صمود وانتصار

الحصار.. الكارثة الإنسانية التي ابتعدت عن العالم الخارجي بضوء أخضر أمريكي

الحصار.. الكارثة الإنسانية التي ابتعدت عن العالم الخارجي بضوء أخضر أمريكي

الصمود../

 

الساحل المهجور في شمال اليمن، الهياكل الصدئة، آهات الأطفال والرضع المؤلمة المصابين بسوء التغذية وأولئك الأطفال الذين ماتوا والأطفال الذين لا زالوا يموتون، الطوابير الطويلة للسيارات أمام محطات البترول وخلو الشوارع من السيارات، تروي قصة العدوان والحصار والدمار, لسنوات حتى الآن، أصبح شمال اليمن معزولاً بشكل متزايد عن العالم الخارجي.

 

إنها الكارثة الإنسانية التي ابتعدت عن العالم الخارجي، بتنفيذ سعودي – إماراتي – إسرائيلي، وضوء أخضر أمريكي، ووسط تواطؤ الأمم المتحدة .

 

يحظر القانون الإنساني الدولي، استخدام التجويع كوسيلة حرب، ويطالب بعدم “التسبب عمدا [بالتجويع]” أو التسبب عمدا في “معاناة السكان من الجوع، ولا سيما عبر حرمانهم من مصادر الغذاء أو الإمدادات”.

 

كما أن التجويع محظورًا بالفعل بموجب اتفاقيات جنيف التي وقعت عليها السعودية وأمريكا، مع ذلك فإنه في كل حالات وسياسات التجويع والحصار الذي يمارسه تحالف العدوان بحق اليمنيين، كانت فيه واشنطن تلعب دور الشيطان .

 

*يصادف يوم 24 مايو القادم الذكرى السنوية الرابعة لاعتماد مجلس الأمن بالإجماع للقرار رقم 2417، الذي يدين استخدام التجويع كسلاح في الحرب، “الثورة” تحاول من خلال هذا التقرير، إعطاء جزء بسيط من الأثر المدمر للعدوان على اليمنيين، بما في ذلك النقص الواسع في الوقود الذي يؤثر على جميع مناحي الحياة .

 

الحصار موجود منذ بداية العدوان، منذ فترة تولي الرئيس أوباما السلطة -آنذاك- ونائبه الرئيس الحالي، لقد سمح بايدن للتحالف الذي تقوده السعودية بفرض حصار على الموانئ البرية والبحرية والجوية في اليمن.

 

في الطريق إلى ميناء الحديدة، تشعر بالكارثة الإنسانية التي ابتعدت عن العالم الخارجي، فعلى طول جانب الطريق، تجد المئات من شاحنات الإمدادات الغذائية متوقفة بسبب عدم وجود وقود لكي تتحرك، في بلد مخنوق تحت وطأة الجوع، تقف الشحنات تحت أشعة الشمس التي سوف تفسدها لا محالة.

 

ميناء الحديدة هو بوابة الإمداد الوحيدة لبقية البلد، يجب أن يكون مزدحمة بالنقلات المحملة، لكنه اليوم فارغة ومهجورة بشكل مخيف، وذلك نتيجة الحصار السعودي المدعوم من الولايات المتحدة.

 

منذ بداية العدوان على اليمن في مارس 2015 فرض تحالف العدوان بقيادة أمريكا حصارا بحريا وجويا على اليمن ، وشدد من قيوده على تدفق الغذاء والوقود والدواء للمدنيين في مخالفة للقانون الدولي الإنساني ، قام تحالف العدوان بإغلاق جميع نقاط الدخول لليمن ، في بعض الحالات فقط سمح بدخول بعض السفن التجارية لكنه شدد منذ بداية العام 2021 من الإغلاق والحصار ومارس قرصنة مكشوفة لسفن الشحن والوقود والسلع والأدوية، حيث انضمت الولايات المتحدة إلى هذا الحصار في أكتوبر 2016 وزادت من دعمها للسعودية بالوقود والعتاد والأسلحة.

 

وفي مطلع العام الجاري، مارس تحالف العدوان بتشجيع أمريكي وصمت أممي، أبشع صور الحصار والتجويع على الشعب اليمني، فقد استمر في منع وصول الكثير من سفن الوقود والمساعدات وجميع الواردات التجارية، من بلوغ المرافئ في الحديدة، ما أدى إلى آثار كارثية وغير قانونية على إتاحة السلع الأساسية والوقود للمدنيين في اليمن.

