستعبادِها، ويعتبر أنَّ هذه مشكلةٌ خطيرة جداً على الشعوب، ويُؤكِّدُ أنَّ الأُمَّة بحاجة إلى أنَّ تكون قوية في مواجهة التحديات، والأخطار، وأنَّ ننهض اقتصاديا، حيث يقول:
– “نحن بحاجة لأن نكون أمة قوية في مواجهة التحديات والأخطار، وأن ننهض اقتصاديا“.
– “إننا كأمة مسلمة بحاجة إلى أن نكون أمةً قوية في اقتصادها، أمةً تمتلك الحس الإنتاجي، التركيز على الإنتاج، التركيز على حسن التصرف والرشد والحكمة في التصرف فيما هناك من إمكانات وماديات“.
ويُبَيِّنُ السيدُ القائدُ أنَّ الجانبُ الاقتصاديُ في الإسلامِ مهمٌ جداً، وتقومُ عليه حياةُ الأُمَّة، وقوتها، ويُؤكِّدُ إنَّ الإسلام يُربي، الأُمَّة لأنَّ تكون اُمَّة مُنتِجَةً، ولديها قوة اقتصادية، حيث يقول:”أن الجانبَ الاقتصاديَ في الإسلامِ أمرٌ مهمٌ جداً تقومُ عليه الحياةُ للأمَّةِ وللناسِ وتقومُ عليهِ أيضاً قوةُ الناسِ“.
ويُضيفُ بالقول:”الإسلام كما قلنا يربينا أن نكون أمة لديها قوة اقتصادية، أمة منتجة، أمة منتجة“.
رؤية اسلامية
ويُشيرُ السيدُ القائدُ إلى أنَّ رؤية الإسلامِ تجاه الموضوعِ الاقتصادي، حيث يقول: الجانبُ الاقتصاديُ في الإسلامِ مهمٌ للغايةٍ مهمٌ جداً وليست النظرةُ إليهِ على أنَّه لِلترَفِ والعَبثِ وللاستهتارِ والإهدارِ كيفَ مَا كانَ والتصرُفِ العبثي، لا، إنّما نتعاملُ من واقعِ الحكمةِ وعلى أساسٍ من المسؤوليةٍ وعلى أساسٍ من المبادئِ والقِيمِ والأخلاقِ والتشريعاتِ التي وَرَدتْ في هذا الجانب، النظرةُ العامةُ بأصلِها مطلوبٌ أنْ تكونَ نظرةً صحيحةً إلى موضوعِ المالِ وموضوعِ الاقتصادِ كيف هو في الإسلام، لأنَّ للإسلامِ رؤيتَه تجاهَ الموضوعِ الاقتصادي وموضوعِ المالِ والثروةِ، مَا الذي ينبغي أن نُحصِّلَه من وراء ذلك أن نَحصُلَ عليهِ من خلالِ ذلك، ماذا نريدُ بالثروة، ماذا نريدُ بالمال؟ ماذا نريدُ بالاقتصاد؟“.
حس الإنتاج
ويُؤكِّدُ السيد القائد على وجوب أنَّ تمتلك الأُمَّة حس الإنتاج، وحُسن التصرف، والرُشد الاقتصادي، والمالي، والتقدير للنعم الإلهية، إضافة إلى النظرة من واقع المسؤولية تجاه النعم الإلهية، والوعي الاستراتيجي تجاه أَهميَّة الجانب الاقتصادي، حيث يقول:
“يجب أن نعمل لأن نمتلك حس الانتاج وكذلك حسن التصرف، الرشد الاقتصادي الرشد المالي الرشد في التصرف المادي، التقدير للنعم الإلهية، النظرة من واقع المسؤولية تجاه النعم الإلهية، الوعي الاستراتيجي تجاه أهمية الجانب الاقتصادي في أن نكون أمةً قوية وأن نكون أمةً حرة وأن نكون أمةً تستطيع النهوض على قدميها في مواجهة الأعداء في مواجهة التحديات في مواجهة الأخطار“.
ويُضيفُ بالقول: “الوضع الاقتصادي يحتاج إلى وعي عام، سياسات عامة، ويحتاج أيضا إلى تعاون، إلى تعاون“.