 

اليوم وصلت أزمة الوقود خلال الأربعة الأسابيع الأخيرة إلى ذروتها ، لم يعد الوقود متوفرا للسيارات ، يجد اليمنيون صعوبة في التنقل والسفر بين محافظاتهم ، أما المستشفيات ومحطات الطاقة والمياه والمصانع وشاحنات النقل فهي مهددة بالتوقف التام، فيما توقف العديد منها، بعد عجز شركة النفط عن توفير الاحتياج الضروري لها ، بسبب الحصار المستمر الذي يفرضه تحالف العدوان.

 

يبرر النظام السعودي حصاره على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 ، الذي صدر في عام 2015 بمساعدة واشنطن، بعد وقت قصير من إعلان العدوان على اليمن، وينص القرار على أن تنشئ الأمم المتحدة عملية تعرف باسم آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) ، لمنع ما يزعم بتهريب الأسلحة إلى اليمن -حسب زعمهم، وهو القرار الذي وجد فيه النظام السعودي والإماراتي مبرراً لقتل الشعب اليمني بسلاح الحصار والتجويع .

 

حيث تبين سجلات بحرية لم يسبق نشرها وتقرير سري للأمم المتحدة ومقابلات مع وكالات إغاثة إنسانية وخطوط ملاحية أن سفن تحالف العدوان الذي تقوده السعودية تمنع دخول إمدادات ضرورية إلى اليمن .

 

وفشل نظام أقامته الأمم المتحدة في مايو 2016 لتسهيل وصول الإمدادات التجارية من خلال الحصار في ضمان حصول الشعب اليمني على ما يحتاج إليه من إمدادات، حيث تحوّل تجويع اليمنيين إلى ورقة مساومة غير مقبولة تمارسها واشنطن وأدواتها بحق الشعب اليمني، وهي تصرفات تنتهك بنود اتفاقية جنيف، التي وقعت عليها السعودية، وبالتالي تشكل جريمة حرب.

 

في الوقت نفسه ذكرت منظمات دولية أن الحصار الذي فرضته السعودية بدعم من الولايات المتحدة (والمملكة المتحدة) قد أثر على حوالي 80 ٪ من السكان الذين هم في حاجة ماسة إلى الأمور الحيوية مثل الغذاء والماء والإمدادات الطبية، بدأت المملكة العربية السعودية في تنفيذ ضرباتها الجوية وقد اعتمدت في هذا على تقارير استخباراتية من الولايات المتحدة التي زادت دعمها لحليفتها السعودية من خلال تزويدها بالوقود وبصور الأقمار الصناعية وبكل العتاد الحربي بما في ذلك الأسلحة والطائرات.

 

تراجع حركة السفن بميناء الحديدة

 

يشهد ميناء الحديدة تراجعا حادا في حركة السفن خصوصا واردات الوقود، حسب بيانات حركة السفن لمينائي الحديدة والصليف الصادرة عن مؤسسة موانئ البحر الأحمر.

 

يعتبر ميناء الحديدة المنفذ الرئيس لدخول واردات الغذاء والوقود إلى شمال اليمن ذو الكثافة السكانية، وياتي تراجع حركة السفن التجارية في الميناء

 

وتظهر بيانات حركة السفن بمينائي الحديدة والصليف إلى تراجع واردات الوقود بنحو الثلثين للفترة من الأول من ديسمبر 2021 إلى 16 من فبراير 2022 مقارنة مع الفترة نفسها لعامي 2019 – 2020، وسجلت واردات الوقود “صفر” للفترة نفسها خلال العام 2020 – 2021.

 

قرصنة بمباركة أممية ودولية

 

في العام 2019 لم يسمح تحالف العدوان بدخول سوى 80 سفينة وقود إلى الميناء الوحيد لتغذية غالبية محافظات اليمن، بعد مدة احتجاز تراوحت بين أسبوع وشهرين، هذا الاحتجاز نتج عنه غرامات تربو عن 31 مليون دولار (18.6 مليار ريال)، ما أدى إلى تقليص عدد السفن المتجهة إلى ميناء الحديدة في العام 2020 إلى 63 سفينة، نتيجة تخوف الشركات المالكة لسفن النقل وتجار الوقود من الشحن إلى ميناء الحديدة حيث ينتظر السفن مصير مجهول ويكلف التجار غرامات تزيد بعض الأحيان عن قيمة الوقود ويتجرع المواطن العبء الكبير بارتفاع أسعار المحروقات.

 

وعلى الرغم من تقلص عدد السفن في العام 2020م، إلا أن مدة الاحتجاز تراوحت بين أسبوع و9 أشهر، ما أدى إلى ارتفاع غرامات التأخير لأكثر من 91 مليون دولار (45.6 مليار ريال)، انعكست هذه النتيجة على العام 2021، حيث لم تتجه نحو ميناء الحديدة سوى 26 سفينة وصلت مدة احتجاز بعضها إلى قرابة العام، بينما بلغت الغرامات الناتجة عن الاحتجاز 54 مليون دولار (32.4 مليار ريال).

 

• خلال العام 2021 قام تحالف العدوان بقرصنة 26 سفينة ديزل وبنزين وغاز، منها سبع سفن قام بمنعها نهائيا من الوصول إلى ميناء الحديدة، وأجبرها على المغادرة محملة بشحناتها إلى أماكن أخرى، بعد حجزها لمدد وصلت إلى 330 يوما، كما في السفينة بندج فكتوري.

 

• 19 سفينة من السفن التي اتجهت إلى ميناء الحديدة قام تحالف العدوان بقرصنتها واقتيادها إلى ميناء جيزان وحجزها لفترات وصلت إلى ستة أشهر ثم بعد ذلك سمح لها بالوصول ، أما بقية السفن فقد أجبرها على المغادرة.

 

• خلال العام 2021 صعّد تحالف العدوان من حصاره بشكل أكبر مما سبق في الأعوام السابقة، حيث احتجز كل السفن التي اتجهت نحو ميناء الحديدة، وكل سفينة كانت تأخذ فترة احتجاز طويلة وأيضا ضاعف من مدد الاحتجاز بشكل أكبر مما كان في الأعوام السابقة، وأيضا قام بمنع بعض السفن من الدخول نهائيا وأجبرها على العودة وهو ما لم يكن يفعله في الأعوام التي سبقت، ومرت بعض أشهر العام المنصرم دون أن يسمح لسفينة واحدة بالدخول.

 

• كل السفن التي يحتجزها تحالف العدوان يقوم بقرصنتها بعد حصولها على تراخيص أممية بالدخول، وبعد منحها الترخيص يعمد تحالف العدوان إلى حجزها.

 

• يمنع تحالف العدوان سفن الحاويات المحملة بالسلع والمواد الغذائية من الوصول إلى ميناء الحديدة ويقوم بتحويل مسارها إلى ميناء عدن الذي يعتبر صغيرا لا يستوعب شحنات كبيرة كما هو حال ميناء الحديدة، وإلى موانئ دبي أيضا.

 

وبلغة الأرقام؛ فإن احتياج المحافظات اليمنية للاستهلاك السنوي من الوقود تقدر بنحو 1.4 مليون طن من البنزين و1.5 مليون طن من الديزل، لكن ما سمح تحالف العدوان بدخوله إلى اليمن خلال العام 2021 لا تصل نسبته سوى لـ 4% من البنزين أي 57 ألف طن، بينما لم تصل نسبة الكمية التي سمح بدخولها من مادة الديزل سوى لـ 6% أي نحو 87.5 ألف طن.

 

قيود دول العدوان على وصول المساعدات الإنسانية

 

فرض تحالف العدوان قيودا متزايدة على وصول المساعدات الإنسانية إلى صنعاء، أكبر مدن اليمن، وأوقف العدوان جميع الرحلات التجارية إلى صنعاء، في أغسطس 2016م دعت 12 وكالة إغاثة إلى إعادة فتح المطار الرئيسي في البلاد، وأشارت إلى أن الرحلات التجارية “تجلب الإمدادات الحيوية في كثير من الأحيان وتتيح كذلك حرية الحركة للمدنيين”، وثقت منظمة “مواطَنة”، منظمة حقوقية، حالات منع سفر أشخاص يعانون من أمراض مزمنة إلى الخارج للعلاج، بما في ذلك امرأة احتاجت لجراحة قلب وتوفيت لاحقا.

 

في مايو 2018، حاول تحالف العدوان حصر المسافرين في رحلات الأمم المتحدة إلى صنعاء في حاملي جوازات السفر الأممية فقط، لكن البقية موظفون أساسيون في منظمات إغاثة وحقوقية، مثل هيومن رايتس ووتش، وصحفيون. تمكنت الأمم المتحدة من التفاوض على السماح لموظفي المنظمات الإنسانية بالسفر على رحلاتها، لكن مُنع البقية.

 

عرقل العدوان بشكل متكرر قدرة منظمات الإغاثة على العمل في الأراضي الشمالية، أبلغ تحالف العدوان الأمم المتحدة بحاجة الموظفين الدوليين إلى تأشيرتي دخول، واحدة من حكومة الإنقاذ وأخرى من حكومة المرتزقة، للسفر ضمن رحلات الأمم المتحدة، كان التحالف قد فرض في السابق شروطا مماثلة على الصحفيين قبل منعهم من السفر نهائيا، طلبت حكومة المرتزقة لاحقاً من جميع المنظمات الإنسانية إبرام اتفاقات جديدة مع الوزارات في عدن، أبلغ تحالف العدوان الأمم المتحدة مرة أخرى أن حاملي جوازات سفر الأمم المتحدة وحدهم يستطيعون السفر في رحلات الأمم المتحدة الجوية، عندما رفضت الأمم المتحدة مطالبة منظمات الإغاثة بالتوقف عن استخدام رحلاتها الجوية، رد التحالف بتعليق الرحلات الجوية، وفقا لما قاله موظفو إغاثة في صنعاء لـ “هيومن رايتس ووتش”.