وسيلة
وفي خضم ذلك، يُؤكِّدُ السيدُ القائدُ أنَّ الاقتصادُ في الإسلامِ، هو وسيلةٌ، وليس غايةً، حيث أنَّ الإسلامَ يَجعلُ من الاقتصادِ وسيلة مُهمة لتحقيقِ غاياتٍ مُهمة، في إصلاح واقع الأُمَّة، وبناء اقتصاد قوي يُحقِقُ لها الاستقلال، والاكتفاءَ الذاتي، والقوة، لتكونَ اُمَّة مُنتِجَةً، وقويةً، على المستوى الاقتصادي، ولا تَعتمدُ في معيشتِها، وغذائِها، واحتياجاتِها الأساسيةِ على أعدائِها، يقول:”الاقتصادُ في الإسلامِ وسيلةٌ وليس غايةً، الفرقُ بينَ نظرتِنا كَمسلمين ـ مِن خلالِ الرؤيةِ القرآنيةِ من خلالِ الثقافةِ القرآنيةِ من خلالِ التشريعاتِ الإسلاميةِ ـ والنظرةِ الماديةِ عندَ القوى الرأسماليةِ والاشتراكيةِ أنَّ الإسلامَ يَجعلُ من الاقتصادِ وسيلةً وليسَ غايةً، ووسيلةً مُهمةً لتحقيقِ غاياتٍ مُهمة، عِندما نقولُ وسيلةً هذا لا يُقلّلُ مِن أهميتِه في الإسلامِ إنّما هو وسيلةٌ لتحقيقِ غاياتٍ مُهمةٍ، ومَضبوطٌ بتشريعاتٍ وتوجيهاتٍ مِن اللهِ سبحانه وتعالى، هذه الالتزاماتُ الماليةُ التي نُصلِحُ بها واقعَنا المُجتمعيَ ونَبني بها اقتصاداً قوياً يُحقِقُ لنا الاستقلالَ والاكتفاءَ الذاتيَ والقوةَ، وحتى نكونَ أمَّةً مُنتِجَةً وأمَّةً قويةً على المستوى الاقتصادي لا تَعتمدُ في اقتصادِها وفي معيشتِها وفي غذائِها وفي احتياجاتِها الأساسيةِ على أعدائِها، لا بُدَّ أن ننطلقَ من هذا المنظورِ الإسلامي بِعينِ المسؤوليةِ وعلى أساسٍ من المبادئِ والتشريعاتِ الإلهيةِ“.
غاية
ويُضيفُ بالقول: “اليوم ما الذي نعانيه من الرأسمالية في العالم؟ الرأسمالية في العالم جعلت الحصول على المال غاية وهدف رئيسي، ثم قالت: [الغاية تبرر الوسيلة]؛ وبالتالي فتحت المجال لكل الأساليب المحرمة والوسائل المحرمة في الحصول على المال بأي طريقة، مهما كانت تلك الطريقة محرمة أو ظالمة، في الإسلام هذا محرم، هذا محرم، يأتي الإسلام ليعطي أهميةً قصوى للجانب الاقتصادي.
ويبرز شكلان للاستعمار في فكر السيد حسين الحوثي، الأول هو التبعية الاقتصادية التي تجعل شعوبنا أسواقاً استهلاكية للغرب، وفي ضرب إنتاجنا الوطني، والشكل الثاني من الاستعمار هو فرض التخلف المعرفي والعلمي علىمجتمعاتنا المُستَعمَرة، والذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تأبيد التبعية والتخلف.
حصار معلوماتي
وهذا الشكل الثاني من أشكال الاستعمار أو التخلف الخادم للاستعمار في أحد جوانبه علاقة بالغرب الذي يفرض حصاراً معلوماتياً على البلدان المُستعمرة، أو يُقدم لنا المعرفة الناقصة التي لا تفيدنا في تجاوزهم، والجانب الآخر في قضية المعرفة والاستعمار هو التخلف الناتج عن التراث الرجعي الذي كرسه وعاظ السلاطين وفقهاء أصول الدين، الذين يصورون الحياة البشرية على الأرض دون معنى، وينفون عن الوجود قيمته الموضوعية، ويفهمون التفكر الذي يدعو إليه القرآن في حدود الاستدلال على وجود الخالق من وجود المخلوق، الذي لا يؤدي إلى تحريك الطاقات نحو الإبداع والإنتاج، ويرهن أوطاننا ومجتمعاتنا للاستغلال والاستعباد الأجنبي.
فيما التفكر في فكر الشهيد حُسين يقصد به إعمال الفكر في العلوم الطبيعية والاستفادة من عناصر الطبيعة في التصنيع والزراعة لبناء الحضارة وتحقيق الاستخلاف في الأرض ليظهر في ذلك عظمة الله وكماله قدرته، واعتبار تحقيق ذلك من أجلَّ العبادات.
وبناء على ذلك نستخلص من تحليل الشهيد حسين الحوثي أن أزمتنا هي نتيجة وجود عوائق في وصولنا إلى الاكتفاء الذاتي في الصناعة والزراعة، وبصيغة علمية يتأبد تخلفنا الحضاري في إعاقة دول الاستعمار -وفي مقدمتها أمريكا الإمبريالية- لتطور البنية الاجتماعية الاقتصادية إلى أطوار أعلى دخل ذات التشكيلة الرأسمالية من الاستيراد والتبعية إلى الإنتاج، في إعاقة تطور البنية الاقتصادية الاجتماعية تتجدد السيطرة الاستعمارية، ويتأبد خضوعنا لهذه السيطرة، ويتأكد بالتالي (تخلفنا)، وأزمة التخلف في رأي الشهيد حسين الحوثي هي نتيجة تبعية العلاقات الاقتصادية العربية للسيطرة الغربية التي تجعلنا سوقاً مستهلكة لهم، فإذا تحررت من هذه السيطرة سنتحرر من حالة التخلف والهوان.
الثورة / أحمد المالكي