 

دعا العدوان مرارا الوكالات الإنسانية إلى نقل عملياتها إلى عدن التي تسيطر عليها حكومة المرتزقة، وفي إعلانه في 6نوفمبر 2018، دعا التحالف “الطواقم المدنية والإنسانية” إلى تجنب “المناطق والموانئ التابعة لحكومة الإنقاذ في صنعاء.

 

منظمات دولية تدعو لإنهاء الحصار

 

قالت “هيومن رايتس ووتش”: إن القيود الموسعة للتحالف بقيادة السعودية على المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية ومنعها من بلوغ سكان اليمن المدنيين، تؤدي إلى تدهور الكارثة الإنسانية في البلاد، ما لم يكف التحالف فورا عن منع المساعدات والسلع التجارية من بلوغ المدنيين بالأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون، فعلى مجلس الأمن فرض حظر سفر على كبار قادة التحالف وتجميد أصولهم، ومنهم ولي العهد السعودي ووزير الدفاع محمد بن سلمان.

 

وقال جيمس روس، مدير قسم القوانين والسياسات في هيومن رايتس ووتش: “استراتيجية التحالف بقيادة السعودية في اليمن ارتبطت بشكل مطرد بمنع المساعدات والسلع الأساسية من بلوغ المدنيين، ما يعرّض ملايين الأرواح للخطر، على مجلس الأمن أن يفرض سريعا عقوبات على القادة السعوديين وقادة التحالف الآخرين المسؤولين عن منع وصول الغذاء والوقود والدواء، ما يؤدي إلى المجاعة والمرض والموت”.

 

وقالت المنظمة: لقد انتهكت إجراءات التحالف العسكري حظر قوانين الحرب لفرض قيود على المساعدات الإنسانية وعلى تدمير الأغراض الضرورية لحياة السكان المدنيين، هذه الانتهاكات، فضلا عن تجاهل التحالف لمعاناة السكان المدنيين، تُظهر أن التحالف ربما ينتهك الحظر على استخدام التجويع كوسيلة حرب، وهي جريمة حرب.

 

وعلى مجلس الأمن أن يفرض سريعا عقوبات على القادة السعوديين وقادة التحالف الآخرين المسؤولين عن منع وصول الغذاء والوقود والدواء، ما يؤدي إلى المجاعة والمرض والموت.

 

وأعربت منظمة أوكسفام و 17 وكالة إنسانية أخرى عن قلقها الشديد إزاء قرار الإئتلاف الذي تقوده المملكة العربية السعودية بإغلاق جميع نقاط الدخول إلى اليمن، ما أدى إلى إغلاق البلاد بشكل فعال، وتطالب الوكالات باستئناف العمليات الإنسانية على الفور والسماح بإيصال الإمدادات الإنسانية.

 

وصرح شين ستيفنسون، مدير منظمة أوكسفام باليمن: “إن اليمن هي أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يوجد أكثر من 21 مليون شخص في حاجة ماسة للمساعدة، ولمنع المزيد من ضياع ومعاناة الملايين من الأرواح ، حتمي ألا تتأخر المعونة أو تعرقل ساعة واحدة أخرى، ويتعين على الائتلاف أن يوضح فوراً التدابير التي اتخذها لرفع هذا الحصار، وأن يضمن ألا تتأثر عمليات إيصال المعونة إلى اليمن والعمليات الإنسانية بأي شكل من الأشكال، فاليمن أصبح قاب قوسين أو أدنى من مجاعة”.

 

وقال تامر كيرلس، المدير منظمة إنقاذ الطفولة: “إن إمدادات المساعدات الغذائية والطبية القادمة تحافظ على ملايين الأطفال أحياء، لقد كان بالفعل صعبا بما فيه الكفاية من قبل ايصال المساعدات الإنسانية، فقد اضطررنا إلى الاعتماد على الطرق الطويلة والبطيئة لسنوات، ولكن إذا توقف الوصول تماما، حتى لمدة أسبوع واحد، ستكون النتيجة كارثية، سيعد كابوسا، ومن المرجح أن يموت الأطفال نتيجة لذلك، ومن الضروري أن يسمح لعمال الإغاثة والإمدادات الحيوية بإدخال الغذاء والدواء والوقود إلى اليمن بحرِّية وبدون تأخير، وإزالة جميع الصعوبات “.

 

(الثورة)